يرى مراقبون أن انشغال الولايات المتحدة بدعم حروب حلفائها في العالم وفر للصين هامشا من الحرية سمح لها بتكثيف تحركاتها العسكرية على جانبي المحيط الهادئ ودعم حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط سياسيا، وهو ما يضعف حسب رأيهم مكانة واشنطن على الساحة الدولية.
واشنطن – يرى محللون أن “العالم في حالة حرب”، وهو ما يحدد ملامح السياسات الدولية في الوقت الحالي. فالولايات المتحدة مستهلكة بسبب عجز أوكرانيا عن التصدي للغزو الروسي والحرب التي من المنتظر أن تكون طويلة المدى من جانب إسرائيل التي تريد القضاء على حركة حماس الفلسطينية وغيرها من الحركات المسلحة في قطاع غزة.
وقد يتسع نطاق الصراع في الشرق الأوسط بسبب الهجمات التي تشنها إيران عبر التنظيمات الموالية لها في المنطقة ضد الأهداف الأميركية والإسرائيلية.
في المقابل تقدم الصين نفسها في صورة وسيط محتمل ونزيه وعادل للسلام في الشرق الأوسط وأوروبا، على عكس الولايات المتحدة التي تعتبر مشعلة هذه الحروب، حيث تكثف ضغوطها السياسية والعسكرية على تايوان واليابان والفلبين وتدعم روسيا وإيران.
وعلى المدى القريب ستجد بكين ما يغريها بالقيام بمغامرات عسكرية أكبر إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة جيدا لهذا العهد الجديد من الصراع العالمي، بحسب دان بلومنتال الباحث الزميل في معهد أميركان إنتربرايز للدراسات والمتخصص في الشؤون الآسيوية والعلاقات الأميركية – الصينية.
بكين ستجد ما يغريها للقيام بمغامرات عسكرية أكبر إذا لم تكن واشنطن مستعدة جيدا وسريعا لهذا العهد الجديد
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية يقول بلومنتال “إن الصين تستفيد من الصراع العالمي بعدة طرق. فهي تدعم روسيا وإيران، بينما تحقق نجاحات دعائية دولية في مناطق العالم التي لا تروق لها السياسة الخارجية الغربية”.
وعلاوة على ذلك ترى الصين نفسها أكثر حرية في ممارسة الضغط على جيرانها، في ظل العجز الظاهر في قدرات صناعة السلاح الأميركية، والقدرات العسكرية الأميركية بشكل عام.
وفي حين تكافح واشنطن بإستراتيجية مشتتة في أوكرانيا، تضمن الصين قدرة روسيا على مواصلة القتال في المستقبل المنظور. وزاد حجم التبادل التجاري بين بكين وموسكو بنسبة 30 في المئة خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن يحطم حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين خلال العام نفسه الرقم القياسي المسجل في العام الماضي وكان 190 مليار دولار.
والآن يتجه أكثر من ثلث إجمالي صادرات روسيا من النفط إلى الصين، وهو ما يضمن استمرار التدفقات النقدية على الحكومة الروسية لتمويل حربها في أوكرانيا. كما أصبحت الصين لاعبا رئيسيا في السوق الاستهلاكية لروسيا، حيث أصبحت سيارة من سيارتين تباع في روسيا صينية الصنع.
وعلاوة على ذلك تتحدث التقارير عن مساعدة الصين لإيران في تطوير طائراتها المسيرة دون طيار وتصديرها إلى روسيا. وفي منتدى الحزام والطريق الذي استضافته بكين مؤخرا أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ التزامه بشراكة “غير محدودة” مع روسيا، مقرّا بأن البلدين سيواصلان العمل معا ضد التكتلات السياسية التي يقال إن الولايات المتحدة تدعمها.
وخلال المنتدى شدد شي على أن روسيا جزء رئيسي من إستراتيجيته طويلة المدى، قائلا “إن تطوير شراكة إستراتيجية شاملة بين الصين روسيا للتنسيق من أجل ضمان حسن الجوار الدائم والتعاون المفيد للطرفين، ليس أمرا مفيدا فقط وإنما هو التزام”.
الصين تقدم نفسها في صورة وسيط محتمل ونزيه وعادل للسلام في الشرق الأوسط وأوروبا، على عكس الولايات المتحدة التي تعتبر مشعلة هذه الحروب
وتنظر الصين إلى روسيا باعتبارها شريكا مخلصا في مشروعها الوطني لمواجهة التحالف الأميركي وإقامة نظام عالمي بديل. لذلك أصبح انتصار روسيا في حربها ضد أوكرانيا أولوية قصوى للصين.
وفي الوقت نفسه تتحرك إيران نحو إستراتيجية هجومية، وتعزز “محور المقاومة” في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تنفذ فيه التنظيمات الحليفة لطهران هجمات ضد القوات الأميركية وحليفتها الإسرائيلية في المنطقة.
وبفضل المساعدة الصينية يمكن لإيران مواصلة تمويل إستراتيجيتها لفترة من الوقت. وخلال العامين الماضيين عادت صادرات النفط الإيراني للصين إلى مستويات ما قبل فرض العقوبات الدولية على طهران.
ووصلت واردات الصين من النفط الإيراني إلى مستوى قياسي جديد في نهاية العام الماضي. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران.
وفي الوقت نفسه تقدم بكين الدعم العسكري والدبلوماسي لطهران. وبمساعدة الصين انضمت إيران رسميا إلى منظمة شنغهاي للتعاون وهو تكتل أمني تقوده الصين وروسيا. كما تنمو العلاقات العسكرية بين بكين وطهران.
وأصبح في مقدور إيران الاعتماد على الصين كصمام أمان اقتصادي، مع تجنب أي عزلة عسكرية أو دبلوماسية رغم أن الدول الغربية مازالت تعتبرها الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.
وفي الوقت الذي تقدم فيه الصين الدعم لكل من روسيا وإيران، فإنها منخرطة في ثلاث حملات إكراه متزامنة ضد كل من الفلبين واليابان وتايوان. فقد تصاعدت عمليات التحرش الجوي والبحري والسيبراني بتايوان إلى مستويات خطيرة.
الصين تنظر إلى روسيا باعتبارها شريكا مخلصا في مشروعها الوطني لمواجهة التحالف الأميركي وإقامة نظام عالمي بديل
كما أن ضغوط الصين على اليابان في بحر الصين الشرقي لا تتوقف بالتزامن مع نشر سفن كبيرة للسيطرة على جزر سيناكاكو المتنازع عليها. ومؤخرا تصاعد التوتر مع الفلبين حيث تدخل حرس السواحل الصيني والتشكيلات البحرية شبه العسكرية الصينية لمنع حرس السواحل والقوات الفلبينية من التحرك في منطقة تعتبر ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للفلبين في بحر الفلبين الغربي، حيث تحاول الصين الانفراد بالسيادة على هذا البحر الذي يعدّ جزءا من المياه الإقليمية للفلبين.
ويقول دان بومنتال، الذي عمل مستشارا للحكومة الأميركية في شؤون شرق آسيا على مدى أكثر من عشر سنوات، “إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أرسلت حاملة الطائرات الأميركية رونالد ريغان من اليابان إلى الفلبين لكي تعزز تعهدها بالدفاع عنها. لكن نشر هذه الحاملة لا يكفي لكي يردع بكين. كما أن الولايات المتحدة تبدو في موقف أضعف بسبب تشتيت قدراتها العسكرية بصورة مبالغ فيها، مع تراجع الطاقة الإنتاجية للصناعات العسكرية الأميركية. فلكي توفر واشنطن احتياجات إسرائيل من الذخائر في حربها الحالية، اضطرت إلى حرمان أوكرانيا من إمدادات كانت مقررة لها قبل نشوب حرب غزة، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في الموقف العسكري لأوكرانيا أمام روسيا”.
ورغم ذلك يرى بلومنتال أن الولايات المتحدة مازال لديها بعض الوقت كي تردع الصين عن شن حرب كاملة في غرب المحيط الهادئ، وتغيير دفة الصراع في أوكرانيا ومنع إيران من توسيع نطاق الصراع في الشرق الأوسط عبر وكلائها، لكن هذا الوقت وجيز.
العرب