عام مضى تقريبًا، منذ توقيع الاتفاقية المؤقتة على البرنامج النووي الإيراني في تشرين الثاني 2013 بين إيران ودول الـ5+1 (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، ألمانيا).
بالرغم من التوقعات السابقة المتفائلة، لم تصل الأطراف لاتفاقية شاملة. الدبلوماسيون، كما يجب أن يكونوا، يحاولون رسم صورة أكثر إيجابية، بالنقل عن “تقدم” في المحادثات وقرار لاستمرار الحوار للوصول إلى اتفاقية بحلول ربيع أو صيف 2015. ولكن الحقيقة تظل: الآمال متقطعة؛ والمفاوضات فشلت، ولا أحد يعرف لمَ قد تنجح في المستقبل.
خلال هذه الأثناء، الكثير يعتمد على نتيجة هذه المفاوضات. بداية: نجاحها سيساعد على تجنب صراع في الخليج العربي، مبدوءة بضربات إسرائيلية على المعدات النووية الإيرانية، والتي قد تفاقم العنف الجماعي في سوريا والعراق.
بجانب ذلك، نظام التحفظ على التكاثر النووي العالمي في خطر؛ لأنه لا يبدو أنه سيصمد أمام جلسة أخرى في الوصول لاتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني، بعد الضربة التي تلقاها كنتيجة للشأن الإيراني الكوري الشمالي. عقد مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار القادم المفترض في في أيار/مايو 2015 قد ينتهي بفشل كامل. في النهاية، من المتوقع أن المواجهة في الخليج قد تضع روسيا والولايات المتحدة على أطراف مختفة من الصراع، وبالتالي المزيد من انقاسمهم حول أوكرانيا.
على السطح، الفشل الحالي يمكن تفسيره بقلة التقدم في عدة قضايا تقنية هامة، أساسًا في المقدار المسموح لقدرات برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني. في هذه النقطة، إيران لديها 19 ألف جهاز طرد مركزي، 10 آلاف منها جاهزة للعمل. المزاعم أن الولايات المتحدة مستعدة لقبول 1500، و4500 كتسوية، بحسب ما تم النقاش. بالنسبة لها، إيران تريد أن تستفيد من كل أجهزة الطرد المركزي، وهي مستعدة لتنصيب 50 ألفًا منها في المستقبل، لتغذية مفاعل بوشهر والمفاعلات النووية الأخرى.
أيضًا، السؤال عن كمية مخزونات اليورانيوم منخفض التخصيب المسموحة، بناء مفاعل آراك، وإغلاق منشأة فوردو للتخصيب تحت الأرض، كلها قضايا لا تزال عالقة. نشاط إيران النووي السابقي، وبرنامج الصواريخ، وعدد من القضايا لا يزال على الطاولة. الأطراف لا توافق على آلية رفع العقوبات كذلك، ففي حين تدعم طهران رفعًا من خطوة واحدة، معارضًا للرفع الجزئي المشروط بامتثالها للاتفاقية النووية.
كل التعقيد والأهمية للمشاكل التقنية جانبي، السبب الرئيس للتوقف له أصول مختلفة. بعد كل شيء، الاختلافات المحددة كانت حاضرة قبل عام، ولكن معظم السياسيين والخبراء حينها وافقوا على مساعٍ متفائلة للوصول إلى اتفاقية شاملة. الشيء الوحيد الذي تغير بشكل كبير منذ ذلك الحين هو الوضع السياسي في العالم. كما يبدو، لقد كانت تلك الحالة التي تركت أثرًا حاسمًا على مواقف الأطراف على طاولة المفاوضات، هكذا، فإن السبب الرئيس للفشل سياسي أكثر من كونه تقنيًا.
بداية، المشكلة هي موقف إيران الصلب. إيران تقدم مجددًا خططًا طموحة لتطوير صناعتها النووية، بما في ذلك تطوير إمكانية تخصيب عال لليورانيوم. كما يبدو، هذا التغير في الطرق مرتبط جزئيًا بمشاكل محلية: آية الله الخميني وداعموه يسعون لتجنب تقوية ضخمة للرئيس روحاني، الذي ترتبط سمعته بالوصول لتسوية في القضايا النووية وتطوير العلاقات بين إيران والغرب.
على كل حال، وضع الشؤون العالمية يلعب دورًا حاسمًا؛ النخبة الإيرانية الحاكمة تعتقد الآن أن الحالة أفضل كثيرًا بالنسبة لطهران مما كانت عليه قبل عام، لذلك يجب أن تطور بشكل واسع مطالبها خلال المفاوضات. أولًا: شركاء إيران في المفاوضات منقسمون الآن، بوجود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أمام معارضة حادة لورسيا (التي تملك دعمًا فاترًا من الصين). لنتذكر أن المفاوضات بداية كانت تستند إلى عقوبات أكبر في حالة رفضها، وبالعكس، فإن موافقاتها على حدود كبيرة لبرنامجها ونظام الشفافية الكامل سيؤدي لرفع حظر النفط وعقوبات أخرى. ولكن، المفاجأة أن الاندلاع المفاجئ للصراع الأوكراني بعد الاتفاق الانتقالي في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 بقليل، غير كل هذا.
أعضاء الـ5+1 بدأوا بفرض عقوبات اقتصادية على بعضهم البعض، أغلقوا معظم مشاريعهم التعاونية، دخلوا أكثر المواجهات العسكرية والسياسية حدية في العقود الماضية، ونفذوا تدريبات عسكرية موجهة ضد بعضهم البعض. بدلًا من كونهم شركاء في المفاوضات مع إيران، أصبحوا خصومًا.
