أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن جولة جديدة لمبعوثها المكلف بمنطقة شمال أفريقيا جوشوا هاريس في الجزائر ثم المغرب، بهدف إيجاد حل دائم لقضية الصحراء المغربية “دون المزيد من التأخير”، ما يكشف حسب مراقبين مساعي واشنطن الجدية للحسم العاجل في الملف.
الرباط – عاد مبعوث وزارة الخارجية الأميركية المكلف بمنطقة شمال أفريقيا جوشوا هاريس مرة أخرى إلى المنطقة، في خطوة لإيجاد حل دائم لقضية الصحراء المغربية، وتفاديا للمزيد من الأزمات السياسية والأمنية الإقليمية.
ويأتي ذلك بعد زيارة إلى المغرب والجزائر ومخيمات تندوف كان قد أداها في سبتمبر الماضي، حيث التقى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، وبعده بوزير خارجية المملكة المغربية ناصر بوريطة، وأخبر خلالها قادة جبهة بوليساريو الانفصالية أن “استفتاء تقرير المصير” أو الانفصال عن المغرب مطلب “غير واقعي”، الأمر الذي أكدته الجبهة الانفصالية بخطاب احتجاج وجهته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وأعلن قسم شؤون الشرق الأدنى في الإدارة الأميركية أن مساعد وزير الخارجية وصل إلى الجزائر للشروع في جولة مشاورات معها ثم مع المغرب حول تعزيز السلم الإقليمي، وتكثيف المسار السياسي للأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء، بهدف الوصول إلى حل دائم وكريم دون المزيد من التأخير.
ويؤكد اختيار هاريس للجزائر في بداية جولته الجديدة لبحث ملف الصحراء المغربية على دور هذا البلد في إدامة النزاع المفتعل برعاية بوليساريو وتقديم الدعم لها، فضلا عن كونه إشارة أميركية إلى مسؤولية الجزائر في إيجاد حل سياسي تفاديا لتهديد السلم والأمن بالمنطقة، والدفع الأميركي بدعم مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.
ولفت محمد سالم عبدالفتاح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان في تصريح لـ”العرب” أن “الزيارة الثانية لنفس المسؤول في وزارة الخارجية تأتي ضمن الجهود المبذولة من طرف واشنطن لحث الأطراف المعرقلة للوساطة الأممية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، خصوصا وأن واشنطن هي المسؤولة عن صياغة مسودات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالملف”.
وأكد أن “واشنطن مارست نوعا من الضغط على الطرف الجزائري لاستئناف مناقشات آلية المائدة المستديرة”.
وأوضح عبدالفتاح أن “واشنطن مهتمة بشكل كبير بما يحدث في منطقة الساحل والصحراء وتكاثر الجماعات الإرهابية والمشاريع الانفصالية التي تشكل مبعث قلق لدوائر صنع القرار لمجموعة من الدول وعلى رأسها المغرب وواشنطن، ولهذا سيعمل الدبلوماسي الأميركي على قياس الوضع سواء داخل مخيمات تندوف أو بمنطقة الساحل وغرب أفريقيا”.
وتأتي هذه الجولة بعدما أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في 20 نوفمبر الماضي أن الولايات المتحدة “تواصل اعتبار مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية جادا وذا مصداقية وواقعيا”، وذلك خلال حديثه في إحاطته صحفية.
وأضاف أن “واشنطن تدعم بشكل كامل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة خلال عمله على تكثيف العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة حول الصحراء، من أجل التوصل، دون المزيد من التأخير، إلى حل دائم”.
وفي زيارته السابقة أجرى هاريس محادثات مع بوريطة، وفق ما أعلنته الرباط حينها، حيث أكد أن “الولايات المتحدة تواصل اعتبار المخطط المغربي للحكم الذاتي جادا وواقعيا وذا مصداقية”، كما شدّد على “الشراكة العميقة والتاريخية التي تربط بين الولايات المتحدة والمغرب”.
وقال هشام معتضد الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية إن “عودة هاريس إلى المنطقة في ظرف شهرين تقريبا يتماشى مع انخراط الرباط المسؤول والجدي للدفع بمسلسل التسوية السياسي لإيجاد حل قابل للتطبيق وإغلاق هذا النزاع الإقليمي، بما يحترم الحقوق التاريخية والسيادة الوطنية للمغرب”.
واعتبر معتضد في تصريح لـ”العرب” أن “ما يحدث في المنطقة خصوصا بدول الساحل يدعو إلى البحث عن منافذ حقيقية للحل بالصحراء المغربية، بمشاركة عملية للجزائر وضبط أي تحركات تريد فتح جبهة جديدة للمواجهات العسكرية في المنطقة، ستكون فرصة لتفريخ الإرهاب الدولي وتكثيف نشاط العصابات الإجرامية العابرة للقارات، وهذا ما لا يخدم استقرار المنطقة ومصالح واشنطن”.
وكانت الزيارة السابقة للمبعوث الأميركي فرصة ليخبر خلالها قادة بوليساريو أن “استفتاء تقرير المصير أو الانفصال عن المغرب مطلب غير واقعي”، وهو ما دفعها إلى توجيه خطاب احتجاج وجهته للأمين العام للأمم المتحدة، متحدثة عما أسمته بـ”الدخول في متاهة المصطلحات الفضفاضة من قبيل ‘الواقعية’ وغيرها، لن يقود إلا إلى تعميق حالة الجمود وبالتالي تقليص فرص التوصل إلى الحل السلمي الدائم وزيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”، وذلك في تصريح لقيادتها نشرته عبر ما تسميه وكالتها الرسمية للأنباء.
ويعتبر مراقبون أن زيارة المسؤول الأميركي فرصة للضغط على أصحاب القرار الجزائري الداعمين لتوجهات قيادة بوليساريو التي رفضت ما قاله في الزيارة السابقة، وذلك بهدف تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى حل واقعي وموضوعي وضرورة عودة الجزائر إلى طاولة المفاوضات من جديد.
وستكون العاصمة المغربية الرباط المحطة الثانية لهاريس، وفق بلاغ مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية على منصة إكس.
وأكد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان “أن المغرب يبدى دوما مواقف صريحة داعمة للوساطة الأممية والشرعية الدولية، باعتبار أن قرارات مجلس الأمن أصبحت في السنوات الأخيرة تتقاطع مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي وتصفها بالجدية والمصداقية”.
وتزامنت زيارة المسؤول الأميركي مع إعلان حلّ “مجموعة دول الساحل الخمس” التي لم تعد موجودة بعد أن أعلنت مؤخرا النيجر وبوركينا فاسو الانسحاب احتذاء بجارتهما جمهورية مالي، ما يشكل تحديا أمنيا وإقليميا جديدا يحتاج إلى تضافر الجهود للحفاظ على استقرار المنطقة.
العرب