التصحر والجفاف في العراق: أزمة بيئية تهدد الأمن الوطني وسبل معالجتها

التصحر والجفاف في العراق: أزمة بيئية تهدد الأمن الوطني وسبل معالجتها


الباحثة شذا خليل*

يعد العراق من أكثر الدول تعرضاً لظاهرة الجفاف والتصحر في العقود الأخيرة. فقد تغيّرت الأنظمة المناخية، وانخفضت كميات الأمطار بشكل كبير، وتراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات نتيجة بناء السدود في دول المنبع، إضافة إلى سوء إدارة الموارد المائية داخل العراق. أدى هذا الوضع إلى تدهور الأراضي الزراعية، وهجرة الريف نحو المدن، وزيادة العواصف الترابية، وتراجع الإنتاج الغذائي والاقتصادي.
تشير الإحصاءات إلى أنّ أكثر من 39% من أراضي العراق تتعرض للتصحر، بينما نحو 54% مُعرّضة لخطر التصحر في السنوات القادمة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. هذا الوضع لا يؤثر فقط على البيئة، بل يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي للعراق.

العوامل الأساسية التي أدت إلى التصحر
1. نقص المياه وتحكم دول الجوار بالأنهار وخاصة تركيا وإيران.
2. ارتفاع درجات الحرارة وتغيّر المناخ.
3. الرعي الجائر وقطع الأشجار.
4. الإهمال الزراعي ونقص مشاريع الري الحديثة.

ما يجب على الحكومة العراقية القيام به
1) تطوير سياسات إدارة المياه
• اعتماد نظام ري حديث بالتنقيط والرش بدل الري بالغمر.
• إصلاح شبكات القنوات القديمة لتقليل الهدر.
• إنشاء خزانات ومسطحات مائية استراتيجية.
2) زراعة الأحزمة الخضراء
• تشجير المناطق المحيطة بالمدن والحدود الصحراوية.
• دعم زراعة الأشجار المقاومة للجفاف مثل الأكاسيا واليوكالبتوس والنخيل.
3) إعادة إحياء الاهوار
• الاهوار تعد حاجزاً بيئياً طبيعياً ضد العواصف الترابية.
• دعم المجتمعات المحلية للعيش والزراعة فيها.
4) إعادة تفعيل الدور البحثي
• دعم الجامعات والمؤسسات الزراعية لإجراء بحوث حول التربة والمياه.

السياسات والقوانين العراقية المطلوبة
• تفعيل قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009.
• فرض غرامات على قطع الأشجار والرعي الجائر.
• إنشاء مجلس وطني للمياه يضم الزراعة والبيئة والموارد المائية والخارجية لتوحيد القرار.
• تخصيص موازنات ثابتة لمشاريع الحد من التصحر وليس فقط برامج مؤقتة.

العراق واتفاقية مكافحة التصحر (UNCCD)
العراق هو دولة منضمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر عام 1997.
هذه الاتفاقية تلزم الدول بما يلي:
• إعداد استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر.
• مراقبة التغير في الغطاء النباتي.
• التعاون الإقليمي لتبادل الخبرات.
إذا فعّلت الحكومة العراقية التزاماتها، يمكن الحصول على دعم مالي وتقني دولي لمشاريع إعادة تأهيل التربة والموارد الزراعية.

وماذا عن اتفاقية أعالي البحار؟
اتفاقية أعالي البحار (UNCLOS) تهتم بتنظيم:
• الملاحة البحرية
• الجرف القاري
• الحقوق الاقتصادية في المياه الدولية
هذه الاتفاقية لا تعالج موضوع التصحر بشكل مباشر.
لكن يمكن للعراق استخدامها في تأمين حقوقه في المياه إذا شملت المياه الإقليمية أو الملاحة النهرية التي ترتبط بخليج البصرة.

كيف يمكن للعراق حماية نفسه دولياً؟
1. تفعيل الدبلوماسية المائية مع تركيا وإيران للوصول إلى اتفاقيات عادلة لتوزيع المياه.
2. اللجوء إلى التحكيم الدولي أو محكمة العدل الدولية إذا تم الإضرار بحصة العراق المائية.
3. التعاون مع الأمم المتحدة للحصول على تمويل بيئي لمواجهة التصحر.

خلاصة
التصحر في العراق ليس مشكلة بيئية فقط، بل قضية سياسية واقتصادية واستراتيجية. الحل يتطلب:
• إدارة حكومية فعالة للمياه.
• تشجير واعي ومستدام.
• سياسات قانونية صارمة.
• وتعاون دولي قوي.
إذا التزمت الحكومة بتنفيذ برامج مكافحة التصحر وتفعيل الاتفاقيات الدولية، يمكن استعادة التوازن البيئي وحماية الأجيال القادمة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية