اياد العناز
اتسمت نتائج مباحثات الجولة الثالثة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والتي حضرها الوسيط العربي وزير الخارجية العماني بالعاصمة (مسقط) بالعديد من النقاط الرئيسية المهمة والحوارات الميدانية التي كانت في محتواها تتعلق بطبيعة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني والتأكيد على ضرورة إيجاد حلول مناسبة تفضي الى نتائج إيجابية وتوصل لاتفاق دائم، وهذا ماتم بحثه بشكل واسع بحضور اللجان الفنية المشتركة التي اقرتها الجولة الثانية وكان لحضورها دافع أساسي في استكمال المفاوضات والاتفاق على جولة أخرى.
الأسس التي اتبعت في هذه الجولة الحوارية أنها أعطت دورًا رئيسيًا وبشكل فاعل لمناقشة التفاصيل الفنية الدقيقة والتعمق فيها وفق المعايير التي احتوتها الرسالة الأمريكية الموجهة للقيادة الإيرانية، بضرورة البحث الدقيق عن محتويات البرنامج النووي وما وصلت إليه إيران من عمليات لتخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية والمواد الانشطارية الداخلة في صناعة الأسلحة النووية والقيود التي تريد الإدارة الأميركية فرضها على إيران، وفي المقابل كانت الجوانب المهمة التي ابدتها اللجان الفنية كفيلة لمناقشة عملية التوصل إلى أولويات لرفع العقوبات الاقتصادية التي تسعى إليها طهران.
ويُفهم من المعلومة التي اوردتها وكالة تسنيم الإيرانية الاخبارية بعدم مناقشة موضوع نقل اليورانيوم إلى خارج إيران في هذه الجولة وعدم طرح الموضوع سابقاً، ما يؤكد أن اللجان الفنية والمفاوض الأمريكي أخذ على عاتقه مناقشة نسبة اليورانيوم المخصب والتي وصلت إلى أكثر من 60٪ وهي ما تخالف ما اتفق عليه في شهر تموز 2015 عند التوقيع على اتفاقية العمل المشتركة وبحضور مجموعة (5+1)، وأن المفاوضات أخذت بالاعتبار هذه النسب وضرورة البحث عن كيفية التخلص منها أو أبعادها عن إيران.
وحاول المفاوض الإيراني أن يرسل عدة رسائل للداخل الإيراني لدعم موقف حكومته ودفع أي اشكاليات قد تحصل باستمرار المفاوضات عندما أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن
(جولة المفاوضات الإيرانية الأميركية الثالقة كانت أكثر جدية من قبلها ولكن لا تزال هناك خلافات في القضايا الرئيسية والتفاصيل، ونحن
متفائلون ولكن بحذر شديد بشأن إمكانية التوصل لتفاهم مع الولايات المتحدة وسنبحث سبل تقليص الخلافات في جولة المفاوضات القادمة)، ولكن الجانب الإيراني استمر في حديثه وتعليقاته عن ما جرى من حوارات التي استبعد فيها أي كلام عن ملفات أخرى عدا ما يخص القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي، وهو ما يريد أن يبعد الاذهان عن ملفات برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والمشروع السياسي الإقليمي الإيراني ودعم الفصائل المسلحة في الشرق الأوسط والوطن العربي.
وارادت القوى السياسية والشخصيات الإيرانية القريبة من دائرة القرار السياسي أن تعلن عن ثبات الموقف الإيراني، في محاولة شعبوية لتعزيز مكانة النظام داخليًا، عندما أشار مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية على شمخاني إلى أن الوفد الإيراني المفاوض ( لم يذهب لمسقط لتقديم تنازلات بل لرفع العقوبات مقابل التزامات تقنية) ولكنه لم يفصح عن ما هي الالتزامات التقنية وما نوعها التي تقدمها إيران، ولكنها تتعلق بالشروط التي وردت في رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
أن المسؤولين الإيرانيين يدركون جيداً أن إدارة الرئيس ترامب قد وضعتهم بين خيارين، أما اتفاق يتناول البرنامج النووي الإيراني ومفردة الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي ودعم الفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري، أو أن هناك توجه للقيام بعمل عسكري لإيقاف النشاطات النووية والعسكرية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وما سيرافقها من ارسال معدات عسكرية أمريكية متطورة من القاذفات الاستراتيجية والطائرات الحربية والمعدات الثقيلة للمناطق القريبة المحيطة بإيران،ولهذا فهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن استخدام سياسة إطالة الوقت وعقد المزيد من الجولات التفاوضية سيجعل الامريكان يتجهون إلى حل واتفاق مؤقت يحقق للرئيس ترامب غايته في تحقيق انجاز سياسي واقتصادي سريع يضمن له الاستثمارات المالية التي تعهدت أن تقدمها القيادة الإيرانية في حالة نجاح المفاوضات، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم ايضًا ان من تحاورها ليست إيران التي كانت قبل عقد من الزمن عندما كانت تمتلك القدرة على التحرك واختراق الحدود لأربعة من العواصم العربية (بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد) وأنها افتقدت لكثير من المعايير الميدانية المفاعيل السياسية، وأن عليها الاعتراف بواقع الحال الذي تحقق في سوريا والجنوب اللبناني وما يحدث في اليمن من أحداث ووقائع وضربات عسكرية عبر الطائرات الحربية والصواريخ الموجهة لأماكن ومقرات الحوثيين العسكرية والأمنية ملاحقة قيادتهم الميدانية.
وإيران لم تفلح في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، رغم التغاضي الكبير الذي قدمته هذه الإدارة لإيران في السماح لها بتصدير النفط والغاز والحصول على عوائد مالية كبيرة وعقد الصفقات السياسية معها في إطلاق سراح المحتحزبن من المواطنين الامريكان مقابل دفع مبلغ (7) مليار دولار والسماح بتمديد اتفاقية توريد الغاز الإيراني للعراق والذي يدر لها مبلغ ( 6) مليار دولار سنويًا، من توقيع اتفاق نووي جديد مع واشنطن رغم الجولات التسعة التي عقدت في العاصمة النمساوية (فيينا).
وأمام هذه المعطيات فقد نصحت الدوائر السياسية المرشد الأعلى علي خامنئي والقريبة منه، بقبول صيغة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها إيران ومحاولة إيجاد المنافذ الحقيقية لرفع العقوبات ومعالجة الأزمات الداخلية التي يعاني منها النظام ومواقفه من الاحتجاجات التي يقوم بها أبناء الشعوب الإيرانية، وهذا ما أكد عليه أعضاء البرلمان الإيراني بأن أي اتفاق مع أمريكا يجب أن يعالج بشكل كامل المصالح النووية والاقتصادية والاجتماعية الإيرانية مع رفع العقوبات.
وستكون الجولة القادمة أكثر وضوحًا واصرارًا من الجانب الأمريكي على الأخذ بالمبادئ الأساسية والأهداف والمخاوف الفنية التي تم مناقشتها في الجولة الثالثة،
والتي من المؤكد أن تضم خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للانضمام للفريق الفني والذي يدعم القول إن الجانب الأمريكي رأى أن المفاوضات قد وصلت إلى نتائج إيجابية حول البرنامج النووي الإيراني وإمكانية الحد من النشاطات الإيرانية وتطويق فعالياتها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة