في خضم التصعيد الذي شهدته المنطقة بعد الأول من أبريل (نيسان) الجاري والاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وما تلاه من إعلان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن قيادة النظام بدأت سلسلة اجتماعات مكثفة لبحث آلية وكيفية الرد على هذا الاعتداء، وأعلن في طهران استدعاء السفير السويسري باعتبار بلاده الراعي الرسمي للمصالح الأميركية لدى إيران.
قد يكون هذا الاستدعاء عملاً أو إجراء ضرورياً وطبيعياً في سياق ما تشهده المنطقة من تأزيم وتوتر، وأن النظام الإيراني بحاجة إلى إيصال رسائل مباشرة إلى الإدارة الأميركية باعتبارها، من وجهة نظر طهران، المسؤولة والراعية للأعمال الحربية والسياسية التي تقوم بها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في ما يتعلق بالموقف من إيران ونظامها والقوى التابعة أو الرديفة له في الإقليم.
والاستدعاء الدبلوماسي من المفترض أن يكون من اختصاص وزارة الخارجية حصراً، المسؤولة عن تنظيم العلاقات الخارجية مع دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية، وهو أمر طبيعي في الحالات الطارئة أو التي تحتمل تصعيداً ما في العلاقات بين أية دولتين، إلا أن الخارج عن هذا السياق المتعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية، كان الاستدعاء الذي وجه للسفير السويسري من المؤسسة العسكرية لـ”حرس الثورة الإسلامية”، وطلب منه الحضور إلى مركز قيادتها بعيداً من مباني ومكاتب وزارة الخارجية ليشكل هذا الاستدعاء سابقة في العلاقة الدبلوماسية بين الدول. الذي قد يعد مستهجناً في الأعراف الدبلوماسية في دولة ذات مؤسسات ديمقراطية ومنتخبة، وليست دولة تخضع لحكم المؤسسة العسكرية أو تملك نظاماً عسكرياً ومجلس قيادة ثورة.
ما كشفه الجنرال في حرس الثورة مجتبى أبطحي مستشار وزير الداخلية الجنرال أحمد وحيدي في الشؤون الفلسطينية، عن أن السفير السويسري استدعي مرتين إلى مقر قيادة حرس الثورة بعد تنفيذ إيران الهجوم الصاروخي والمسير على تل أبيب لإبلاغه رسالة يحملها إلى الجانب الأميركي بأن هذه القيادة ستقوم باستهداف كل القواعد الأميركية في المنطقة إذا ما أقدمت على المشاركة في أي عمل عسكري إلى جانب إسرائيل كرد على الهجوم الإيراني.
هذا الإجراء الذي قامت به قيادة الحرس يكشف عن المدى الذي وصل إليه مسار استحواذ هذه المؤسسة على القرار السياسي في النظام الإيراني، ويكرس في الوقت نفسه عدداً من الحقائق بات من الصعب تفسيرها من خارج الصراع الذي تخوضه هذه المؤسسة على السلطة والسيطرة والإمساك بكل مفاصل القرار إلى جانب المرشد وبغطاء منه.
أولاً القرار الدبلوماسي في الدولة الإيرانية لا يصدر عن الوزارة المعنية، بل من داخل أروقة القيادة العسكرية لقوات حرس الثورة.
اقرأ المزيد
عبد اللهيان يبحث في دمشق تداعيات الهجوم على القنصلية الإيرانية
حرس الثورة… ذراع النظام في الداخل والخارج (6-6)
هجوم متكرر على القواعد الأميركية في سوريا والعراق
ثانياً التمايز أو الهامش الذي كان قائماً في السابق على ثنائية الدبلوماسية والميدان لم يعد موجوداً، وباتت الدبلوماسية هي الترجمة السياسية لقرار الميدان وما يريده.
ثالثاً هذه القيادة هي الجهة التي تملك حصرية التفاوض أو التحاور حول أي من الملفات والأزمات القائمة بين إيران والمجتمع الدولي.
رابعاً قرار الحرب والسلم بات متمركزاً في قبضة هذه المؤسسة، ولا دور للدولة والمؤسسات الرسمية في هذا القرار أو في تقرير السياسات الاستراتيجية، بغض النظر عن موقع رئيس الجمهورية الدستوري الذي يضعه على رأس المجلس الأعلى للأمن القومي.
خامساً المرحلة الحالية لم تعد تسمح لهذه المؤسسة العسكرية بوجود ثنائيات في الموقف الإيراني، وما شهدته مرحلة الرئيس السابق حسن روحاني والدور الذي لعبه وزير خارجيته محمد جواد ظريف انتهى، ولن يسمح بالعودة له مرة جديدة. وعززت هذا التوجه مسارعة هذه المؤسسة للتخلص من دبلوماسية الأمين العام للمجلس السابق الأدميرال علي شمخاني، وجاءت بالجنرال علي أكبر أحمديان باعتباره شخصية عسكرية تنسجم وتتماشى مع مواقف المؤسسة العسكرية التي جاء منها.
سادساً الضحايا الذين سقطوا في استهداف السفارة في دمشق، هم من ضباط وقيادات هذه المؤسسة، وكل السفارات الإيرانية في الخارج، بخاصة في منطقة غرب آسيا، لا تخرج عن الإطار الذي ترسمه هذه المؤسسة، وبالتالي فإنها هي المعنية بالرد على هذا الاعتداء بالدرجة الأولى، وعلى الآخرين مساندتها.
إقدام قيادة حرس الثورة على استدعاء السفير السويسري بما أنه راع للمصالح الأميركية، يهدف إلى إفهام الإدارة الأميركية أن أي تفاوض أو تسوية مع إيران لا بد أن تمر عبر حرس الثورة المصنف لدى هذه الإدارة على لوائح المنظمات الإرهابية والداعمة للإرهاب.
وكان واضحاً في القرار الذي اتخذته القيادة الإيرانية، تحت غطاء المجلس الأعلى للأمن القومي، بتكليف قوات الجو – فضاء (القوات الصاروخية) في حرس الثورة بتنفيذ مهمة الرد على الاعتداء الإسرائيلي على سفارة إيران في دمشق، كان يعني أن هذه القيادة وقواتها المختلفة، هي التي تتولى أولاً مهمة الدفاع عن النظام والثورة داخلياً وخارجياً وتتقدم على القوات المسلحة للجيش الرسمي بناء على توسيع مهمة التوصيف الدستوري الذي يحدد مهماتها.
فضلاً عن أنها عززت إلى حد كبير التكهنات بتفرد هذه المؤسسة بالقرار العسكري على حساب مؤسسة الجيش النظامي والرسمي، بخاصة أنها الجهة التي تملك أفضل القدرات والعتاد العسكري الاستراتيجي والأكثر تقدماً وفعالية. وبالتالي فإن الدور الذي تقوم به المؤسسات الرسمية من جيش ووزارة دفاع لا يتعدى الدور المساند الذي تقع على عاتقه مهمة تأمين الحماية والدعم في الخطوط الخلفية عسكرياً ولوجستياً.
هذه المعطيات سواء على صعيد الخطوات المتعلقة بالجانب الدبلوماسي، أو تلك المتعلقة بالعمل العسكري، وحصريتها في يد قيادة حرس الثورة، تعني أن هذه القيادة تسعى إلى إيصال رسالة واضحة إلى كل الأطراف الدولية والإقليمية، بأنها الجهة التي يمكن الحوار معها في إيران، وأنها هي التي تملك حق التقرير في القضايا والمصالح الاستراتيجية للنظام، ومن يريد الانفتاح أو الحوار مع إيران لا بد أن يمر عبرها ويحصل على موافقتها.