انتهى دور «مجلس صيانة الدستور»، في شطب نحو ثلث المرشحين من المعتدلين والإصلاحيين للانتخابات التشريعية، وابرز المرشحين لانتخابات «مجلس الخبراء» ومنهم حسن أحمد الخميني، المرشد آية الله علي خامنئي، يريد «هندسة» الانتخابات بما ينسجم ويتوافق مع خططه لتوريث «جمهوريته» الى خليفة يثق به، وأن تكون مقدمة ذلك في انتخاب «مجلس شورى» يمكن أن يلعب دوراً مركزياً في إدارة إيران في المرحلة الانتقالية القادمة.
المرشد خامنئي، الذي لا يخفي دعمه للمتشددين وكرهه «لتوأمه اللدود» هاشمي رفسنجاني أخرج من عمامته «السلاح« الأخير، لتجييش الناخبين الذين عددهم نحو 53,5 مليون ناخب، «للاقتراع معززين اقتراعهم بالبصيرة بكثافة»، أما الهدف فهو «كسر تخطيط العدو الأميركي للهيمنة على إيران«. خامنئي أكد أن «مخطط العدو» تلخص في: «تشويه صورة مجلس صيانة الدستور (المصفاة) وإثارة الشكوك حول قراراته». الجديد ان خامنئي لم يذهب في اتهامه لمن ينفذ «مخطط العدو» «بالخيانة» وانما في «عدم الادراك». وهو فعل ذلك لأن الاتهام بالخيانة سيكون موجهاً الى «الترويكا» التي تضم رفسنجاني وروحاني وحسن الخميني». وهذا مستحيل لأنه سيعرض «الدولة» للمواجهة والخطر.
المرشد ليس وحيداً في معركته ضد جبهة «المعتدلين» من «الروحانيين والرفسنجانيين والاصلاحيين». قادة «الحرس الثوري» استخدموا «المذياع العسكري» و»استثمروا» توقيف الجنود الأميركيين ومن ثم الافراج عنهم لصب «الماء في طاحونة المرشد»، لتحقيق هدفين:
*تثبيت «العداء لأميركا» على أساس أن «الخطاب الثوري» وحده يشكل ضمانة شعبية لموقعهم ودورهم في الامساك بجزء من قرار الدولة، تبعاً للتعبير الشائع أن المرشد يقف وعلى «كتفيه« الحرس والمؤسسة الدينية. في الواقع أن تحت «عمامة» المرشد تركنا «كيبيه» الحرس.
*ان تضخيم حجم المواجهة مع أميركا يسمح لهم بعقد صفقات ضخمة من السلاح (من روسيا فقط نحو 7 مليارات وأكثر)، للحفاظ على قوة إيران وتطويرها مما يعوضهم عن خسارتهم امساك الانفاق على القطاع النووي بعد أن صار عملياً تحت إشراف الحكومة.
*يدرك جنرالات قيادة الحرس اقتراب «سكين» التقاعد للعديد منهم. لذلك يلاحظ أن الطامحين والمتنافسين على الخلافة يصعدون كثيراً من لهجة خطاباتهم الثورية وصوابية قراراتهم (خصوصاً في المواجهة البحرية الأخيرة) وصلابتهم (خصوصاً في قطاع التسليح الصاروخي).
تركيبة مجلس الخبراء حسب الدستور، تسمح عملياً في «ضبط» انتخاب أعضائه. المجلس يتشكل من 88 عضواً، والشروط المفروضة على المرشحين وأولها بأن يكون «فقيهاً»، سمحت كما كان الأمر دائماً في التخفيف من اعداد المرشحين. لذا 161 مرشحاً يتنافسون على 88 مقعداً. الطريف أن انتخابات هذا المجلس التي تتم كل ثماني سنوات لم تشهد في السابق منافسات حادة جداً، كما يجري حالياً.
*الأول يضم الأصوليين المتشددين بقيادة محمد مصباح يزدي الذي يوصف «بآية الله الطالباني» لشدة تشدده وطموحه بأن تكون إيران «إمارة» وليس جمهورية وان كان قد تراجع عن هذا التوجه واسترضى المرشد بعد أن قبَّلَ قدمِهِ وأمين «جمعية المدرسين» أو «التدريسيين» في «الحوزة» محمد يزدي وأمين مجلس الرقابة الدستورية أحمد جنتي.
