البرهان يواجه مأزقا عسكريا وسياسيا في شرق السودان

البرهان يواجه مأزقا عسكريا وسياسيا في شرق السودان

الخرطوم – باتت المعارك قريبة من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في مدينة بورتسودان التي لجأ إليها معتقدا أنها أكثر أمانا من الخرطوم، وهو ما يضعه على أبواب مأزق عسكري وسياسي في مقر حكمه الجديد بعد صدام بين عناصر تابعة للجيش وأخرى تابعة لحزب مؤتمر البجا في شرق السودان كاد يتحول إلى معركة تصعب السيطرة عليها.

وظهر الصدام بين الجانبين كأنه اختبار لما يمكن أن يحدث لاحقا، وإشارة واضحة إلى أن الجيش غير مرحب به في شرق السودان ووجوده يزعج سكان المنطقة، خاصة أن بعض القوى الاجتماعية تنظر إلى تمركز البرهان وقوات الجيش فيها على أنه هروب من المعركة الحقيقية في الخرطوم، وعلامة على نقل الحرب إلى منطقتهم التي تنعم بالاستقرار.

وشهد شارع “ديم مدينة” في بورتسودان مساء الاثنين مناوشات بالأسلحة الخفيفة بين الجيش وعناصر تابعة لأحزاب تحالف شرق السودان الذي يقوده شيبة ضرار، أحد القياديين الذين عملوا مع النظام السابق، وقام مسلحون من حزبه بتفتيش عربات تحمل أكياسا من السكر وأدوية ثم أوقفوها بحجة أن السكان في بورتسودان محرومون منها.

ويؤكد ما حدث في بورتسودان مخاوف رددها متابعون من أن منطقة شرق السودان لن تكون بمنأى عن المعارك التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، وبدأت في الخرطوم ثم انتقلت إلى دارفور وكردفان، ما يعني أن السودان كله معرّض لانتشار الحرب في ربوعه، وأن البرهان لن يجد ملاذا آمنا يستقر فيه.

وقال شيبة ضرار في تصريحات إعلامية إن عناصره أوقفت عربات لا تملك أوراقا ثبوتية ومستندات قانونية، وإن معظم السيارات التي تم تفتيشها تعود إلى مسؤولين، لافتا إلى وجود “طابور خامس” في شرق السودان يعمل لصالح قوات الدعم السريع.

وهاجمت خمسون عربة “لاند كروزر” تابعة للجيش عناصر مسلحة تابعة لتحالف شرق السودان بعد توقيف السيارات المحملة بالسكر والأدوية.

ولم يستبعد مراقبون أن ينطوي ما جرى في بورتسودان على انقسام داخل المؤسسة العسكرية، وأن الجناح القوي التابع لفلول البشير لا يثق تماما بتوجهات البرهان ويريد تحذيره على فترات من انحرافه عن أجندة الجناح في أي لحظة، ما يعني إمكانية أن ينفجر صراع داخلي على نطاق واسع يخرج خلافات الجيش إلى العلن.

ويضيف هؤلاء أن وصول الأمر إلى حافة الصدام يعني أن التباين اتسع وقد تَصْعب السيطرة عليه، خاصة إثر تمركز الكثير من قياديّي النظام السابق في شرق السودان وهروبهم من ملاحقة قوات الدعم السريع في الخرطوم.

واعترف شيبة ضرار بأنه يدعم القوات المسلحة النظامية الموجودة في الخرطوم، لكنه لا يعترف بالقوات الموجودة في المكاتب المغلقة بولاية البحر الأحمر، وهي إشارة فسرت بتصاعد حدة الخلافات داخل الجيش.

وقال رئيس مؤتمر البجا المعارض أسامة سعيد إن “ما حدث في بورتسودان جرى التحذير منه مسبقًا، وأبناء شرق السودان أكدوا عدم وجود حصانة تمنع انتقال الحرب إليهم إلا بوقفها والذهاب مباشرة إلى طاولة التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق”.

ويواجه إقليم الشرق مشكلات مزمنة برزت أثناء تأسيس الدولة السودانية، وهي بحاجة إلى حلول سياسية يمكن التوصل إليها عبر إنتاج مشروع وطني جديد يفضي إلى تكوين سلطة مدنية.

وأضاف أسامة سعيد لـ”العرب” أن ما حدث من اشتباكات هو نتاج الفوضى العارمة التي تعم البلاد منذ بدء الحرب المستعرة في منتصف أبريل الماضي، وأن فلول البشير تستهدف “خلق فتنة في شرق السودان لتحقيق هدف استمرار الحرب، والفترة الماضية كانت شاهدة على ظهور هاربين من السجون في بورتسودان من أتباع هذه الفلول، قاموا بأنشطة سياسية متعددة على مرأى ومسمع من السلطات المحلية، ودعا هؤلاء بشكل مباشر إلى الاستنفار والحشد”.

وأكد أن “تأسيس أي سلطة غير متوافق عليها وتشكيل حكومة من الفلول والفاسدين في بورتسودان خطر داهم على الإقليم وشبعه، ويخصم من موارده التي يتم استنزافها بشكل يومي خدمةً للحرب الحالية، وتشكيل حكومة من مناطق أخرى أمر سيعمل أبناء شرق السودان على الوقوف في وجهه وصده حفاظًا على مواردهم”.

وتحولت مدينة بورتسودان إلى قاعدة يستقر فيها قائد الجيش بعد فراره من مقر القيادة العامة في الخرطوم، وقام منها بعدة جولات خارجية باعتبارها المنطقة الأكثر أمانا، ما حولها إلى مركز للحكم يمارس منه الجنرال البرهان سلطات واسعة.

منطقة شرق السودان لن تكون بمنأى عن المعارك التي بدأت في الخرطوم ثم انتقلت إلى دارفور وكردفان، ما يعني أن السودان كله معرّض لانتشار الحرب في ربوعه

وأكد موقع “سودان تربيون” أن العناصر التابعة لشيبة ضرار، وهو زعيم قبلي كان مقربا من محمد طاهر أيلا والي البحر الأحمر الأسبق إبان نظام عمر البشير، أخضعت سيارات للتفتيش في ارتكاز نصبته قبل أن تتدخل قوة من الجيش لإزالته.

وشيبة ضرار أحد أبرز قادة الإدارة الأهلية في ولاية البحر الأحمر وكوّن ميليشيا مشكّلة من مئات العناصر المسلحة المناصرة للجيش، وظهر بين قواته في عدة مقاطع مصورة عقب الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

وأعلن قائد قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان في يوليو الماضي استعداده لتجهيز الآلاف من المقاتلين لمواجهة قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان، وذلك ضمن ما يسمى بلجنة التعبئة والاستنفار الداعمة لعناصر الجيش.

وبعد التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة، طالب شيبة ضرار بمعاملة التحالف الذي يقوده كما تعامَل الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق، أي النظر إليه كفصيل مسلح ويحصل على جزء من كعكة السلطة.

ودقت مناوشات بورتسودان جرس إنذار ينبّه إلى ما يمكن أن يحدث في هذه المدينة خلال الفترة المقبلة، إذا شرع البرهان في تشكيل حكومة على مقاسه وتلبي جانبا من طموحاته.

العرب