في هذا الوقت، ينظر الغرب لروسيا كتهديد أكبر مما يعتبر إيران وبرنامجها النووي، هكذا، يجب أن تكون ظاهريًا أكثر اهتمامًا بنجاح المفاوضات لعدة أسباب. الصفقة مع طهران ستؤدي لتمهيد الطريق لتبادل النفط والغاز.
هذا سيؤدي لانخفاض أكبر في أسعار النفط العالمية، التي يعتمد عليها الاقتصاد الروسي. بجانب ذلك، إيران قادرة على استبدال روسيا كمصدر للنفط والغاز بأوروبا، والذي قد يحرم موسكو من أداة أساسية للتقدم في مصالحها في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. في الحقيقة، إيران ألمحت لشيء كهذا. أخيرًا، الاتفاق بين أمريكا وإيران سيقلل اعتماد إيران السياسي والاقتصادي على روسيا، وبالتالي تقويض كل من تأثير روسيا في المنطقة وموقفها وجهًا لوجه كدولة قادرة على التأثير في إيران.
بالنسبة لها، موسكو مهتمة الآن بتقوية العلاقات مع إيران أكثر من أي وقت مضى. بالطبع، روسيا لا تفسد المفاوضات، ولكن يعتقد أنها تتصرف بطريقة أكثر سلبية من قبل، عندما دعت إيران لقبول التنازلات. كهدف للعقوبات الاقتصادية ولضغط السياسي من جانب الغرب وحلفائه، ومواجهة بالانخفاض العالمي لأسعار النفط وانخفاض الروبل، تعتقد روسيا أنها يجب أن تساعد الغرب بتسوية خلافاته مع إيران. بعيدًا عن طاولة المفاوضات، روسيا تطور بإيجابية علاقاتها مع إيران: فهي تخطط لتبادل المنافع مقابل النفط الإيراني، وتعزز وصول إيران لمنظمة تعاون شنغهاي. وقعت كذلك عقدًا لتوقيع مفاعلين جديدين في إيران، وتخطط لإضافة ستة في المستقبل. (من باب الصدفة، خططها لإنشاء محطات طاقة نووية جديدة الآن يساعد إيران بتثبيت حاجتها لإمكانيات أكبر لتخصيب اليورانيوم).
هجوم الإسلاميين المتطرفين في سوريا والعراق أظهر عاملًا سياسيًا آخر. إيران موضوعيًا في جانب الغرب ومواجهتها للسنة المتطرفين. حتى الآن، لا تظهر أمريكا اهتمامها بالتعاون العسكري مع طهران، ولكن هذا قد يتغير إذا كانت الضربات ضد الدولة الإسلامية أثبتت فشلها وقل أثرها في المنطقة، خصوصًا بعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان.
بشكل مفهوم، تعتقد طهران أن كل هذه العوامل تطور موقفها التفاوضي. بالفعل، قد يبدو هذا استثنائيًا أن إيران لم تشدد موقفها، وبالتالي انسحابها التقليد الكلاسيكي بالمفاصلة الشرقية.
بشكل رئيس، المرحلة الأخيرة من المفاوضات الحالية تركزت بين الولايات المتحدة وإيران، مع لاعبين آخرين يراقبون. بالفعل، باراك أوباما لا يستطيع القيام بتنازلات كبيرة في سياق المعارضة الجمهورية القوية، مما يجعله يصر على عقوبات جديدة على طهران قبل نهاية المفاوضات. الرئيس الأمريكي مجبر كذلك على الأخذ بعين الاعتبار المعارضة السعودية والإسرائيلية بالتقدم بخطوات كبيرة نحو مطالب إيران. ولكن، إيران تريد أن تنتظر، معتقدة أن الوقت سيكون في صالحها، خصوصًا إذا نفذ الرفع الجزئي للعقوبات كما كان منصوصًا عليه في الاتفاقية الانتقالية.
بذلك، المساعي للوصول إلى تسوية شاملة في ربيع أو صيف 2015 لا يبدو واعدًا. النتيجة النهائية قد تكون صفقة بين الولايات المتحدة وإيران، أو فشلًا ذريعًا، مما يؤدي لحرب جديدة في الخليج، وهذا مما لا مفر منه عمليًا.
بالطبع هناك احتمال ثالث؛ في حالة اتفاق سلام، وحالة عدم تصاعد الأزمة الأوكرانية، على الأقل قد يحصل تعاون انتقائي بين أعضاء الـ5+1 (خصوصًا في ضوء مؤتمر مراجعة حظر الانتشار)، مما يؤدي لتليين واضح في موقف طهران في المفاوضات، ونجاحها الكامل.
يبدو هذا جيدًا جدًا حتى الآن، ولكن من يعلم؟ هذا كله مرتبط بالإرادة السياسية لروسيا، أمريكا، والدول الأخرى، واتخاذها مواقف أكثر مسؤولية للأمن العالمي. بعد كل شيء، أوكرانيا، بأهميتها، ليست هي القضية الحاسمة الوحيدة: تقوية نظام عدم التكثير العالم ومنع حربًا جديدة في الخليج تأتي بنفس الأهمية. النجاح في المفاوضات مع إيران وإنهاء كل أسباب المخاوف في برنامجها النووي، أمور أساسية لإنجاح هذه الأهداف.
كارنيجي – التقرير
http://goo.gl/YtjSDD