الانتخابات الأميركية المقبلة تحمي النفط الإيراني من تطبيق صارم للعقوبات الأميركية، كما تحميه من أي ضربات عسكرية من أي طرف، بما في ذلك إسرائيل! والواقع أن إدارة بايدن غضت الطرف عن العقوبات المفروضة على إيران، حيث زاد إنتاج إيران في العامين الأخيرين، كما ارتفعت صادراتها. ووقعت عقود تصدير للطاقة إلى العراق على مرأى من العالم كله، وبمباركة أميركية.
وتشير البيانات إلى تعاون غير مباشر بين إيران وإدارة بايدن في عام 2022 بمجال النفط. فبعد أن تجاهلت دول الخليج دعوات إدارة بايدن إلى زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار وللتعويض عن النفط الروسي الذي بات مقاطعاً من الولايات المتحدة وأوروبا وقتها، مُنح ضوء أخضر لإيران لزيادة صادراتها وإنتاجها، طالما أنها ترسل نفطاً لأوروبا للتعويض عن النفط الروسي. في تلك الفترة بدأت إدارة الرئيس بايدن بالسحب من المخزون النفطي الاستراتيجي، ومعه بدأت إيران ببيع مخزونها العائم، وبدآ معاً، وانتهيا معاً.
وتختلف التقديرات للمخزون الإيراني العائم وقتها لكن وفقاً لبعض التقديرات فإنه قد وصل إلى 80 مليون برميل، هذا يعني أن بايدن سحب 180 مليون برميل من الولايات المتحدة و80 مليون برميل من إيران. كما بدأت إيران بزيادة إنتاجها.
والملاحظ أن النفط الإيراني متاح لكثير من الدول، لكن إيران تفضل بيعه للصين لأنها تحصل على مقابل مباشرة سواء عيناً أو نقداً، أما بالنسبة للدول الأخرى فإن هناك صعوبة في الدفع لإيران بسبب العقوبات لذلك توضع الإيرادات في حسابات بنكية خاصة لمصلحة إيران، لكنها لا تستطيع استخدامها.
تساؤلات كثيرة
كثرت الأسئلة في الأيام السابقة للضربة الإيرانية لإسرائيل عن أثرها في أسواق النفط. وظهرت سيناريوهات من أطراف متعددة. كان واضحاً للبعض، منذ البداية، ومنهم كاتب هذا المقال، أن الضربة ستكون محدودة، وأثرها في أسواق النفط محدود، إن وجد، بخاصة أن ارتفاع أسعار النفط في الأسبوع قبل الضربة كان تحسباً لها. وبعد أن اتضح للغالبية أن الضربة كانت مسرحية أثارت السخرية في الأوساط التجارية، كان هناك اقتناع لدى كثير من التجار والمحللين يوم الأحد أن الأسعار ستنخفض يوم الإثنين عندما تفتح الأسواق، وبالفعل هذا ما حصل حيث انخفضت الأسعار بشكل طفيف وقت كتابة هذا المقال. لكن المهم في الأمر أن الأسعار لم ترتفع.
ولا يمكن لأحد أن ينكر أن الأخطار ما زالت موجودة، بخاصة بعد وقوف الولايات المتحدة والدول الأوروبية بقوة مع إسرائيل لأن استهداف المنشآت النفطية وحاملات النفط من أي فئة داعمة لإيران يعني في النهاية إلحاق الضرر بأي من هذه الدول.
لكن السؤال المطروح الآن: هل تضيق إدارة بايدن الخناق على إيران عن طريق تطبيق صارم للعقوبات بحيث ينخفض إنتاج طهران وصادراتها من النفط؟
بداية، تشير بيانات منظمة “أوبك” إلى أن متوسط إنتاج إيران في مارس (آذار) الماضي وفقاً لتقديرات شركات المراقبة وصل إلى 3.188 مليون برميل يومياً، بارتفاع قدره 611 ألف برميل يومياً عما كان عليه في الشهر نفسه من العام الماضي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران لا تخضع لحصص “أوبك” الإنتاجية حالياً، حيث تم استثناؤها بعد انخفاض إنتاجها على أثر فرض العقوبات في عهد الرئيس السابق ترمب.
وتشير شركة كبلر إلى أن صادرات إيران من النفط تجاوزت 1.8 مليون برميل يومياً في شهر مارس الماضي. إلا أن هذه الصادرات قد تكون أقرب إلى 2.3 مليون برميل يومياً بسبب عمليات الشحن التي لا يمكن مراقبتها من قبل هذه الشركات. بشكل عام هناك اختلاف كبير في تقديرات صادرات إيران بسبب التستر الكبير حول الموضوع من قبل طهران وشركات الشحن التي تتعامل معها. وهناك أدلة كثيرة على أن واردات الصين من دول مثل ماليزيا هي حقيقة واردات من إيران.
إذا قامت حكومة الرئيس بايدن بتطبيق صارم للعقوبات، فإن هذا سيخفض إنتاج وصادرات إيران، لكن ليس بالشكل الكبير، والبيانات التاريخية تثبت ذلك. إلا أن الأثر الكبير سيكون في عدم قدرة إيران بالتوسع في الإنتاج. وعدم التوسع في الإنتاج يعني عدم القدرة عن التعويض عما يُنتج، وهذا يؤدي إلى انخفاض إنتاج إيران مع مرور الزمن.
إلا أن للواقع أحكامه: بايدن لا يريد ارتفاعاً بأسعار البنزين قبل الانتخابات، وهذا يحتم عليه ألا ترتفع أسعار النفط. وأي تطبيق صارم للعقوبات سيرفع أسعار النفط. لهذا لا يتوقع تطبيق صارم للعقوبات، لكن قد نرى عقوبات جديدة لا تشمل قطاع النفط، وهذا ينطبق على فنزويلا أيضاً. وأما قول دول الاتحاد الأوروبي بأنها لن تستورد النفط من إيران فهو مهزلة لسببين، أولاً أن ما تصدره إيران لدول الاتحاد الأوروبي بسيط جداً، وبفرض أنه ليس بسيطاً فإنه يفضح هذه الدول لأنها تتعامل مع إيران.
خلاصة القول إن النفط الإيراني سيستمر بالتدفق لأن مصلحة الرئيس بايدن حالياً تقتضي تدفق النفط من كل مكان، بما في ذلك الدول المقاطعة: روسيا وفنزويلا وإيران بهدف إبقاء أسعار النفط منخفضة قبل الانتخابات الرئاسية. لكن السؤال، ماذا سيحصل إذا نجح بايدن بالانتخابات، هل سيقوم بتغيير هذه السياسة؟ والسؤال الأهم: لو نجح ترمب أو من يمثله في الانتخابات، هل سيقوم بتطبيق صارم للعقوبات على إيران؟ الجواب: غالباً، نعم.