لا زالت الأوضاع الداخلية في إيران تعيش العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فالوضع العام ومع بداية الذكرى السنوية الاولى لمقتل الشابة الكردية (مهسا اميني) في 15 أيلول 2022 يشهد تحديات كبيرة وتظاهرات مستمرة يتعامل معها النظام الإيراني بحالة من العنف والقسوة والقمع، وغليان شعبي لارتفاع اسعار المواد الغذائية وسوء الأحوال الاقتصادية وانهيار العملة المحلية وارتفاع نسبة التضخم وعدم وجود أليات حقيقية في معالجات جذرية للتغلب على هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطن الإيراني وتصاعد حدة المواجهات بين الأجهزة الأمنية والمواطنين في الأسابيع الماضية مما حدى بالنظام الإيراني على اتخاذ العديد من الإجراءات التعسفية بفرض الحجاب على النساء بالقوة واعتقال كل من يقف ضد القرار او يتعاطف معهم.
اتخذ مجلس الشورى الإيراني قراراً بتاريخ 18 أب 2023 بوضع تقرير الهيئة القضائية والقانونية حول مشروع ( قانون الحجاب والعفة) على جدول أعماله والذي سيتم مناقشته بموجب المادة 85 من الدستور وإرساله إلى مجلس صيانة الدستور للمصادقة عليه،وامعاناً من النظام الإيراني في مواجهته لمؤيدي ومناصري الانتفاضة الشعبية تم استدعاء الأساتذة والطلبة قبل بدء الفصل الدراسي الجامعي من المشاركين والمناهضين لإجراءات السلطة وبدأوا بتوجيه التهم لهم واستخدام أساليب التهديد والوعيد من قيام تظاهرات أخرى وتهديدهم باعتقال عوائلهم وبث حالة الرعب والخوف في صفوف الطلبة، ومن المحافظات التي استهدف بهذه الإجراءات كانت ( طهران وكرمنشاه وكيلان وكردستان وأذربيجان الشرقية) وهي التي انطلقت منها تظاهرات العام الماضي وامتدت لتشمل معظم المدن الكبرى والأقضية والنواحي الإيرانية.
وبمناسبةالاحتفال السنوي باليوم الوطني للصحافة في إيران أقيم احتفال برعاية قائد الحرس الثوري حسين سلامي، تحدث فيه الجنرال محمد باقري مع عناصر من قوات التعبئة ( الباسيج) الذين حضروا الاحتفال طالباً منهم ( الاهتمام بمجال الحرب الناعمة والقضاء المجازي لان ذلك يعتبر مكملاً لعملكم الاستخباري الوطني) ومحذراً الصحفيين والإعلاميين بضرورة الإلتزام بالمحددات التي يضعها النظام الإيراني للعمل الصحفي والتي تخدم توجهات وأهداف السلطة الحاكمة وكل من لايعمل بهذه التعليمات يعتبر موالي للغرب وعدو للنظام ومنفذ لمخططات تأمرية خارجية، وهذا ما يعني تواجد وفعالية (الدولة العميقة) التي انشأها النظام بأساليب وأدوات تخدم أهدافه في البقاء بالسلطة مستخدماً القوة والبطش لكل من يعارضه أويخرج عن مسارات منظومته السياسية والأمنية، كما طالبت عدد من القيادات الاستخبارية وبرلمانين بفصل النخب والتدريسين الذين يعارضون توجهات النظام من الجامعات والمعاهد واستبدالهم بأشخاص قريبين مؤيدين له.
وأمام هذه المقترح تم تقديم مذكرة احتجاج وقع عليها الأف من الطلبة وأعضاء في الهيئات التدريسية رافضين التطهير الحكومي وطلبوا بعودة الطلبة والتدريسين المفصولين والتهديد بعدم الدوام اذا لم يستجاب لطلباتهم.
لاقت هذه الإجراءات التعسفية والأساليب القمعية رفضاً من عدد من المسؤولين السابقين ومنهم وزير العلوم في حكومة الرئيس محمد خاتمي ( مصطفى معين) الذي حذر من هجرة الأساتذة منتقداً عملية الفصل بحقهم مشيراً إلى أن إيران تشهد انهيار علمي وان استمرار الأزمات والأحداث الجارية تؤشر عن بداية لانهيار النظام.
يحاول النظام الإيراني تقويض اي محاولة لعودة فعالية التظاهرات الشعبية والتهديد بعدم التهاون بها من قبل المنظومة الأمنية وملاحقة اي ممارسة ونشاط سياسي معادي للنظام، وأن السلطة على استعداد للتصدي بكل ما لديها من إمكانيات لمنع انهيار النظام.
ادت الأساليب القسرية التي اتبعت في مواجهة الانتفاضة الشعبية وعمليات التهديد المستمر وحالات إلقاء القبض على المتعاطفين والمؤيدين للطلبة الثوار إلى تفكير معظم العاملين في المؤسسات التعليمية والتربوية والإنسانية بالهجرة من إيران بسبب حالة اليأس والإحباط التي تعصف بالمجتمع الإيراني واستمرار الايذاء الجسدي ومحاكمة المتظاهرين والزج بهم في السجون والمعتقلات وفقدان الأمل في التغيير والإصلاح، هذا ما جعل عضو مجلس تشخيص النظام ( غلام رضا) يتحدث عن ظاهرة الهجرة بقوله ( ان الاحتجاجات الشعبية كانت السبب الرئيسي وراء هجرة النخب والشركات التجارية).
أشر المرصد الإيراني للهجرة في استبيان له، إن هناك 4 مليون إيراني مهاجر منهم 62٪ لا يرغبون بالعودة و90٪ لا يصدقون كلام الحكومة و67٪ من الايدي العاملة المتخصصة قد هاجروا إلى بلدان أخرى منهم 160 طبيب متخصص في أمراض القلب وجراحة الأعصاب.
أدت اجراءات النظام إلى تصعيد حالة الاحتجاج الخارجي، فقد وافق مجلس النواب الأمريكي يوم 12 أيلول على مشروع قانون يهدف إلى تشديد العقوبات على كبار المسؤولين الإيرانيين المشاركين في قمع واضطهاد المواطنين وانتهاك حقوق الإنسان ورداً على حملات الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية في أيلول من العام الماضي.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان منفصل إنها فرضت عقوبات على 29 فرداً وكياناً على صلة “بالقمع العنيف” للاحتجاجات في إيران في أعقاب وفاة أميني، فضلاً عن إسكات طهران الأصوات المعارضة وفرض قيود على الوصول لخدمات الإنترنت.
وذكرت الوزارة أن العقوبات تشمل 18 عضواً بارزاً في الحرس الثوري الإيراني وقوات إنفاذ القانون إضافة إلى رئيس منظمة السجون الإيرانية، كما أستهدفت العقوبات مسؤولين متورطين في قطع خدمات الإنترنت في إيران بالإضافة إلى عدد من وسائل الإعلام.
وشملت قائمة العقوبات المتحدث باسم قوات إنفاذ القانون سعيد منتظر المهدي وقادة آخرين في هذه القوات والحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى رئيس منظمة السجون الإيرانية غلام علي محمدي.
ومن بين المشمولين بالعقوبات أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة “دوران سوفتوير تكنولوجيز” علي رضا عبدي نجاد، إضافة إلى مؤسسات إعلامية تسيطر عليها الدولة مثل “برس تي في” ووكالتي أنباء “تسنيم” وفارس..
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية