معمر فيصل خولي
بعد خسارة باكستان حربها مع الهند في عام 1971م، ولمواجهة خطرها العسكري المستقبلي اتخذ رئيس وزرائها ذو الفقار علي بوتو قراره التاريخي في العمل على انجاز مشروع باكستان النووي مهما كلف ذلك قائلًا:”حتى لو اضطررنا لأكل العشب”. وتنسحب هذه التجربة على الحالة الإيرانية، علمًا أن مشروع إيران النووي بدأت قصته في سبعينيات القرن الماضي، عندما دشن محمد رضا آخر شاه بهلوي في الدولة الإيرانية مشروعه النووي بخبرات ألمانية ليكون تتويجًا لما كان يصفه بـ”الحضارة الإيرانية الكبرى”.
لكن الألمان توقفوا عن متابعة المشروع بعد سقوط نظام الشاه في عام 1979م، وتباطأ العمل فيه إلى أن أقدم على قصف مفاعل إيران النووية في عام 1978م. ومع مطلع الألفية الثالثة تصاعدت وتيرة مشروع إيران النووي الذي يهدف في نهاية الأمر إلى إمتلاكها القنبلة النووية مما أثار قلق الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الشرق أوسطية، إسرائيل.
منذ نجاح الثورة الإيرانية، اتخذت إيران الخميني وخامئني من بعده موقفًا معاديًا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وذلك كان جليًا في شعاراتها ضدهما، أما الأمر الذي جعل القيادة الإيرانية تعيد تفكير في اسنتئناف مشروعها النووي مستعينة بالخبرات الروسية في هذا المجال، تجربة الغرب العسكرية مع العراق التي بدأت مع عاصفة الصحراء” تحرير الكويت” في 17 كانون الأول/ يناير عام 1991م، وانتهت مع احتلال العراق في 9 نيسان/ إبريل عام 2003م.
مما لاشك فيه أن سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين العدو اللدود لإيران استقبلته إيران بفرحة استراتيجية غامرة، تذكرنا هذه الفرحة بابتهاج الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش عندما سمع خبر سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م. لكن في نفس الوقت كان الاحتلال الأمريكي للعراق أشبه في جرس إنذار للقيادة الإيرانية ولسان حالها لو كان العراق يمتلك السلاح النووي لما اقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على احتلاله، وكأن هذا الدرس الحقيقي للقيادة الإيرانية من احتلال العراق، لذلك ومن أجل حماية نظامها من السقوط عليها تعزيز قدراته العسكرية ليس فقط بالأسلحة التقليدية وإنما بالأسلحة النوعية وفي مقدمتها السلاح النووي.
ولثني القيادة الإيرانية عن مشروعها النووي فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وشركائها من الدول الأوروبية عقوبات اقتصادية كان لها عميق الأثر على المجتمع الإيراني ولم تكتف إسرائيل بذلك حيث عمدت إلى الإستراتيجية استنزاف مشروع إيران النووي تدريجيا من الداخل عبر تفريغه من العقول الإيرانية وموارده البشرية الإيرانية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من علماء وفنيين، سواء من خلال التصفية الجسدية أو عبر الاختطاف والتهجير إلى خارج إيران، خاصة بعد إطلاق البيت الأبيض في عام 2005 برنامجا سريا يُسمى “تصفية الأدمغة” بهدف تقويض برنامج إيران النووي.
واستمر الشد والجذب بين الولايات المتحدة الأمريكة وإيران لحين توصلهما في عام 2015 إلى اتفاق نووي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، والآن بعد التغيرات الاستراتيجية التي شهدتها بيئة الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، والتي كانت مخرجاتها ايجابية بالنسبة لإسرائيل وفي غاية السلبية لإيران ومحوها الإقليمي، ومع عودة دونالد ترامب مجددًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولتجنب قيام إسرائيل بعمل عسكري منفرد يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، قد يفتح باب إلى مواجهة عسكرية لا يوجد دولة إقليمية أو عربية أو دولية بحاجة إليها، ولا يحمد عقباها.
سبق لإسرائيل ان استهدفت المفاعل النووية العراقية عام 1981م، ولم يتمكن العراق من رد عليها لانشغاله في الحرب مع إيران، لكن قد تبدو ردة فعل مغاير تمامًا إذا قامت إسرائيل باستهداف المفاعل النووية الإيرانية فمن أجل ذلك عادت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق نووي جديد مغاير للاتفاق السابق الذي وقع في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
ومع اقتراب مهلة الشهرين كإطار زمني للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي والتصريحات الأمريكية المتضاربة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريق إدارته فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران بين التشديد والوعيد وبين اللين، وفي هذا السياق تطرح عدة أسئلة : ما الهدف من وراء هذه التصريحات المتناقضة ؟ وهل المفاوضات التي تعقد في عواصم مختلفة جدية من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد؟ أم أنها مفاوضات من أجل شراء الوقت لدوافع ونوايا تخفيها إدارة ترامب بالتعاون مع الحليف الإستراتيجي إسرائيل؟ وهل قطار الواقعية الإيرانية وصل متأخرًا؟ وإذا كانت المفاوضات جادة فهل حقًا تتخلى القيادة عن برنامجها النووي الذي كان سببا رئيسيا في بقائها وكان سببا أيضا في كل الصعوبات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية ؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة