شهدت سوريا تطورات عسكرية كبيرة مع تحرير المعارضة السورية المسلحة، ذات الطابع الإسلامي المتشدد، كامل محافظة إدلب وسيطرتها على مدينة حلب، وبدء دخول قواتها إلى مدينة حماه. قامت المعارضة بهذه الهجمات تحت عنوان «ردع العدوان» فيما انتزعت قوات «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا مدينة تل رفعت الاستراتيجية، التي كانت تحتلها «الوحدات الكردية» تحت عنوان عملية «فجر الحرية».
تمثّل الرد العسكري على هجوم طرفي المعارضة المفاجئ بتوجيه الطيرانين السوري والروسي ضربات جوية وصاروخية مركزة على ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي، كما قامت قطعات للبحرية الروسية، في هذه الأثناء، بالقيام بـ«مناورات عسكرية» في البحر المتوسط شملت التدريب على إطلاق صواريخ «فرط صوتية».
تناظر ذلك مع هجمات شنتها «قوات سوريا الديمقراطية» (وهي ذراع عسكري لحزب العمال الكردستاني، نظيرة لـ«الوحدات الكردية» ولكنه يضم أيضا عناصر من عشائر عربية) ساندتها ضربتها لـ«التحالف الدولي» الذي تشكل أمريكا القوة الرئيسية فيه، على قرى في شرق محافظة دير الزور يسيطر عليها النظام وميليشيات إيرانية وعراقية، وكان لافتا، في هذا السياق، تأكيد القوات الأمريكية أن هذه الضربات «لا علاقة لها بتقدم المعارضة».
على المستوى السياسي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، والذي كان لبلاده دور كبير في هذه التطورات الجديدة، أن «دمشق يجب أن تشارك في العملية السياسية لتجنب تفاقم الوضع» وتكامل هذا مع مواقف قطرية، مثل إعلان محمد بن عبد العزيز الخليفي، وقوف الدوحة إلى جانب السوريين وتأييد دفع العملية السياسية وفق القرارات الدولية، وكذلك تصريحات عبد الله بن علي بهزاد، سكرتير وفد قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف، الذي طالب الأطراف المؤثرة بممارسة الضغوط على النظام السوري للتوصل إلى حل سياسي.
برز، على الجهة المقابلة، موقف إيران، حليف النظام السوري الأكثر تضررا من تقدم المعارضة، فتحدث رئيسها مسعود بزشكيان عن استعداد بلاده لـ«تقديم كل أشكال الدعم لسوريا» كما أعلن متحدث باسم الخارجية عن «بقاء المستشارين العسكريين الإيرانيين» (وهو ما يعني أن إيران مستمرة بدعم النظام السوري عسكريا) فيما أعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد العام للجمهورية الإسلامية، موقفا أكثر تشددا بالهجوم على تركيا، معتبرا أنها «وقعت في فخ أمريكا وإسرائيل» وتناغم ذلك مع تهديد رسمي عراقي، على لسان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بأن «العراق لن يقف متفرجا على تداعيات الوضع في سوريا».
ظهر شبيه بهذين الخطابين على المستوى الدولي، في جلسة مجلس الأمن التي بحثت تطورات سوريا، ففيما أدان فاسيلي نيبينزيا، مندوب روسيا في مجلس الأمن، عمليات المعارضة العسكرية معتبرا إياه «هجوما إرهابيا منسقا من الخارج» رأى روبرت وود، نائب ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أن الظروف التي تشهدها سوريا سببها «فشل الامتثال لقرار الأمم المتحدة 2254» مشيرا بدوره إلى دور إيران وروسيا و«حزب الله» في اندلاع الحرب الداخلية بسوريا، ومؤكدا، في الوقت نفسه، أن بلاده لا علاقة لها بالهجوم، وهو ما أكدته أيضا القوات الأمريكية بعد الضربات الأخيرة في دير الزور.
تشير هذه الوقائع كلها إلى وجود أجندتين أساسيتين، الأولى تدرك أن ما يحصل حاليا سببه سد نظام بشار الأسد آفاق العملية السياسية، والثانية، تحاول إلغاء الحل السياسي وإنقاذ نظام فقد أسباب بقائه.
تشكل الحالة العسكرية ـ السياسية المستجدة، في الحقيقة، فرصة كبيرة، يمكن الاستفادة منها، لإقفال ملف الحرب الوحشية الهائلة التي كلفت السوريين، والإقليم، والعالم، أكلافا رهيبة، وهي مناسبة للدول العربية، قبل غيرها، كما للمنظومة الدولية، للضغط في اتجاه تحقيق تسوية سياسية طال انتظارها.
القدس العربي