أدت الانتصارات العسكرية للجيش السوري والقوى الداعمة له، وبخاصة روسيا، إلى إحداث خلل في التوازنات العسكرية، وبالتالي السياسية.
أكثر الدول تأثراً بهذا الاختلال هي تركيا وبعض الدول الإقليمية التي كانت تدعم المعارضة المسلحة، لاسيما الإسلامية منها. فلم يعد سراً أن الحدود التركية السورية كانت المعبر الأهم لدخول المقاتلين العرب والسلاح والمال والدعم اللوجستي لهذه التنظيمات (بما فيها “داعش”) والتي كانت الكفة تميل لصالحها العام الماضي قبل التدخل الروسي، ضمن معادلة الحرب بالوكالة. التدخل الروسي غيّر المعادلة وبدأ النظام والمليشيات الداعمة له يستعيدون السيطرة على الكثير من المواقع الخاضعة للمعارضة المسلحة بأطيافها المختلفة، ما أدى، وبشكل متسارع، إلى شعور القوى الداعمة للمعارضة بأنها تخسر نفوذها تدريجياً في التأثير على الأحداث في سورية.
هذه هي الخلفية للدعوة المفاجئة للتدخل البري في سورية الذي تكون منه رأس الحربة تركيا، وضمن تحالف يضم دولاً إقليمية وعربية وإسلامية، تهدد بمحاربة “داعش” بشكل أساسي، وفي الجبهة الشمالية ضد القوات الكردية التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية. إذ بدأت تشهد تصعيداً عسكرياً وصل حد قصف المناطق التي تسيطر عليها القوى الكردية بسبب اقترابها من الحدود التركية، وإمكانية السيطرة عليها بالتحالف مع النظام السوري، وبالتالي قطع المعونات والدعم للمعارضة المسلحة المدعومة تركياً.
تعاني فكرة مشروع التدخل البري في سورية من مشكلات عدّة، تكمن أولاها في تحديد أهداف هذه الحملة. إذ إن الهدف المعلن هو محاربة “داعش”، لكن أحياناً نسمع بعض الأصوات التي قد تقود للاستنتاج بأن الهدف هو النظام السوري. وليست المشكلة هنا في تطور الأحداث وتوسعها، ولكن تكمن في مدى واقعيتها؛ لأن المتطلبات العسكرية والسياسية والمخاطر مختلفة لكل هدف من الأهداف.
ثانياً، أن القوى التي تدعم هذا الاتجاه تعوّل على المشاركة والقيادة الأميركية لحملة كهذه. وبالرغم من أن الولايات المتحدة تعتقد بأن هزيمة “داعش” لا يمكن أن تتم إلا بوجود “قوة عسكرية” على الأرض، إلا أنها ترفض إرسال جنود أميركيين لغزو المناطق التي يسيطر عليها “داعش”، وتركّز أكثر على عمليات القصف الجوي، والعمليات الخاصة، وتدريب المقاتلين المحليين، مثل الأكراد في العراق، والحكومة العراقية، والسكان السنّة إذا ما أخذنا معركة الرمادي نموذجاً.
حتى الآن، لم تصدر أي مواقف أميركية تفيد بعكس ذلك، لا بل إن الحكومة الأميركية أعلنت أنها لا تعتبر القوات الكردية في سورية إرهابية (كما تصنفها تركيا)، وطلبت فرنسا من الحكومة التركية وقف القصف للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية.
ثالثاً، يجب أن تنطوي هذه التحالفات الإقليمية أو حتى الدولية على قدر من المشاركة والديمقراطية في صنع القرار المرتبط بالأهداف التي يسعى لتحقيقها هذا التحالف أو أي تحالف آخر. بالطبع، من المتوقع أن تقف الدول الصديقة والشقيقة مع بعضها بعضا في مواجهة التحديات التي تمر بها وبخاصة ما يشكل خطراً لأمنها القومي، ومنها محاربة الإرهاب والتطرف، لكنّ أي أهداف أبعد من ذلك ستحتاج لمعالجة من نوع آخر، لأن كل دول المنطقة ليست بالدرجة نفسها من المنعة المالية والسياسية.
رابعاً، إن التدخل العسكري المباشر في حرب مسلحة في بلد آخر تترتب عليه اعتبارات مرتبطة بالقانون الدولي وسيادة الدولة نفسها. وفي الحالة السورية، ما تزال سورية عضواً في الأمم المتحدة وأي تدخل مباشر في شؤونها من دون تفويض أممي أو موافقتها نفسها سوف ينظر إليه وكأنه عدوان خارجي، ويضع هذه القوات في تحد مباشر لقوات النظام والقوات الروسية، وهو مايترتب عليه تبعات كبيره قد تؤدي لاندلاع حرب إقليمية/ دولية ستكون نتائجها مدمرة على المنطقة.
من الناحية العسكرية، وكانت هناك فرصة سانحة على المستوى العسكري للتدخل لصالح المعارضة المسلحة في الفترة التي سبقت التدخل الروسي، إذ كان النظام في أضعف حالاته، ولم يتم التدخل في حينها، لأن القوى الدولية لم تكن راغبة في ذلك واعتمدت القوى الإقليمية على المعارضة المسلحة التي كانت تدعمها؛ ولكن الفرصة تلاشت بعد ذلك لأن المبادرة المطروحة للتدخل في سورية لن تكون قادرة على قلب موازين القوى لصالح المعارضة، والاحتمال الأكبر في حالة التدخل البري هو السيطرة على مناطق تحت سيطرة “داعش” التي إما تقود لحرب مع النظام أو تكون بداية لتقسيم سورية على أسس طائفية وضمن تفاهمات دولية.
التدخل البري وسيناريو التقسيم في سورية
د. موسى شتيوي
صحيفة الغد الاردنية