على مدى فترة الحرب مع روسيا، اعتمدت القوات الأوكرانية بشدّة على دعم الولايات المتحدة، الذي شمل تسليمها ذخائر وأسلحة ومساعدات اقتصادية واجتماعية تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
والآن، تقترب أوكرانيا من نفاد المساعدات الأميركية بعد أن رفض الكونغرس الموافقة على حزمة مساعدات جديدة بقيمة 60 مليار دولار.
ويطرح هذا تساؤلات بشأن مصير الحرب التي وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها جزء من حرب وجودية بين العالم الديمقراطي والاستبداد العدائي المتمثّل في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقبيل وصوله إلى العاصمة الأميركية الثلاثاء للقاء الرئيس جو بايدن وقادة الكونغرس، تحلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالشجاعة في مؤتمره الصحفي بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، وقال ردا على سؤال عن احتمال توقف المساعدات الأميركية لبلاده “لست حزينا لأنني لم أخسر هذه المعركة (معركة استئناف المساعدات الأميركية) نحن لسنا من الناس الذين يستسلمون عندما يواجهون المصاعب. بعض الناس تبدأ الخوف وتفقد إيمانها بالنصر، ونحن سنعمل للتغلب على هذا التوقف في المساعدات الأميركية لأوكرانيا. وسنتغلب ليس فقط على هذا الموقف ولكن على كل المصاعب”.
قطع المساعدات الأميركية سيضر بأوكرانيا بشدة حتى لو عوضت الدول الأوروبية جزءا من هذه المساعدات
وقال الدكتور ألكسندر موتيل، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في شؤون أوكرانيا وروسيا والاتحاد السوفيتي السابق، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إن هناك أربعة احتمالات بالنسبة لمستقبل المساعدات الأميركية لأوكرانيا بعد رفض الكونغرس الموافقة على حزمة جديدة منها بقيمة 60 مليار دولار.
والواضح أن الرئيس بايدن متحمس للغاية لدعم أوكرانيا. كما أن رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون قد يصبح مؤيدا لمساعدة أوكرانيا التي تواجه الغزو الروسي المستمر منذ فبراير من العام الماضي، لكن بشروط.
وفي كل الأحوال، وبدلا من التكهن بما يمكن أن يصل أو لا يصل إليه الرجال الثلاثة بايدن وزيلينسكي وجونسون، يمكن التفكير في أربعة سيناريوهات واحتمالية تحقق كل واحد منها وتأثيراته المحتملة على أوكرانيا والعالم بحسب تحليل موتيل الذي ألف 10 كتب في مجالات مختلفة.
وأول السيناريوهات أو الاحتمالات هو زيادة حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا، وقد يحدث هذا نتيجة تأثير زيلينسكي الشخصي على جونسون، لكن من الصعب جدا حدوث هذا الأمر في وقت قريب، لكن إذا ما حدث سيتيح لأوكرانيا القيام بهجوم مضاد حاسم على القوات الروسية، ربما في الربيع المقبل، وكسب المعركة، خاصة إذا أدت الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في مارس المقبل إلى اضطرابات شعبية نتيجة الفوز المحسوم للرئيس فلاديمير بوتين رغم تزايد الرفض الشعبي لحكمه.
ورغم ذلك من الصعب توقع زيادة المساعدات الأميركية لأوكرانيا في ضوء المزاج السائد في الكونغرس ودخول الولايات المتحدة أجواء معركة الانتخابات الرئاسية والنيابية في العام المقبل.
أوكرانيا تقترب من نفاد المساعدات الأميركية بعد أن رفض الكونغرس الموافقة على حزمة مساعدات جديدة بقيمة 60 مليار دولار
وأما السيناريو الثاني، وهو أيضا غير محتمل مثل السيناريو الأول، هو وقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا بالكامل، ليس الآن بالقطع ولكن في المستقبل المنظور.
ومثل هذا القرار سيكون كارثيا لأوكرانيا، لكنه قد يحدث إذا فاز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية المقبلة وعاد إلى البيت الأبيض من جديد. لكن هل يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى هزيمة الجيش الأوكراني أو حرمانه من تحقيق الانتصار؟ لحسن الحظ هناك أمور أخرى مختلفة يمكن أن تؤثر على النتيجة النهائية للحرب.
ولا تستطيع أوكرانيا في الظروف العادية التفوق على دولة تفوقها من حيث عدد السكان وعدد الجنود والتسليح وحجم الاقتصاد كما هو الحال في روسيا. لكنها قد تتفوق على دولة تعاني من ارتفاع كبير في خسائرها بالحرب وهو ما يمكن أن يصيب الروس بالصدمة ويخلق أزمة سياسية عميقة بسبب عدم كفاءة بوتين وافتقاده للمشروعية وتكرار الخطأ في الحسابات الإستراتيجية.
ومع ذلك وإذا ظلت أوضاع روسيا الداخلية أكثر أو أقل استقرارا، فإن قطع المساعدات الأميركية سيضر بأوكرانيا بشدة حتى لو عوضت الدول الأوروبية جزءا من هذه المساعدات. وفي هذه الحالة فإن أوكرانيا قد تتمكن فقط من المحافظة على أراضيها التي تسيطر عليها بالفعل دون أي قدرة على استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا.
وأما السيناريوهان الثالث والرابع فهما متشابهان بما يكفي لمناقشتهما معا. ويتضمن السيناريو الثالث نجاح زيلينسكي في إقناع الجمهوريين في الكونغرس الأميركي بالموافقة على حزمة المساعدات التي يقترحها بايدن.
والسيناريو الرابع يتضمن فشل زيلينسكي، لكن الديمقراطيين والجمهوريين يتوصلون فيما بعد إلى حل وسط بشأن قوانين الهجرة وتمرير المساعدات الخاصة بأوكرانيا، بعد مناوشات نيابية تستمر أسابيع أو شهورا.
Thumbnail
وفي كلتا الحالتين ستبقى أوكرانيا صامدة لأن طقس الشتاء يجعل من الصعب على القوات الروسية شن هجمات كبيرة على القوات الأوكرانية. ولكن إذا استمرت وتيرة الخسائر البشرية المرتفعة الحالية في صفوف القوات الروسية، يمكن أن يتحسن موقف أوكرانيا وقدرتها على شن هجوم مضاد جديد في ربيع أو صيف 2024.
لكن التحدي الذي يواجه كلا من أوكرانيا والولايات المتحدة، هو هل الدولتان مستعدتان لمواجهة غزو روسي آخر لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في هذه المرة، إذا لم تخرج روسيا مهزومة من الحرب الحالية، وإذا ظلت الأجندة الاستعمارية للرئيس بوتين هي المسيطرة على صناعة القرار الروسي؟
ويمكن أن تحول السيناريوهات الأول والثالث والرابع لمستقبل المساعدات الأميركية دون هذه النتيجة المخيفة، في حين أن السيناريو الثاني والذي يتضمن قطع المساعدات الأميركية لأوكرانيا يفتح الباب أمام انتصار الأجندة الاستعمارية لبوتين.
وأخيرا قد تكون روسيا المهزومة خطيرة وفوضوية وانتقامية، لكن بالتأكيد فإن روسيا المنتصرة أخطر وأسوأ بكثير، وسواء قبلنا هذا أم لم نقبله، فإن أوكرانيا، وقرار الولايات المتحدة بشأن مساعدتها سيحددان، هل ستخرج روسيا من الحرب مهزومة أم منتصرة.
وحذر السيناتور الأميركي تشاك شومر من أن بوتين “سيجتاز” أوكرانيا وأوروبا، في حال عدم إقرار هذه المساعدة الجديدة.
وأيقن بايدن تراجع الشعور في واشنطن بأن الوضع ملح جدا في أوكرانيا، فطلب من الكونغرس إرفاق طلب المساعدة لأوكرانيا بمساعدة قيمتها 14 مليار دولار لإسرائيل حليفة الولايات المتحدة الكبيرة والتي تتواجه في حرب مع حركة حماس الفلسطينية منذ أكثر من شهرين. لكنه لم يحقق أي نتيجة حتى الآن.
وأقر الكونغرس الأميركي مساعدات لأوكرانيا تزيد عن 110 مليارات دولار منذ بدء الغزو الروسي في فبراير 2022، لكنه يشهد عرقلة حول المساعدات الإضافية.