خراب سوريا مسؤولية عالمية: ما العمل؟

خراب سوريا مسؤولية عالمية: ما العمل؟

بيّن السقوط السريع لرئيس سوريا المخلوع بشار الأسد، حالة موت سياسي بالسكتة القلبية لنظامه، وانتهاء لتاريخ صلاحيته فاجأ السوريين أنفسهم، كما فاجأ العالم.
تبخّر الجيش الذي كان يعتبر في المرتبة السادسة عربيا والمرتبة 47 عالميا، وسقطت الفيالق والفرق الجرارة، وانهارت أجهزة المخابرات المرعبة، وهرب الأسد في طائرة حربية روسيّة، فيما اختفى باقي القادة الكبار المطلوب بعضهم في تهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتشتت الأنصار المتورّطون في الدم، أو الخائفون من الانتقام والعدالة.
أظهر الانهيار أن التغوّل الشديد للنظام في حربه ضد السوريين، والدعم الهائل الذي تلقّاه من روسيا وإيران، كانا عنصرين كبيرين، ولكن غير حاسمين، في تأخير سقوطه، وأن الأسباب الأخرى التي أعاقت وصول السوريين، رغم تضحياتهم الهائلة، وشجاعتهم، كانت تتعلّق بـ«أصدقائهم» المفترضين، الذين تجمّع ممثلو دولهم، في الفترة الأولى للاحتجاجات، بدعوى حماية المدنيين، وتحقيق آمالهم في انتقال سياسيّ إلى نظام مدني ديمقراطي يخلف نظام العائلة الحاكمة الطاغية.
تبدّدت الآمال شيئا فشيئا، وانفضّت الدول الكبرى عن القضية السورية، وبعد انكسار «الخط الأحمر» الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي يحظر على النظام استخدام الأسلحة الكيميائية لقصف السوريين، قامت المنظومة العالمية بالتطبيع التدريجي مع النظام، وهو ما شجّع «الجامعة العربية» على إعادة نظام الأسد إليها، وبدء بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، عملية مشابهة للتطبيع معه.
مع وصول الثوار المفاجئ إلى دمشق، وإعلانهم حكومة مؤقتة، انكشفت للعيان الأوضاع الصعبة جدا للسوريين، والملفّات المهولة التي يجب على العالم التعاطي معها، من ملف اللاجئين السوريين الذي يؤرق الدول المجاورة لسوريا، والدول الأوروبية التي أوقف أغلبها، مؤخرا، بحث طلبات لجوئهم، وملف الاقتصاد المنهار الذي جعل 70 في المئة من سكان البلاد، حسب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بحاجة لمساعدات إنسانية (9 من 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر) وملف الوجود العسكري الأجنبي، من قبل أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، وكذلك التحديات الأمنية، ممثلة، أولا بإسرائيل التي دمّرت الجزء الأكبر من بنى الجيش السوري، واحتلت مناطق جديدة من سوريا، وثانيا، بحزب العمال الكردستاني التركي، الذي يسيطر على الثلث الأكثر غنى بالموارد في سوريا، وملف تهريب المخدّرات الذي يؤرق الأردن وباقي الدول العربية.
لقد أظهر استلام محمد البشير، رئيس الحكومة المؤقتة المعيّن من قبل «إدارة العمليات العسكرية» للمعارضة التي أسقطت النظام، الضعف الشديد للحكومة السابقة التي اعترف رئيسها، محمد غازي الجلالي، أن نظام الأسد كان قد حوّلها إلى أداة فارغة تُدار من القصر الجمهوري، وضباط فروع الأمن الكبار.
تظهر هذه المعطيات، بوضوح، أن «دم سوريا» توزّع بين الجميع، وأن المنظومة الدولية، على اختلافاتها السياسية، شاركت، بشكل مباشر، أو عبر التواطؤ الضمني والتراجع عن الفعل المجدي، في تحوّل النظام السوري المخلوع إلى «فضيحة عالمية» لم يسبق لها مثيل، وأن هذا يوجب على الجميع الاعتذار من السوريين، والعمل الحثيث على مساعدتهم، أولا عبر رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية عن سوريا، وثانيا، عبر المساعدة في انتقال سياسي نحو نظام ديمقراطي تعددي.
يمثّل وصول وفد تركي، يضم وزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس جهاز المخابرات إبراهيم قالن، رفقة وفد قطري، وترافقه مع إعلان 8 دول أخرى رغبتها في إعادة فتح سفاراتها في دمشق، مبادرة مهمة في هذا الاتجاه، وهو يتناظر أيضا مع التحرّكات التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، والتصريحات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، و«مجموعة السبع» وحتى الاتصالات التي تجريها روسيا مع «القيادة الجديدة» والتصريحات التي أعلنتها إيران عن ضرورة التأقلم مع التطوّرات في سوريا.

وباستثناء إسرائيل، التي استغلّت أوضاع النكبة السورية للإغارة المتواصلة على البلاد، والتهديدات المستمرة للنظام الجديد، فإن ما يجري في ساحات العالم مؤشّرات إيجابية لكنّها غير كافية، ولا تتناسب مع حجم المسؤولية الكبيرة التي يتحملها العالم تجاه السوريين.