«تظاهر الى أن تحققه (النجاح)!»، هذه لازمة أو نصيحة تقدم الى الممثلين المبتدئين والمقاولين الذين يضطرون الى التظاهر بذيوع الصيت والثراء. ويبدو ان هذه اللازمة يرددها صناع السلام الدوليون في مقاربة الحرب السورية. ويرعى هذا الاسبوع ديبلوماسيون ومسؤولون من الامم المتحدة مفاوضات بين الحكومة السورية وعدداً من المجموعات المعارضة. وأُجل اللقاء من الاثنين الى نهار آخر (الجمعة)، ويرجح ان الفشل في انتظاره. فالنظام السوري أعلن انه لن يقدم تنازلات، وحمّلت مجموعات المعارضة حكومة بشار الاسد وموسكو مسؤولية فشل المفاوضات قبل ان تبدأ. وعلى رغم الخلاف على تمثيل المعارضين بين الرياض وأنقرة وموسكو، واصل جون كيري مساعي تذليل العقبات عن طريق اللقاء.
ولكن ما الغاية من السعي الى ملتقى يتناثر قبل انعقاده؟ يقال إن ما يترتب على إلغاء الحوار هو اقتناع الجميع بأن لا بديل عن القتال في الجبهات المسدودة والدموية. وهذا الإلغاء ينفخ في معنويات «داعش»، فهو دليل على انقسام معارضي هذا التنظيم انقساماً لا عودة عنه. ولكن التظاهر بعملية سلام يوجه رسالة الى الحكومة السورية مفادها بأنها لن تحاسب على مواصلة العنف المستشري والتصلب الديبلوماسي.
ولكن ثمة دواعي جغرافية – سياسية وراء مواصلة مساعي الحوار: حاجة روسيا والولايات المتحدة الى رعاية نوع من عملية سلام في سورية تساهم في تخفيف التوتر بينهما. وإذا تعذرت عملية سلام فعلية، فالتظاهر برعاية واحدة يعزز التقارب الاميركي- الروسي. ولا شك في ان كلاً من موسكو وواشنطن سعى الى انعقاد المفاوضات في جنيف. ولطالما ارتبطت الوساطة الاممية في سورية بالدعم الروسي والاميركي. وفي النصف الثاني من 2015، ساهمت 3 تطورات في دفع هذه المساعي قدماً: 1) بدا ان الاتفاق النووي الايراني المبرم في تموز (يوليو) المنصرم أرسى انفراجاً يمهد الطريق امام ديبلوماسية بناء في الشرق الاوسط. وإثر تدخلها في سورية في أيلول (سبتمبر)، برزت مؤشرات روسية الى رغبتها في حد تدخلها العسكري. 2) رأى القادة الغربيون ان هجمات تشرين الثاني (نوفمبر) في باريس سلطت الضوء على الحاجة الى استراتيجية جديدة في مكافحة «داعش». وهذه الاستراتيجية تنضوي على تسوية في سورية. وبدا فجأة ان مصالح القوى الكبرى بدأت تتقاطع على دعم السلام في سورية. 3) في مفاوضات فيينا في تشرين الثاني، رسم لاعبون بارزون، منهم ايران والسعودية، خططاً لوقف اطلاق النار في سورية وإرساء اسس عملية سياسية تطوي الحرب. وأذاع مسؤولون استخباراتيون غربيون معلومات عن تملق موسكو الاسد لحمله على الاستقالة. ولكن كيف انفرط عقد هذه المساعي؟ رفض الاسد التنحي. وعوض ان تتركه معلقاً من غير دعم، واصلت روسيا الهجمات الجوية ودعمت قواته البرية. وفي الوقت نفسه، استأنفت القوى الاقليمية شد حبال القوة بينها. وحال الاقتتال الداخلي في صفوف المعارضة السورية وافتقار هذه (المعارضة) الى مشروع سياسي دون الإعداد للمفاوضات. ولا شك في ان الفشل ينتظر مفاوضات جنيف. ووراء تأييد عملية ديبلوماسية تقودها الامم المتحدة 3 مسوغات، منها:
– كافحت الامم المتحدة من اجل اغاثة من يعانون في سورية، ووســعها من حين الى آخر تدبير وقف موقت لإطلاق النار في المدن المـــحاصرة. وعلى رغم ان مساعي الإغاثة لم تفلح في تخفيف أهوال الحرب، حري بالمــسؤولين مواصلة السعي لتخفيف معاناة السوريين.
– رؤية سياسية طويلة الأمد مفادها بأن عملية أممية، مهما كانت متعثرة، ينبغي ان تكون في متناول السوريين كلهم للحوار متى شاؤوا. فالامم المتحدة لم توقف مفاوضات السلام في قبرص في العقود الخمسة الاخيرة بين الاتراك واليونانيين. وساهم السعي الاممي الى جمع الاجنحة الصومالية المتباينة منذ منتصف التسعينات في خطو خطوات بطيئة نحو ارساء الاستقرار في الصومال في الاعوام الاخيرة. والصومال هو نموذج مأساوي ولكن قد يكون الاحتذاء عليه في سورية في محله. وقد تمضي الامم المتحدة اعواماً طويلة وربما عقوداً وهي تحاول رتق اواصر سورية.
– ثمة مؤشرات ايجابية صغيرة الى رغبة موسكو واشنطن في حد التنافس بينهما. وأعلن كيري أخيراً ان الأزمة الأوكرانية لم تعد تؤجج توتر العلاقات الاميركية – الروسية. ويرغب باراك اوباما في أن يسلم الرئيس الاميركي القادم علاقات مع روسيا أقل اضطراباًَ. وفي موسكو، ينشغل المسؤولون في جبه احوال اقتصادية قاتمة وثيقة الصلة بهبوط اسعار النفط. ولكن الصدام مع واشنطن والعقوبات الاميركية اثر الازمة الاوكرانية يفاقم المشكلات الروسية. لذا، ترغب كل من موسكو وواشنطن في تهدئة التوترات بينهما. وطالما يوحي جون كيري ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، انهما يتعاونان من اجل السلام في سورية، وسعهما الحؤول دون تقويض الحرب السورية خطوات المصالحة بينهما حول اوكرانيا والازمة الاقتصادية الروسية، ودون اطاحتها (الحرب السورية) مصالحهما المشتركة في الاتفاق الايراني.
ريتشارد غوان
نقلا عن الحياة