أعلنت تشاد وموريتانيا، الدولتان المتبقيتان في مجموعة دول الساحل الخمس، تمهيد الطريق أمام حل الائتلاف الإقليمي المعني بمحاربة الجهاديين، وذلك بعد انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر منه، مع توصيات بإنشاء اتحاد كونفدرالي جديد، في خطوة لمناهضة الموقف الفرنسي والحرب على الإرهاب، اللذيْن أصبحا يحددان الخارطة السياسية لمنطقة الساحل.
نواكشوط- يشهد الساحل الأفريقي تحولات عميقة، من ملامحها إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة، وفق تحالفات جديدة وقراءات مختلفة للتحديات التي تواجهها وخاصة في ما يتصل بالحرب على الإرهاب والخروج من دائرة التبعية لفرنسا.
وجاءت توصية وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو بإنشاء اتحاد كونفدرالي يمهد لوحدة بين الدول الثلاث، لتفسح المجال أمام واقع سياسي جديد يهدف بالأساس إلى مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية والعقوبات الصارمة التي استهدفت الأنظمة العسكرية الحاكمة في باماكو ونيامي وواغادوغو.
و”إدراكا للإمكانات الهائلة لتحقيق السلام والاستقرار والقوة الدبلوماسية والصعود الاقتصادي التي يوفرها إنشاء تحالف سياسي معزز، فإن الوزراء، مسترشدين بالطموح المتمثل في تحقيق اتحاد فيدرالي يجمع في نهاية المطاف بوركينا فاسو ومالي والنيجر، يوصون قادة بلدان تحالف دول الساحل بإنشاء اتحاد كونفدرالي للدول الثلاث”، وفق نص البيان الذي صدر الجمعة الماضية.
كما أوصى وزراء الاقتصاد والمالية من الدول الثلاث بإنشاء صندوق استقرار وبنك استثماري، فضلا عن إنشاء لجنة مسؤولة عن تعميق النقاشات حول قضايا الاتحاد الاقتصادي والنقدي.
◙ نواكشوط وإنجمينا مازالتا تحتفظان بعلاقات وطيدة مع فرنسا التي فقدت السيطرة على مصالحها في منطقة الساحل
وأشار وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب إلى أن النتائج ستقدم إلى رؤساء الدول الذين من المقرر أن يجتمعوا قريبا، من دون أن يحدد موعدا، لكن أغلب المراقبين يرجحون أن يكون اجتماع القمة بين الرؤساء الثلاثة حاسما في تحديد عدد من القضايا المحورية المرتبطة بسياقات المرحلة ورهانات المستقبل.
وفي سياق متصل أعلنت بوركينا فاسو والنيجر انسحابهما من “جميع هيئات مجموعة دول الساحل الخمس بما في ذلك القوة المشتركة، اعتبارا من 29 نوفمبر 2023”، وذلك “بعد تقييم معمق للمجموعة وعملها”.
واعتبرت حكومتا البلدين في بيان أن المجموعة التي تأسست في 19 ديسمبر 2014 “مازالت بعد مرور حوالي 9 سنوات على تأسيسها تكافح من أجل تحقيق أهدافها، ولكن الأسوأ من ذلك أن الطموحات المشروعة لدولنا، لجعل منطقة الساحل منطقة أمن وتنمية، يتم إحباطها بسبب العبء المؤسسي، وأعباء من عصر آخر، تقنعنا بأن الطريق إلى الاستقلال والكرامة الذي نلتزم به اليوم هو الطريق الصحيح، وهو ما يتعارض مع المشاركة في مجموعة دول الساحل الخمس بشكلها الحالي”.
وقالت الحكومتان إنه “لا يمكن لمجموعة دول الساحل الخمس أن تخدم المصالح الأجنبية على حساب مصالح شعوب الساحل، ناهيك عن قبول إملاءات أي قوة مهما كانت باسم شراكة مضللة وطفولية تنكر حق سيادة شعوبنا ودولنا، ولذلك، فقد تحملت بوركينا فاسو وجمهورية النيجر بكل وضوح المسؤولية التاريخية بالانسحاب من هذه المنظمة”.
وتابع البيان أن “الحكومتين الانتقاليتين في بوركينا فاسو وجمهورية النيجر، الملتزمتين التزاما عميقا بتحقيق السلام الدائم في منطقة الساحل، تظلان مقتنعتين بالحاجة إلى التزام موحد من دولنا في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وكذا من أجل التنمية”.
وكانت مالي أعلنت في مايو 2022 انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوّتها العسكرية لمكافحة الجماعات الإرهابية احتجاجا على رفض توليها رئاسة هذه المنظمة الإقليمية التي تضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.
وأعلنت باماكو في البيان “رفضها بشدة ذريعة دولة عضو في مجموعة دول الساحل الخمس تستند إلى الوضع السياسي الداخلي لمعارضة تولي مالي رئاسة مجموعة دول الساحل الخمس”.
وبعد انسحاب الدول الثلاث أكدت الدولتان المتبقيتان في المجموعة -وهما موريتانيا التي ترأس دوريا مجموعة دول الساحل الخمس، وتشاد- تمسكهما بمثل التكامل الإقليمي الأفريقي وأهداف المجموعة، والتي “على الرغم من الصعوبات ومختلف الحالات الطارئة ستكون بمثابة آلية مهمة وأداة فاعلة للتعاون بين القوات المسلحة وقوات الأمن في شبه المنطقة”.
وأعلن البلدان في بيان مشترك صادر عنهما أنهما “سينفذان جميع التدابير اللازمة وفقا لأحكام اتفاقية إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، لاسيما في مادتها العشرين”، وقالا إنهما يعتزمان “مواصلة جهودهما مع كافة دول الساحل لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة”، وأنهما ينتهزان “هذه الفرصة السانحة لشكر الشركاء الفنيين والماليين على دعمهم المستمر لمجموعة دول الساحل الخمس ودولها الأعضاء”.
وتنص المادة المحال إليها في البيان المشترك على أنه “يجوز حل المجموعة بناء على طلب 3 دول أعضاء على الأقل، ويعلن مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الحل بأغلبية الدول الأعضاء، ويحدد شروط مصير أصول المنظمة”.
وأشارت موريتانيا وتشاد إلى أنهما “تأخذان علما وتحترمان القرار السيادي لجمهوريتي بوركينا فاسو والنيجر الشقيقتين”، القاضي بانسحابهما من المجموعة، وأضافتا “منذ الإعلان في مايو 2022 عن قرار جمهورية مالي بالانسحاب من هيئات منظمتنا، لم ندخر أي جهد لتجاوز الأزمة الناجمة عن هذا الوضع وتجسيد إطار مثالي للتعاون”.
وأكدتا أنه “لأكثر من عقد من الزمن ظلت منطقة الساحل تواجه حربا لا تناظرية، عابرة للحدود وخطيرة ومأساوية”، وأنه “في ظل سياق يتسم بمخاوف حقيقية وعنف مستمر” أنشأت كل من “بوركينافاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد في 15 يناير 2014 بنواكشوط مجموعة دول الساحل الخمس لمواجهة التحدي المزدوج الذي تمثله ثنائية الأمن والتنمية، والذي يهدد بشكل خطير استقرار شبه المنطقة”.
كما عددت موريتانيا وتشاد المبادرات التي أطلقتها المجموعة، والمتمحورة “حول ثلاثية إستراتيجية: تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، وحماية السكان المدنيين، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، وتابعتا أنه “لهذا الغرض، تم إطلاق العديد من المبادرات لبلوغ الأهداف الإستراتيجية الثلاثة المذكورة أعلاه”، ومن ضمنها “القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس” و”برنامج التعاون العابر للحدود” و”مركز التكوين الإقليمي لمكافحة الإرهاب” و”كلية الدفاع لمجموعة دول الساحل الخمس”.
ولا تزال نواكشوط وإنجمينا تحتفظان بعلاقات وطيدة وقوية مع فرنسا التي فقدت بالمقابل السيطرة على مصالحها في مستعمراتها السابقة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، فيما لوحظ تمدد روسي واضح ساهم بدور كبير في تغيير ملامح الجغرافيا السياسية في منطقة الساحل.
وفي سبتمبر الماضي وقعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتفاقا أمنيا تعهدت فيه بمساعدة بعضها البعض في حالة وقوع أي تمرد أو عدوان خارجي، في إشارة إلى التهديدات الصادرة عن دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي هددت باستخدام القوة لاستعادة الحكم الدستوري في نيامي.
وجاء في ميثاق الاتفاق المعروف باسم تحالف دول الساحل أن “أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف الموقعة سيعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى”.
وقال رئيس المجلس العسكري في مالي أسيمي جويتا “لقد وقعت (…) مع رئيسي بوركينا فاسو والنيجر على ميثاق ليبتاكو – غورما لإنشاء تحالف دول الساحل بهدف إنشاء إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة”.
ومع بداية ديسمبر الجاري شهدت دول المنطقة أحداثا ذات دلالات مهمة، فقد قدمت السفيرة الأميركية الجديدة لدى النيجر كاثلين فيتزغيبون أوراق اعتمادها إلى وزير الخارجية بكاري سنغاري، وذلك تمهيدا لتقديمها إلى رئيس الدولة الجنرال عبدالرحمن تشياني.
◙ بوركينا فاسو والنيجر أعلنتا انسحابهما من جميع هيئات مجموعة دول الساحل الخمس بما في ذلك القوة المشتركة اعتبارا من 29 نوفمبر 2023
وتعتبر السفيرة فيتزغيبون عضوا مهنيا في السلك الدبلوماسي الأميركي بالقارة الأفريقية، وقد سبق لها أن شغلت منصب نائب رئيس البعثة في سفارة الولايات المتحدة في أبوجا بنيجيريا، وقبل ذلك كانت رئيسة قسم غرب وجنوب أفريقيا ثم مديرة مكتب التحليل الأفريقي في مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن.
وسارعت إيطاليا إلى التحرك مع سلطات النيجر، بعد أيام قليلة من إلغائها قانون مكافحة تهريب المهاجرين باتجاه أوروبا، حيث تعد النيجر أحد أهم بلدان العبور للمهاجرين الأفارقة الذين يسافرون إلى أوروبا.
واستقبل الجنرال عبدالرحمن تشياني رئيس الدولة، رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر، نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف والوفد المرافق له حيث جرى التأكيد على الحرص المتبادل لمواصلة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، على مختلف الأصعدة، لاسيما في المجالين العسكري والأمني.
وجاءت زيارة المسؤول الروسي والوفد المرافق له في سياق جولة في دول المنطقة التي تشهد تحولات مهمة في خياراتها الإستراتيجية وفي نسيج علاقاتها الدولية، لاسيما في ظل تراجع التأثير الفرنسي وتمدد النفوذ الروسي بشكل غير مسبوق في منطقة الساحل والصحراء.
ويقر المتابعون للشأن الإقليمي بأن الموقف المناهض لفرنسا والحرب على الإرهاب أصبحا العنصرين الأكثر تحديدا للخطوط العريضة للجغرافيا السياسية في منطقة الساحل والصحراء، ويعتبرون أن هناك حراكا بدأ يتشكل بصورة واضحة من أهم معالمه الحضور الروسي والتركي والمتابعة الأميركية الحذرة التي ترفض الاصطدام بالعسكريين الممسكين بالحكم، ومحاولة بعض العواصم الأوروبية البحث عن منفذ لتأمين مصالحها بمعزل عن الموقف الفرنسي الذي لم يعد مقبولا في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
العرب