“أسعار النفط الخام تحت الضغط: صعود الدولار وتحولات السوق العالمي

“أسعار النفط الخام تحت الضغط: صعود الدولار وتحولات السوق العالمي

الباحثة شذى خليل*
تعرضت أسعار النفط لضغوط كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث انخفضت كل من أسعار النفط الخام برنت والنفط الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط (WTI). حيث تراجعت أسعار برنت إلى نحو 72 دولارًا للبرميل، بانخفاض حوالي 3% خلال الأسبوع، في حين اقتربت أسعار WTI من مستوى 69 دولارًا. يأتي هذا الاتجاه النزولي وسط مجموعة من العوامل، لكن العامل الأكثر أهمية كان قوة الدولار الأمريكي، الذي جعل النفط أكثر تكلفة للعديد من المشترين حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإشارات الاقتصادية الضعيفة من الصين، أكبر مستهلك للنفط، تزيد من الضغط على الأسعار.
قوة الدولار وتأثيرها على أسعار النفط
أحد المحركات الرئيسية وراء انخفاض أسعار النفط هو الارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي. مع تقوية الدولار، يكون له تأثير مباشر على أسعار السلع الأساسية، وخاصة النفط الذي يتم تسعيره بالدولار عالميًا. يؤدي الدولار الأقوى إلى جعل النفط أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، مما يثبط الطلب ويزيد الضغط النزولي على الأسعار.
وقد لعبت إشارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة بشأن تقليص معدلات الفائدة بشكل أكثر تواضعًا العام المقبل دورًا حاسمًا في تعزيز قوة الدولار. من خلال الإشارة إلى أن التخفيضات في أسعار الفائدة ستكون أصغر من المتوقع، عزز الاحتياطي الفيدرالي جاذبية الأصول الأمريكية، مما دفع المزيد من المستثمرين إلى التوجه نحو الدولار من أجل الأمان النسبي وإمكانية العوائد. ونتيجة لذلك، تواجه أسعار النفط رياحًا معاكسة متزايدة، حيث أصبح النفط أكثر تكلفة على البلدان خارج الولايات المتحدة لشراء النفط الخام.
الطلب الضعيف من الصين: عامل آخر رئيسي
تواجه الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، مجموعة من التحديات الاقتصادية. حيث أعلنت شركة سينوبك، أكبر مكرر للنفط في البلاد، مؤخرًا أن الطلب على البنزين في الصين بلغ ذروته في عام 2023، مما يشير إلى احتمال تباطؤ الطلب على النفط الخام في البلاد. ويأتي هذا الإعلان وسط بيانات اقتصادية ضعيفة من الصين، مما يثير القلق بشأن استدامة الطلب على النفط من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لقد شاب النظرة المستقبلية للطلب على النفط في الصين تباطؤًا مستمرًا في الاقتصاد الصيني. بعد سنوات من النمو السريع، تواجه الصين تحديات مثل الشيخوخة السكانية، والانكماش في الاستهلاك المحلي، والانكماش الاقتصادي العالمي الأوسع. هذه العوامل خفضت الطلب على الطاقة، مما أدى إلى انخفاض الواردات وتقليص الطاقة الإنتاجية للمصافي.
زيادة الإنتاج والمخاطر الجيوسياسية
بالإضافة إلى قوة الدولار والطلب الضعيف من الصين، تتعرض أسعار النفط أيضًا لضغوط من زيادة إنتاج النفط في بعض المناطق الرئيسية. فقد شهدت الأمريكتان، وخاصة الولايات المتحدة، زيادة كبيرة في إنتاج النفط الصخري في السنوات الأخيرة، مما ساهم في حدوث فائض في الأسواق العالمية. وقد ساهم هذا العرض المتزايد، إلى جانب القلق بشأن عدم وجود نمو كبير في الطلب، في الضغط على الأسعار.
وفي الوقت نفسه، فإن المخاطر الجيوسياسية تزيد من تعقيد الوضع. حيث يقال إن مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) تدرس طرقًا لتشديد العقوبات على النفط الروسي، بهدف تقليص الأسعار أكثر. ورغم أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد بشأن الإجراءات الدقيقة التي سيتم اتخاذها، تشمل الخيارات التي يتم مناقشتها تقليل حد السعر من 60 دولارًا للبرميل إلى نحو 40 دولارًا. إذا تم تنفيذ هذه العقوبات، فقد تعرقل ديناميكيات العرض في سوق النفط، على الرغم من أن التأثير لا يزال غير مؤكد.
الانخفاض السنوي المعتدل والنطاق الضيق للتداول
بالنظر إلى الاتجاه الأوسع، من المتوقع أن يشهد النفط الخام انخفاضًا سنويًا معتدلًا. يأتي ذلك بعد التداول في أضيق نطاق سنوي منذ عام 2019، حيث تقلبت الأسعار في نطاق ضيق نسبيًا طوال العام. ويعزى هذا الانخفاض إلى مجموعة من العوامل مثل الطلب الضعيف، وخاصة من الصين، وزيادة الإنتاج المستمر، والقلق بشأن المشهد الجيوسياسي.
ورغم الانخفاض، لم تشهد أسعار النفط انهيارًا حادًا، مما يشير إلى أن العوامل الأساسية — مثل تخفيضات العرض المستمرة من قبل منظمة أوبك+ (منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفاؤها) واضطرابات الإنتاج في بعض المناطق الرئيسية — توفر بعض الدعم. ومع ذلك، يبقى بيئة المخاطر هبوطية، حيث لا يزال المتداولون غير متأكدين من قوة الطلب المستقبلي.
التأثير الاقتصادي الأوسع
يشير انخفاض أسعار النفط، المدفوع بقوة الدولار والطلب الضعيف من الصين، إلى وجود تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي والأسواق الدولية.
1. النمو الاقتصادي العالمي: يمكن أن يكون لانخفاض أسعار النفط تأثير مزدوج على النمو الاقتصادي العالمي. من ناحية، يمكن أن يكون النفط الرخيص مفيدًا للدول المستوردة للنفط، حيث يخفض تكاليف الطاقة ويزيد الدخل المتاح. من ناحية أخرى، قد تشير الأسعار المنخفضة المستمرة إلى ضعف الطلب العالمي، مما يثير القلق بشأن الركود الاقتصادي. بالنسبة للمنتجين الرئيسيين للنفط، مثل السعودية وروسيا، يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى الضغط على إيرادات الحكومة وتقليص مرونتها المالية.
2. الضغوط التضخمية: بالنسبة للمستهلكين والشركات، يمكن أن يساعد انخفاض أسعار النفط في تقليل الضغوط التضخمية. عادة ما تؤدي تكاليف الطاقة المنخفضة إلى تقليل تكاليف النقل والإنتاج، التي يمكن أن تُمرر للمستهلكين. قد يقدم ذلك بعض الراحة للاقتصادات التي تعاني من التضخم المرتفع، لا سيما في أوروبا وبعض أجزاء آسيا.
3. الأسواق الناشئة: بالنسبة للعديد من الاقتصادات الناشئة، التي هي دول مستوردة للنفط، يمكن أن يساعد انخفاض أسعار النفط في تخفيف الضغوط المالية من خلال تقليل تكلفة الواردات. ومع ذلك، تواجه هذه الدول أيضًا تحديات بسبب قوة الدولار، التي تزيد من تكلفة خدمة الديون المقومة بالدولار. يعتمد التأثير الصافي على الأسواق الناشئة على التفاعل بين هذه العوامل.
4. أسواق السلع والتدفقات الاستثمارية: قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تقليل الاستثمارات في قطاع الطاقة، وخاصة في استكشاف وإنتاج النفط. قد يؤثر ذلك على الشركات العاملة في استخراج النفط وتكريره والصناعات ذات الصلة. علاوة على ذلك، من المرجح أن تؤثر قوة الدولار على التدفقات الاستثمارية العالمية، حيث قد يتحول المستثمرون إلى الأصول المقومة بالدولار الأمريكي، مثل سندات الخزانة الأمريكية، مما يؤدي إلى مزيد من الضغط على أسعار النفط.
الخاتمة
تعاني أسعار النفط من ضغوط كبيرة، حيث تساهم قوة الدولار الأمريكي، والطلب الضعيف من الصين، وزيادة العرض في هذا الانخفاض. التأثيرات الاقتصادية لهذا الاتجاه معقدة، حيث يواجه الاقتصاد العالمي إشارات مختلطة من انخفاض أسعار النفط، وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وتضييق الاحتياطي الفيدرالي. ورغم أن انخفاض أسعار النفط قد يوفر بعض الراحة للمستهلكين والدول المستوردة للنفط، إلا أنه يشير أيضًا إلى عدم اليقين الاقتصادي الأوسع الذي سيستمر في تشكيل الأسواق العالمية في الأشهر القادمة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية