البالعة (سوريا) – منذ أكثر من عقد من الزمن لم يتمكن محمّد رمضان من ريّ أراضيه وإشباعها بالمياه، لكنّ الحال تبدّل هذا العام مع عودة سدّ حيوي في شمال غرب سوريا إلى الخدمة، ما شجّعه ومزارعين آخرين على تنويع محاصيلهم.
ويقول رمضان (42 عاماً) لوكالة فرانس برس، من قرية البالعة القريبة من سدّ يحمل الاسم ذاته في محافظة إدلب، “منذ أكثر من عشر سنوات، توقفت المياه عن السد نتيجة انقطاع الكهرباء” خلال سنوات الحرب.
ويضيف بينما يتحقق من وصول المياه إلى مئات الشتول التي زرعها في أرضه “كنا نجمع مياه الأمطار ونسقي منها لمرة أو مرتين وبعدها تنقطع المياه، لكن الآن الحمد لله عادت مياه عين الزرقا وتحسّنت الأمور وبدأنا نزرع البندورة والباذنجان والفليفلة”.
ويقع سدّ البالعة وسط سهل الروج الزراعي في ريف إدلب الغربي. وهو عبارة عن خزان لتجميع مياه الأمطار خلال فصل الشتاء، وتُضخ إليه كذلك المياه من نهر العاصي، حيث تقع عين الزرقا، أحد الينابيع الغزيرة في المنطقة، عند طرفه الشرقي.
مياه السدّ تغذي وفق المدير العام للموارد المائية في وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ مساحة أربعة آلاف هكتار
وبعد نشوب النزاع المدمر الذي تشهده سوريا منذ عام 2011 خرج السدّ من الخدمة جراء انقطاع الكهرباء والتوقف عن صيانة المضخات وتعرض منشآت للقصف مع تقدم المعارك ثم سيطرة فصائل معارضة وجهادية على المنطقة.
إلا أنّه منذ مطلع العام الجاري استؤنفت عملية ضخ المياه بعد إعادة تأهيل المضخات بإشراف حكومة الإنقاذ التي تتولى تسيير شؤون مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب ومحيطها.
ويوضح رمضان الذي يضخ المياه من قناة متفرّعة من السد “سابقا كنا نسقي الخضار على عجل، من دون أن نشبعها، لكن اليوم صرنا نشبعها وبات الوضع أفضل”.
ويتابع “بعد عودة المياه انتعشت منطقة الروج بأكملها، حتى الأعشاب عادت لتنمو والمزروعات.. كلنا استفدنا”.
ويعدّ سهل الروج الذي تتقاسمه أكثر من ستين قرية وبلدة بمثابة السلة الغذائية لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها في إدلب ومحيطها. ويقيم في المنطقة أربعة ملايين شخص، قرابة نصفهم نازحون من محافظات أخرى. وتعد الزراعة فيها مصدر الدخل الرئيسي لغالبية السكان.
وفي محيط السد يطغى اللون الأخضر على سهول مترامية المساحة. وترعى ماشية عند أطرافه ويلهو أطفال بالسباحة في قناة متفرعة عنه، بينما ينهمك مزارعون في قطف ما نضج من محاصيلهم.
وبعدما اقتصرت الزراعة خلال السنوات الماضية على أنواع محدودة لا تتطلب مياهًا وفيرة، يعمل المزارعون حاليا على تنويع مواسمهم.
ويقول وليد محمّدية (40 عاما) بعد قطفه حبات الكوسى الناضجة من أرضه “اقتصرت زراعتنا على الفاصوليا والبندورة بينما بات بإمكاننا اليوم أن نزرع مواسم عدة… وأصنافا لم نتمكن من زرعها”، من بينها القطن.
ويشرح بإسهاب “مع توفّر المياه بات الموسم موسمين؛ بمعنى أنه إذا لم يكن النتاج وفيرا في المرة الأولى، يعوّل المزارع على الموسم المقبل”. ويضيف بفرح “عندما عادت المياه، كأن الحياة بدأت” من جديد. وعلى غرار مزارعين كثر، يأمل محمّدية في تحسّن الإنتاج بدءا من العام المقبل.
وتغذي مياه السدّ حاليا، وفق ما يشرح المدير العام للموارد المائية في وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ المهندس تمام الحمود، مساحة تقدّر بأربعة آلاف هكتار، على أن تصل في مرحلة لاحقة إلى أكثر من عشرة آلاف هكتار.
ويقول الحمود بينما يعرض دراسة عن مشروع تأهيل السد على كمبيوتره “بعد توقف مشروع ري سهل الروج لفترة من الزمن بسبب ظروف الحرب، تعمل وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ على إعادة تأهيل المشروع”، الذي جرى رصد 2.5 مليون دولار لتنفيذه على خمس مراحل.
وتخلل المرحلة الأولى، كما يشرح، “تجهيز خمس مضخات فعلية في محطة عين الزرقا باستطاعة 2750 مترا مكعبا للمضخة الواحدة، وصيانة نفق بطول 4.2 كيلومتر قبل المباشرة بضخ المياه إلى سد البالعة”.
بعد نشوب النزاع المدمر الذي تشهده سوريا منذ عام 2011، خرج السدّ من الخدمة جراء التوقف عن الصيانة
وتبلغ سعة السد التخزينية 14.5 مليون متر مكعب، وفق الحمود الذي يأمل أن تحوّل مياهه الأراضي في محيطه من “أراض تعتمد على الزراعة المطرية إلى أراض مروية”، من أجل زيادة المواسم الزراعية.
ويذكر من بين المزروعات التي يتعين تعزيزها زراعة القطن أو “الذهب الأبيض” على حد قوله، والذي تتطلب زراعته مياها وفيرة، نظرا “لأهميته الاقتصادية في تأمين المواد الخام للمعامل، إضافة إلى تشغيل يد عاملة” في المنطقة.
ويقول مدير شعبة مشاريع الروج ومحطات الضخ جهاد السواق “نخزن حاليا المياه في السد لاستخدامها في ري الأراضي وزيادة المساحات المروية لزيادة إنتاج المحاصيل”.
ويتابع “سنفعّل زراعات والعديد من المحاصيل الإستراتيجية، منها الشمندر السكري ودوار الشمس وفول الصويا، التي توقفت محاصيلها منذ عام 2011”، آملاً أن يسهم ذلك في إنعاش المنطقة اقتصاديّا.
وبينما يقول القيمون على السدّ إن من شأن انتعاش الزراعة أن يعزز الثروة الحيوانية في المنطقة، لا يخفي راعي الماشية زكوان الحمدون (53 عاما) امتعاضه.
ويقول الرجل النازح منذ خمس سنوات والمقيم في مخيم للنازحين في قرية البالعة عند أطراف السد “كنا نرعى الأغنام ضمن السد واليوم ملأوه بالمياه لري الأراضي الزراعية”، متسائلاً “أين نسرح الآن بالأغنام.. بعدما باتت المراعي ضئيلة”.
ويضيف بينما تبحث أغنامه بين خيام بيضاء عما يسدّ رمقها “الحمد لله أن المزارعين استفادوا، لكن نحن مربي الأغنام لحقنا ضرر. نريد من الحكومة (المحلية) أن تساعدنا، على الأقل في توفير العلف”.
العرب