أنهت إيران بالأمس القريب سنوات من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية على خلفية برنامجها النووي، وتوصلها إلى الاتفاق النووي مع دول مجموعة (5+1) ، وهو ما عدته طهران عودة الحياة الى البلاد بعد سنوات من الاقصاء.
اليوم ايران تحاول جاهدة ترميم ما خلفته العقوبات الدولية على اقتصادها، والذي وصلت لمراحل خطيرة في تلك الفترة ،فاستعانت بأطراف مجاورة ودولية للالتفاف على تلك العقوبات لكي تستطيع المواصلة في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد.
لست هنا في مقام لسرد تاريخ العزلة الايرانية او حيثياتها ، لكن هي مقدمة مبسطة للأوضاع التي عاشتها ايران ، والتي يقلل من تبعاتها الايرانيون وحلفائهم بالقول ان ايران عادت بقوة الى الاسواق العالمية، وكأن لم يحدث شيء، وذهب هؤلاء لتضخيم الاقتصاد الايراني وجعله منافسا لكبرى الاقتصادات في المنطقة ؛ كمقارنته بالاقتصاد السعودي مثلا ، وهي مقارنة يعرف أهل الاقتصاد والسياسة انها غير منطقية ومبنية على التعاطف والتضخيم.
نعم لقد عادت ايران الى الاسواق ، لكن ما يتغافل عنه البعض أن العالم يتقدم بسرعة كبيرة ولا ينتظر احدا ، فالتطورات التكنولوجية والسباق في تطوير الاقتصادات هائل جدا ،ونحن اليوم على اعتاب “الثورة الصناعية الرابعة” فكيف يمكن ان نقول بإن طهران تواكب اقتصادات ناشئة، بالعمل المصرفي ،والتشريعات الاقتصادية ، والعلاقات الدولية التي حرمت منهال لسنوات ؟
تواجه العودة الايرانية الى الاسواق العالمية العديد من التحديات والعراقيل السياسية والاقتصادية ،التي قد تجعلها تتأخر بعودتها الحقيقية الى الاسواق الدولية، ومن بين اهم هذه التحديات الإجراءات الأميركية خاصة المتعلقة بالقضاء على تمويل الإرهاب، لا تزال قائمة”.
طهران التي تسعى اليوم جاهدة لجذب الاستثمارات ،تحتاج الى استثمارات بقيمة 200 مليار دولار لتطوير صناعة النفط (شريان الاقتصاد الايراني ) و قطاع الطاقة فيها، وهو مبلغ مقدر من قبل الخبراء لكي تستعيد مكانتها في اسوق النفط والطاقة .
وتواجه طهران ايضا عراقيل تتعلق بعلاقتها المتوترة مع دول الجوار وهو ما يرى فيه خبراء عامل تردد لدى الكثير من الشركات النفطية للتعامل مع ايران ،وخصوصا الدول التي تتعامل مع عملاق النفط العالمي ،المملكة العربية السعودية ،ناهيك عن احجام الشركات الغربية عن التوجه نحو طهران فالعلاقات الايرانية-الروسية لا يشجع على التقارب بينهم، وهو سبب يعتبر مبرر للشركات الغربية .
وحول سياسة الإنتاج فقد قال وزير الطاقة الإيراني ، ” إن إيران ستعمل إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الحظر، وزيادة الإنتاج خلال العام الجاري بكميات تراوح بين 600 ألف إلى مليون برميل يومياً”. ولكن يرى خبراء أن إيران تواجه مشكلة زبائن لمبيعات خامها.
تهاوي أسعار النفط عالمياً كان التحدي الاكبر امام عودة ايران والى سوق التقط خاصة، وهو ما حرم ايران من مكاسب بمليارات الدولارات وحد من مكاسبها في أبرز القطاعات التي تعتمد على النفط.
وفيما يتعلق بقطاع الغاز يرى خبراء في مجال الطاقة ان ضعف البنية التحتية والصعوبات في الحصول على تكنولوجيا التسييل والقيود الجيوسياسية، قد يحول دون تحقيق حلم مشاريع الغاز الإيراني المسال على الأقل حتى نهاية العقد الحالي.
اما البنية التحتية فهي متهالكة منها الطرق والجسور والصرف الصحي والكهرباء والخدمات الاساسية فلفرد يعاني مشكلة كبيرة وهي بحاجة لإعادة تأهيل وهو ما يعتبر تحدي اخر امام الحكومة الايرانية.
وليس القطاع المصرفي بأحسن حال من باقي القطاعات ،فالغرامات التي فرضت على مؤسسات جعلتها في حالة قلق من التعامل مع المؤسسات الايرانية، وخصوصا كما ذكرنا سابقا ان بعض المسائل مازالت عالقة مثل تلك المتعلقة بالإرهاب.
وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات باهظة على بنوك عدة لانتهاكها العقوبات المفروضة على إيران، من بينها بنك بي إن بي باريبا، الذي فرضت عليه في عام 2014 غرامة وصلت إلى 8.9 مليارات دولار.
ويررى خبراء ان حالة عدم اليقين التي تعيشها المؤسسات المصرفية في ايران قد تحرمها من استثمارات ضخمة ،هي بحاجة لها لدعم عمليات التنمية المنشودة.
وأشار التقرير السنوي للصندوق عن إيران ان “التراجع الكبير في اسعار النفط والوضع المالي الصعب للشركات والمصارف والتأخير في استثمارات الأفراد والشركات في انتظار رفع العقوبات تسببت الى حد بعيد بإبطاء النشاط الاقتصادي” في إيران وبناء على ذلك وتوقع الصندوق ان يتراجع النمو من ثلاثة في المئة في 2014 الى نحو صفر في المئة في هذا العام 2016، كما يتوقع البنك الدولي أن تسجل إيران أقل معدل نمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 0.9% لكل منهما في عام .
وبحسب تقرير البنك الدولي فإن بيئة ممارسة أنشطة الأعمال صعبة حيث جاءت إيران في المرتبة 130 من أصل 189 بلدا شملهم تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2015. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن إيران تحتل مرتبة متأخرة ولا تسبق سوى الجزائر وجيبوتي وليبيا وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.
وحسب دراسة لكلية وراتون للأعمال التجارية بمدينة فيلاديلفيا الأميركية، فإن الاقتصاد الإيراني يعاني من ارتفاع حجم البطالة التي تصل إلى ا البطالة (14%)، وتذهب تقديرات الحكومة إلى ضرورة توفير نحو 8.5 مليون فرصة عمل خلال العامين المقبلين، وذلك بغرض خفض معدلات البطالة إلى 7 % هذا العام. وربما تساهم الأموال التي ستتمكن إيران من فك تجميدها في إنشاء مشاريع جديدة، ولكنها ليست كافية لحل مشاكل البطالة في إيران.
اما على الصعيد السياسي فقد أدت التوترات السياسية والعسكرية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وتدخلات إيران في حروب المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر، يرفع من مخاطر الاستثمار في إيران، فقد ادت هذه التجاوزات الى عزل ايران عن دول الخليج العربي وقطع علاقات تجارية بمليارات الدولارات عل خلفية حرق السفارة السعودية في طهران .
ناهيك عن المشكل الداخلية و الصراعات السياسية بين الساسة الايرانيين والتي بلغت اوجها قبيل الانتخابات البرلمانية التي من المقرر ان تجرى في وقت لاحق هذا الشهر، وتم إرجاء مؤتمر نفطي في لندن وهي المرة الخامسة بسبب العقوبات. لكن في هذه المرة يبدو أن خلافات داخلية حول هيكل عقود استثمارات النفط والغاز منعت أي إعلان عن الشروط التجارية.
أن طريق عودة الاقتصاد الايراني إلى الأسواق العالمية لن تكون معبدة كما يصورها البعض بل ستكون تدريجية ،فالطريق طويل امام عودة الاقتصاد الايراني بشكل صحيح ،ويواجه أزمات اقتصادية محلية خطيرة، وهو ما يفرض على طهران وصانع القرار السياسي والاقتصادي اعادة النظر في بنية الاقتصاد ،وعدم اغفال دورها وسلوكها الخارجي العدائي والذي قد يزيد من معاناتها.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية