بغداد – تجدّد الموعد السنوي شبه المنتظم للعراق مع الحرائق المهولة التي أصبحت سمة ملازمة لفصل الصيف في البلد، فضلا عن باقي أشهر وفصول السنة.
وتعتبر الحرائق ظاهرة طبيعية لصيقة بالارتفاع الكبير في درجات الحرارة، لكن الكثير من الشكوك تحوم حول الأسباب الحقيقية لاندلاعها وتجعلها مادّة للجدل السياسي والإعلامي في البلد خصوصا حينما يرتقي البعض منها إلى مرتبة الكارثة بفعل ما يحدثه من خسائر فادحة في الأوراح والممتلكات العامّة والخاصّة.
ويأتي على رأس أسباب الحرائق في العراق الإهمال الذي تحوّل إلى سمة مميزة لعمل أجهزة الدولة وكذلك لإدارة المشاريع والمنشآت الخاصة، جنبا إلى جنب اهتراء المعدات والوسائل المادية وتهالكها الشديد في ظل غياب رقابة الدولة بما في ذلك على المنشآت ذات المخاطر العالية على سلامة السكان وحياتهم.
لكن من الحرائق ما ينشب بدوافع إجرامية من بينها التغطية على الفساد بإتلاف الوثائق وغيرها من الأدلّة مثل المواد والسلع المخزّنة التابعة للدولة والتي عادة ما يكون قد جرى التلاعب فيها إما بسرقة كميات منها، أو شرائها بشكل غير مطابق للمواصفات ولا يتناسب مع الأسعار المثبتة على الوثائق والمستندات.
وأعيدت إثارة هذه الشبهة بالذات إثر اندلاع حريق في مستشفى قيد الإنشاء ببغداد وذلك عن طريق لجنة الخدمات والإعمار البرلمانية التي قالت، الأحد، على لسان أحد أعضائها إنّ هناك ثلاثة أسباب تثير الشبهات بشأن حريق مستشفى الشعب.
ولفت عضو اللجنة النائب حسين حبيب إلى أن” الحرائق على مستوى العراق تصاعدت في الأسابيع الأخيرة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتردي تجهيز الكهرباء وتذبذب الفولتية يرافقها وجود حوادث متعمدة لكن لم تعلن عنها وزارة الداخلية بانتظار التحقيقات”.
وقال لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ “حريق مستشفى الشعب مؤلم لأهالي مدينة يصل تعدادها إلى مليون نسمة بقيت لسنوات طويلة دون مستشفى”، ونبّه إلى أنّ انقطاع المياه والكهرباء وتوقيت اندلاع الحريق مع موعد وجبة الغداء كلها أسباب أثارت شبهات بشأن الأسباب الحقيقية للحادثة.
كما توعّد عضو اللجنة بأن يكون للأخيرة “موقف إذا تبيّن أن حريق المستشفى متعمد مجدّدا التأكيد على أنّ “مكافحة الحرائق تتطلب تفعيل سلسلة إجراءات من ناحية تطبيق معايير السلامة العامة ومعاقبة المخالفين وخلق ثقافة عامة تعنى بمواجهة الحرائق من خلال توفير وسائل احترازية يرافقها الاستعداد المبكر خاصة وأن أجواء العراق صيفا باتت أكثر صعوبة مع ارتفاع درجات الحرارة”.
ولم تنجم عن الحريق الجديد خسائر بشرية، لكن القطاع الصحي في العراق سبق أن شهد حرائق كارثية مميتة خلال السنوات الأخيرة في انعكاس لحالته المتردية الناتجة عن سوء إدارته والفساد الكبير الذي تسرّب إليه.
ومطلع السنة الجارية فقد أربعة رضّع حياتهم في حريق بمستشفى الولادة بمحافظة الديوانية جنوبي العراق. وقبل نحو ثلاث سنوات قتل أكثر من ثمانين شخصا جراء حريق في مستشفى ببغداد، وإثر ذلك بفارق زمني لا يتعدّى الأشهر لقي أربعة وستون شخصا حتفهم جرّاء حريق في مستشفى بالناصرية جنوبي البلاد.
الحرائق تعتبر ظاهرة طبيعية لصيقة بالارتفاع الكبير في درجات الحرارة، لكن الكثير من الشكوك تحوم حول الأسباب الحقيقية لاندلاعها وتجعلها مادّة للجدل السياسي
وبعيدا عن المدن التي تعاني ضعف مرافقها العامّة وتهالك معدّاتها بما في ذلك التداخل الشديد في شبكة الكهرباء والتي تنسب إلى أعطالها الكثير من الحرائق، أصبحت الكثير من الأرياف والمناطق الزراعية في عموم العراق تشهد معاناة سنوية مع قدوم كل صيف متمثّلة في العرائق الكثيرة التي تنشب في الحقول والبساتين وتأتي على أعداد مهولة من الأشجار والمزروعات وتتلف المحاصيل التي تكون في مثل هذه الفترة من السنة قد نضجت وحان موعد حصادها.
وقالت مديرية الدفاع المدني العراقية في وقت سابق إنّ عدد الحرائق المسجّلة في حقول الحنطة منذ انطلاق موسم الحصاد للعام الحالي تجاوز المئة حريق.
وتتراوح أسباب تلك الحرائق بين الحوادث العارضة غير المقصودة، والدوافع الإجرامية مثل الانتقام العشائري والشخصي، وحتى الخلفيات الإرهابية على غرار نسبة عدد من حرائق حقول الحبوب إلى تنظيم داعش الذي يلجأ إلى مثل هذه الوسيلة لإرباك السلطات وخلق أزمات اقتصادية واجتماعية في الأرياف لدفع سكانها إلى إخلائها والنزوح عنها.
لكن الفساد لا يغيب بدوره عن دوافع حرائق المزارع والحقول، حيث تؤكّد مصادر عراقية وقوف شبكات على صلة بمسؤولين في الأجهزة الحكومية وراء حرق أنواع معيّنة من المحاصيل بهدف إحداث نقص فيها ومنع حدوث اكتفاء ذاتي منها وبالتالي مواصلة استيرادها من الخارج في صفقات مشبوهة لا تتناسب فيها أسعار الشراء مع نوعية السلع المستوردة وهو ما يوفر بابا للتربّح لمسؤولين فاسدين.
ويؤكّد ذلك علي البنداوي عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية بالقول إنّ “هناك جهات عدة لا تريد للعراق الوصول إلى الاكتفاء الذاتي ولهذا هي تدفع نحو بقاء البلد بحاجة للاستيراد وربما هي من تقف خلف بعض الحرائق”.
العرب