*الثاني بقيادة رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» هاشمي رفسنجاني والرئيس حسن روحاني ووزير الاستخبارات محمود علوي، وكان قد استبعد السيد حسن أحمد الخميني بحجة عدم تقديمه امتحان الفقه. أما في الواقع لما يحمل اسمه من رمزية تاريخية وشعبية تساهم في رفع رصيد المعتدلين. الملاحظ أن «الرفسنجانيين» أطلقوا على لائحتهم اسم «حُماة الحكومة» سواء في انتخابات الخبراء أو النواب لدعم مواقعهم الشعبية.
يبقى الهدف الأول والأساس في «مجلس الخبراء»، التحضير لخلافة المرشد خامنئي سواء هذا العام أو بعد سنوات. «الطامحون» من «العلماء» كثيرون، أما القادرون على المنافسة فعددهم محدود.
من الواضح جداً ان الخطة «أ»، تقوم على استبعاد رفسنجاني من المنافسة بكل الوسائل، والعمل على حصرها في شخصية مقبولة من المرشد و»الحرس» معاً. من الصعب جداً الآن تحديد «الخليفة» علماً ان الرئيس روحاني من أعضاء «النادي». أسهم المرشحين تصعد وتهبط حسب المتغيرات والتحالفات لأن القوى اللاعبة ليست محصورة في «المرشد« و«الحرس«، وانما تتمدد الى المؤسسة الدينية والبازار، ولا شك أن صوت كل منهما راجح. حالياً تبدو أسهم آية الله صادق لاريجاني رئيس القضاء وشقيق علي لاريجاني هي العالية جداً.
يبقى مجلس الشورى. في البداية جرى شطب نصف المرشحين أي من أصل أكثر من 12 ألف مرشح، الأكثرية المطلقة من الذين سقطوا في «مصفاة» «مجلس صيانة الدستور«، من الاصلاحيين، ويبدو أن المرشد خامنئي شعر أو أدرك أن «تصفية» المرشحين بهذه الكثافة، تعني إسقاطاً متعمداً لأغلب أنصار «الاعتدال الروحاني»، وهذا لن يكون «رسالة» ايجابية للداخل والخارج، لذلك أعيد قبول عدد من المرشحين سواء كانوا معتدلين معروفين أو مستترين.
أما الاسباب التي دفعت خامنئي الى القبول بهذا التحول وفتح الباب أمام «فوز» المعتدلين، من المرجح أن يكون واضحاً وليس رمزياً.
*لا يجوز كسر مصداقية الرئيس حسن روحاني داخلياً وخارجياً، بعد نجاحه السياسي والديبلوماسي والاستراتيجي في عقد الاتفاق النووي. لا يمكن للمرشد ولغيره خصوصاً «الحرس»، سحب الثقة به من خلال استخدام غير مشروع للدستور، ولمؤسساته خصوصاً أن مجلس صيانة الدستور» موضع ملاحقة وتشكيك به وبدوره داخلياً وخارجياً وهو ما أشار إليه خامنئي نفسه.
*ان تياراً شعبياً واسعاً يتحرك تأييداً للرئيس روحاني على أمل تحقيق نهضة اقتصادياً ودخولاً ولو متدرجاً تحت «خيمة» الشرعية الدولية وشروط وقواعد العيش حسب قواعد العصر وعلومه وثقافته المنتشرة أصلاً عبر المواقع الاجتماعية الالكترونية ولأن جيل الشباب هو الأكثرية المطلقة من الشعب الايراني، فإنه لا يمكن كثيراً اللعب مع «تسونامي» شعبي شبابي وانعكاساته على الداخل في مرحلة تحيط بإيران البؤر المشتعلة.
*أن «جبهة المعتدلين وخصوصاً رفسنجاني منها، دعوا الى الاقتراع لهم بالملايين، لكي يضعوا «التكليف الشعبي» لهم في مواجهة «التكليف الرسمي» للآخرين، مما ينعكس إيجاباً على صياغة السياسة العامة وانتخاب المرشد القادم حتى لو لم تكن الأغلبية في مجلس الخبراء لصالحهم حالياً، فالأعضاء لا يمكنهم تجاهل «المزاج الشعبي« ولا «مقلديهم» إذا كانوا من العلماء.
أمام الإيرانيين أسبوع «حار« لتقرير مستقبل إيران في مرحلة يقول الجميع عنها انها «حساسة ومصيرية»، خصوصاً مع شعب اعتاد التقدم الى صناديق الاقتراع 35 مرة في 37 عاماً.
أسعد حيدر
*نقلا عن صحيفة “المستقبل” اللبنانية