أصدقاؤنا بحكم الضرورة».. هذا ما وصف به ماكس بوتس، الكاتب في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، السعودية، في مقال كتبه بشأن الأزمة بين الرياض وطهران. ويقول في نصيحته إنه رغم أن بعض الأميركيين لا يحبون السعودية فإنه ينبغي على إدارة الرئيس أوباما دعم الرياض في مواجهة ملالي إيران.
تعارض صحيفة «نيويورك تايمز» تلك الرؤية، حيث تزعم أن الرأي العام الدولي، وخصوصا في أوروبا، يميل كثيرا ناحية طهران، لذلك فإنه ينبغي على الولايات المتحدة الوقوف بجانبها. ومن شأن تلك الخطوة أن تتفق مع القرار الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس أوباما لمساعدة إيران في بناء موقفها كلاعب إقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
ولقد أعجبت وسائل الإعلام الإيرانية أيما إعجاب بموقف صحيفة «نيويورك تايمز»، حتى إن صحيفة «كيهان» اليومية، التي يصدرها مكتب المرشد الإيراني الأعلى، قد نشرت ذلك على صفحتها الأولى في عدد يوم الأربعاء.
ويعتقد إيلي ليك، الذي يكتب في مجلة «بلومبيرغ»، أن أوباما قد اتخذ جانب إيران بالفعل. ولامت صحيفة «نيويورك بوست» للرئيس الأميركي لأنه قد ساعد، بصورة من الصور، في اندلاع الأزمة، من خلال تشجيعه المستمر للطموحات التوسعية الإيرانية في المنطقة.
على وجه العموم، فإن تغطية الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في أعقاب إعدام السعودية للمسلحين المتطرفين تسلط الضوء على مشاعر «معينة» مناوئة للسعودية في وسائل الإعلام بالولايات المتحدة، ولكن تلك المشاعر كانت واضحة في الأزمة، وإن كانت تتبدى من آن لآخر على استحياء خلال العقود الماضية.
يفسر ذلك ثلاثة عوامل:
أول تلك العوامل هو أن النخبة الإعلامية الأميركية، مثل النخب الإعلامية في الديمقراطيات الغربية، كانت دائما ما تحمل تحيزا يساريا لطيفا، أو ليبراليا، أو تقدميا، وعادة ما تتخذ موقفا تجاه المجتمعات التقليدية مثل السعودية.
والعامل الثاني هو أن وسائل الإعلام الأميركية كانت دائما ما تضمر قدرا من التعاطف تجاه الدول التي ترعى نمطا من أنماط العداء للولايات المتحدة، ولكن في حدود. وبوصفها الدولة الوحيدة التي جعلت من معاداة أميركا شعارا رسميا لها، فقد استفادت إيران من ذلك التحيز كثيرا. في حين أن السعودية، على النقيض من ذلك، كانت صديقا دائما للولايات المتحدة، إن لم تكن حليفا كبيرا، منذ عام 1945، وبالتالي تتلقى الكثير من الانتقادات اللاذعة. ويعرب أوباما بكل بساطة عن نهج متناقض من حيث امتداح الخصم، وهو إيران، وانتقاد الصديق، وهو السعودية. وحيث إن جزءا كبيرا من وسائل الإعلام الأميركية لا تزال مؤيدة للرئيس أوباما فإن ذلك النهج بات متكررا تجاه إيران المراوغة المخادعة، والسعودية الواضحة المباشرة.
أما العامل الثالث، وربما هو أكثر العوامل أهمية، فهو أن الجانب السعودي لم يكن لديه استراتيجية إعلامية متماسكة وراسخة للتأثير في الولايات المتحدة الأميركية.
الولايات المتحدة الأميركية دولة ديمقراطية تهتم بالرأي العام كثيرا، بسبب أنه في أغلب الحالات يعتبر الحكم النهائي على سياسات الدولة. الجانب السعودي، مع ذلك، ظل دائما يعمل من خلال شبكات من الاتصالات، كما هو الحال غالبا في المجتمعات التي تكمن الأهمية فيها للقبائل القوية، أو العائلات النافذة، أو أجهزة الحكومة الراسخة، أكثر من الرأي العام.
يمكن لتلك الطريقة أن تنجح بصورة جيدة في باكستان، على سبيل المثال، أو الصين، أو بشكل متناقض، في إيران. ولكن لا يمكن لها أن تنجح في مجتمع مثل الولايات المتحدة، حيث إن التدفق الحر للمعلومات والحوار المفتوح وغير المنتهي للقضايا كافة يوفر شريان الحياة الضروري لاتخاذ القرار. وفي مثل ذلك السياق المباشر تكمن الحاجة إلى الاتصالات.
وهذا بدوره يتطلب وجود استراتيجية لا يمكن لها النجاح من دون شركات شارع ماديسون، أو السفير الأميركي السابق في الرياض، أو اتصالات الشركات النفطية، وذوي النفوذ الكبير.
ظل الجانب السعودي، وعبر عقود طويلة، يعتقد أن اتصالاته الوثيقة مع فريق بوش ومع بعض من نواب وأعضاء الكونغرس هي كل ما يحتاجه للحصول على جلسة استماع منصفة في محكمة الرأي العام الأميركي. ولم يعترض هذا الظن عارض، بسبب أنه في ذلك الوقت لم تواجه السعودية التحديات الحقيقية التي تواجهها اليوم.
ولكن يمكن للسعودية أن تؤمن لنفسها التفاهم، حيث إنه وبالمقارنة بالدول الأعضاء الـ22 في الجامعة العربية، التجربة السعودية تحظى بمزيد من الإيجابية بشكل كبير.
يمكن كذلك ملاحظة صورة أخف من «النمطية» في وسائل الإعلام بأوروبا الغربية. فهناك أيضا، تلعب المواقف الآيديولوجية دورا رئيسيا. حيث يرى اليسار الأوروبي السعودية خصما آيديولوجيا محتملا، ولكنه يعتبر النظام الخميني في طهران حليفا محتملا، إن لم يكن فعليا.
في بريطانيا، على سبيل المثال، هاجمت الصحف اليسارية كافة، مثل «الغارديان» و«الإندبندنت»، الجانب السعودي بلغة قاسية، بينما منحت الجمهورية الإسلامية في إيران مساحة من الشك المفيد. فلقد ألقي الضوء كثيرا ووجهت الانتقادات العنيفة ضد السعودية إزاء أحكام الإعدام الأخيرة، في حين أن الواقع، الذي جرى تجاهله، يقول إن إيران هي الدولة رقم واحد في العالم من حيث أحكام الإعدام المنفذة على أراضيها.
وفي المقابل، فإن الصحف الأوروبية اليمينية، مثل «التايمز» و«التلغراف»، كانت أكثر اتزانا في موقفها تجاه السعودية.
تتمتع طهران، في خضم الصراع الحالي، بميزة أخرى. حيث إن جزءا من الإنتاج اللغوي العربي والفارسي في وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، يأتي من قبل صحافيين معارضين من الناحية الآيديولوجية للسعودية، وفي بعض الحالات، متعاطفين مع ما يسمونه الفصيل المعتدل في إيران.
وبصرف النظر عن حيثيات الموقف الحالي فإن الجانب السعودي لا يحصل بكل تأكيد على ما كان يصبو إليه كصديق وحليف للديمقراطيات الغربية. اللعبة هذه المرة مختلفة، وعلى الجانب السعودي الاعتماد على نفسه ومعرفة قواعد اللعبة جيدا، والأساليب المتاحة كذلك.
أمير طاهري
صحيفة الشرق الأوسط