أصبح دونالد ترامب أول رئيس سابق في التاريخ الأمريكي بسجل حكم جنائي بعد أن أدانته هيئة محلفين في نيويورك بأربع وثلاثين تهمة تتعلق بتزييف وثائق عمل للتغطية على مبلغ دفعه (130 ألف دولار) لإسكات ممثلة أفلام إباحية سابقة عن فضح علاقة جنسية بينهما خوفا من تأثيرها على حظوظه في النجاح قبل انتخابات عام 2016 الرئاسية الأمريكية.
تمت جدولة النطق بالحكم في 11 تموز/يوليو (قبل أربعة أيام من مؤتمر الحزب الجمهوري، حيث يفترض أن يتم إعلان ترامب كمرشح الحزب للرئاسة) ويمكن خلال جلسة المحكمة تلك أن يحكم بأربع سنوات سجن وبجزاءات مالية. إضافة لذلك فإن على ترامب حضور محاكمات في ثلاث دعاوى جنائية ضده تتصل باتهامات بإخفاء وثائق رسمية سرية، والزعم بانتهاكه القانون في محاولة الانقلاب على نتائج انتخابات عام 2020 في عموم البلاد، وفي ولاية جورجيا خصوصا.
تؤدي الإدانة بحكم جنائي في أمريكا إلى حرمان المواطن من عدد من الحقوق مثل الحصول على سلاح، والمشاركة في هيئة محلفين، ومن العمل في قطاعات معينة، وتعقّد أو تمنع سفره الى بلدان محددة، كما تمنعه من التصويت (إذا كان مسجونا) لكن هيئة المحلفين لم تشر الى إمكانية طلبها السجن، ورغم ذلك فإن الإدانة، وحتى السجن، لن يمنعا ترامب من مواصلة السعي ليصير رئيسا مرة ثانية.
يتعلق الأمر بظهور وضع سياسي جديد للمرشح الرئاسي المفترض عن الحزب الجمهوري لانتخابات هذا العام وهو خلق حالة من الاستقطاب الكبير الذي قد يمكن أن يخرج عن السكّة الطبيعية للأمور، كما حصل في هجوم أنصاره على الكونغرس بعد إعلان فوز الرئيس جو بايدن عام 2020.
رد ترامب طبعا اتهام خصومه السياسيين بـ«التلاعب» بالمحكمة وبأن قضاتها «فاسدون» أما الحملة المؤيدة له، والمعروفة بـ«ماغا» (اختصار الأحرف الأولى من «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا») فقد أطلقت تحذيرا بإشعال «حرب أهلية» كرد على حكم الإدانة، وظهر التصريح على موقع «إكس» قائلا: «الحرب الأهلية قد بدأت. لم نعد نعيش في ديمقراطية» ثم في تصريح لاحق: «أمريكا لم تعد الولايات المتحدة. نحن حفرة قاذورات من العالم الثالث تتجه نحو الحرب الأهلية» في استعادة لوصف استخدمه ترامب نفسه في وصف الدول الأفريقية عام 2018 وأثار غضبا دوليا حينها.
أبرز المواقف الأجنبية تمثلت بحديث الناطق باسم رئاسة الجمهورية الروسية، دميتري بيسكوف، الذي اعتبر صدور حكم هيئة المحلفين دليلا على «حقيقة واضحة على وجود إقصاء بحكم الأمر الواقع للخصوم السياسيين بمختلف الوسائل القانونية وغير القانونية» وهو ما يمكن ترجمته بالقول: تتهموننا بإقصاء الخصوم السياسيين وتفعلون المثل، وهي مقارنة تفتقد للمنطق طبعا لأن محاولات ترامب، للبقاء على رأس السلطة، حين نحّته انتخابات ديمقراطية عن الرئاسة، لإقصاء خصمه السياسي، بايدن، لم تنجح بسبب الفوارق الكبيرة بين النظامين.
غير أن الحادثة تذكر، أيضا، بأوضاع إسرائيل، وبالمحاكمة الجنائية التي كانت تنتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والتي عندما تم استئنافها في كانون أول/ ديسمبر الماضي، عمل رئيس الحكومة المتهم على حجب بعض الأدلة الرئيسية في محاكمته، طالبا من النيابة منع حضور بعض الشهود، وبينهم وزير وعضو كنيست والمستشارة القانونية لمكتبه والرئيسان السابقان للموساد والشاباك، ووزيرة سابقة وناشرة وقريب له.
صارت إطالة حرب الإبادة في غزة إحدى وسائل نتنياهو لإبعاد شبح تلك المحاكمة، وهو ما يعتبر تربّحا مضافا من دماء الفلسطينيين، لكن ذلك جعله، سواء احتسب لذلك أم لم يحتسب، في مرمى المحكمة الجنائية الدولية كمتّهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويمكن للمراقب ملاحظة التقاطعات بين تصريحات ترامب ونتنياهو في هذا السياق الآنف الذكر، كما سيلاحظ التشابه في الموقف من الشعب الفلسطيني، كما أكده تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» بأنه تعهد مانحين يهودا بأنه سيدعم «حق إسرائيل بمواصلة حربها على الإرهاب» وبأنه سيسحق المؤيدين لفلسطين ويرحّل المتظاهرين.