أبرزت معركة تحرير الجيش العراقي لمدينة الرمادي نهاية العام الماضي العديد من المؤشرات عن المتغيرات في المشهد الأمني والعسكري في العراق وطبيعة الصراع مع تنظيم «الدولة».
ومن المؤكد أن ثمة عوامل للنصر في الرمادي توفرت أمام القوات المسلحة في هذه المعركة أبرزها اتاحة رئيس الوزراء حيدر العبادي الفرصة للجيش في إدارة المعركة مهنيا، وهو الأمر الذي يعتبر عاملا في غاية الأهمية كونه وفر وحدة القرار العسكري وحريته في التخطيط للمعركة بعيدا عن تأثيرات القوى السياسية والميليشياوية (مثل فصائل الحشد الشعبي) مستفيدة من تراكم الخبرات لدى القوات العراقية في التعامل مع أساليب التنظيم. وقد ساهم في تحقيق النصر تطور التنسيق والاتصالات بين القطعات القتالية الأرضية وفعاليات القوة الجوية سواء العراقية أو التابعة للتحالف الدولي التي كان لها الدور الكبير في تدمير وشل قدرات التنظيم وافشال هجماته التعرضية لعرقلة تقدم القوات العراقية، إضافة إلى الاستفادة من توفر المعدات والتجهيزات العسكرية الحديثة والمستشارين الأمريكان في استخدام تلك المعدات التي وصلت أرض المعركة مؤخرا واستخدام التقنيات المتطورة مثل الصواريخ الحرارية الموجهة ضد العربات المفخخة واستخدام الجسور العائمة الأمريكية لأول مرة لنقل الأسلحة الثــقـــيلة عبر نهر الفرات إلى داخل الرمادي.
ولا يمكن اغفال عنصر هام في حسم الموقف، ألا وهو عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي وقياداته في إدارة معركة الرمادي، والتي أصر الأمريكان إضافة إلى القيادات المحلية في الأنبار، على استبعادهم لمنع المشاكل الطائفية وخوفا من تكرار تجارب سابقة مرت على المناطق المحررة من التنظيم، مثل جرف الصخر وديالى وتكريت وبيجي، التي شهدت ممارسات لبعض الميليشيات ضمن الحشد في ملاحقة أبناء المنطقة وانتهاج سياسة انتقامية باحراق وتدمير بعض المساجد والبيوت والمحلات إضافة إلى وقوع انتهاكات أخرى فيها لم يستطع الجيش والشرطة منع الميليشيا من القيام بها، وما زالت شكاوى الأهالي من بعض تلك الممارسات مستمرة حتى الآن.
وإذا أردنا تحديد القوى الفاعلة في المعركة، فإضافة إلى الجهد الأساسي الذي قدمه الجيش العراقي، فهناك قوى أخرى ساهمت بفعالية كبيرة منها قوات مكافحة الإرهاب، وهي النخبة من قوات وزارة الداخلية التي لها خبرة وقدرات قتالية كبيرة في مواجهة تنظيم «الدولة» حيث كانت مع الجيش في الصفوف الأمامية التي اقتحمت مواقع التنظيم. كما لا يمكن اغفال دور الشرطة المحلية والمتطوعين من أبناء المحافظة الذين قام المدربون الأمريكان بتدريبهم طوال الأشهر الماضية، والذين أعترف القادة العسكريون بدورهم ومشـــاركتهم في المــعركــــة والاستفادة من معرفـتهم للمناطق والأحياء في الرمادي.
ورغم تأكيد المتحدث باسم التحالف الدولي الجنرال ستيفن وارن، إن تحرير مدينة الرمادي تم بقدرات القوات العراقية فقط دون مشاركة القوات البرية الامريكية، فإن المراقبين لسير المعركة والقادة العسكريين الميدانيين الذين تحدثوا إلى الإعلام، إتفقوا على أن مشاركة التحالف الدولي في فعاليات معركة الرمادي كان واضحا ومؤثرا في توفير المعلومات والاستشارة والدعم اللوجستي، إضافة إلى التطور في أداء طيران التحالف الدولي من حيث دقة الإصابات في مواقع التنظيم وتدمير دفاعاته وإفشال أسلوبه في ارسال العجلات المفخخة التي كان يدمرها قبل وصولها إلى مواقع القوات العراقية.
وضمن السياق ، أعلن وارن، في مؤتمر صحافي في بغداد، أن التحالف الدولي نفذ 630 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة في الأنبار، وأكد أن التحالف وفر جسراً عائماً ووحدات هندسية لإبطال مفعول العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، مشيرا إلى أن الجيش العراقي هو أول جيش ينصب جسراً عائماً منذ سبعينيات القرن الماضي، كما عد النجاح في الرمادي «لحظة فخر» للعراق وشركائه.
وأكد المتحدث ستيف وارن، إن «الضربات الجوية للتحالف الدولي أسفرت عن مقتل 2000 عنصر من تنظيم الدولة في الرمادي منذ تموز الماضي» موضحا أن «التحالف درب القوات العراقية وضرباته كانت حازمة».
وأضاف، أن «القوات العراقية موجودة على الأرض من وحدات الجيش ومكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والعشائر» مؤكدا: «أننا نعمل بمشورة مع القوات العراقية، وسنواصل دعمها من أجل التقدم للأمام وعودة النازحين» لافتا إلى ان «القوات العراقية أنقذت الكثير من العوائل من بطش تنظيم الدولة».
وأشار إلى ان «التحالف الدولي قدم 5000 صاروخ مضاد للدروع لتدمير السيارات المفخخة التي يرسلها التنظيم» كما أن «التحالف زود العراق أيضا بـ10 آلاف من الدروع والخوذ و10 آلاف من البنادق وأسلحة القنص، فضلا عن مئات العجلات العسكرية، والبلدوزرات، وتدريب القوات العراقية على استخدام الجسر العائم».
ومن المؤكد أن لمعركة تحرير الرمادي أهمية بالغة لمكانة الجيش العراقي في رد اعتباره واثبات قدرته على حسم المعارك في المستقبل دون تدخل من الحشد الشعبي أو البيشمركه، وذلك عندما تتاح له الفرصة لإدارة المعارك تقنيا ومهنيا بعيدا عن التأثيرات السياسية المختلفة، مع الأخذ في الاعتبار ان محاولات التهوين والتقليل من الانتصار العسكري في الرمادي لن تتوقف من قوى يراد لها ان يكون لها الكلمة العليا في الشأن الأمني والعسكري في العراق، أي الحشد الشعبي والميليشيات، والتي أجبرتها الضغوط الأمريكية على الابتعاد عن ساحة المعركة، وهو الأمر الذي لن تسكت عنه بالتأكيد وستسعى إلى إعادة دورها القيادي الذي لعبته في معارك صلاح الدين وديالى وغيرها من المناطق من تنظيم «الدولة».
ولعل أبرز الدروس المستقاة من معركة الرمادي، أنها عززت معنويات القوات المسلحة العراقية وخاصة الجيش وأثبتت قدرتها على تحقيق الانتصارات، وإنها دعمت موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي أمام منتقدي سياسته وإدارته للحرب ضد تنظيم»الدولة» إضافة إلى الاستفادة من أخطاء المعارك السابقة، كما أنها أعطت الأمل للنازحين من الأنبار وغيرها، بالعودة إلى ديارهم رغم الدمار الكبير الذي لحق بها، مفضلين اعمارها بيدهم والمشاركة في الدفاع عنها، على البقاء وتحمل ذل العيش في المخيمات.
صحيفة القدس العربي