لبنان يدفع ثمن مصادرة حزب الله لقراراته

لبنان يدفع ثمن مصادرة حزب الله لقراراته

حزب الله

قررت المملكة العربية السعودية إيقاف مساعداتها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، في خطوة مثيرة للانتباه تعكس مدى غضب الرياض من مسلك الدبلوماسية اللبنانية في تعاطيها مع ملفات المنطقة، والأهم تحويل حزب الله لبنان إلى منبر لكيل الهجمات ضدها.

وأكد مصدر سعودي مسؤول أن القرار جاء بسبب “المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين”.

وأوضح أن السعودية لطالما قدمت الدعم والمساندة للبنان، “لتقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة للاعتداءات السافرة على سفارة المملكة وقنصليتها في إيران، فضلا عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها ما يسمى حزب الله ضد المملكة، وما يمارسه من إرهاب بحق الأمة العربية والإسلامية”.

وأضاف المصدر المسؤول لوكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس” أنه في ظل هذه الحقائق فإن المملكة قامت بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يتناسب مع هذه المواقف، واتخذت قرارات منها إيقاف المساعدات المقررة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا وقدرها ثلاثة مليارات دولار أميركي، وإيقاف ما تبقى من المساعدة المقررة بمليار دولار أميركي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.

وكانت السعودية قد منحت في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز هبة تقدر بثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني تلتها هبة أخرى بمليار دولار، في خطوة من المملكة لتعزيز استقرار هذا البلد وتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة القائمة على حدوده مع سوريا التي تشهد حربا طاحنة منذ ما يزيد عن خمس سنوات.

وحصل الجيش اللبناني على دفعة من الأسلحة بمقتضى الاتفاق السعودي الفرنسي، فيما حصل لبنان أيضا على نصف المبلغ من هبة المليار دولار.

والدعم السعودي للبنان لم يقف عند الجانب المالي ومساندة المؤسسات الأمنية والعسكرية بل أيضا سجل على الصعيد السياسي على مدى عقود طويلة ولعل اتفاق الطائف الذي هو بمثابة دستور للبنان خير شاهد على ذلك.

والبنك الأهلي السعودي، هو أحد أكبر البنوك السعودية والمعتمد في معظم المعاملات الحكومية في لبنان.

ورأى محللون أن مثل هذا القرار ستعقبه المزيد من الإجراءات الأخرى، في ظل استمرار تجاوزات حزب الله وسيطرته على مفاصل القرار في هذا البلد.

وتجاوزات حزب الله لم تقف عند أعتاب التدخل العسكري في سوريا كما البحرين واليمن وما يعنيه ذلك من ارتدادات على لبنان، وتحوله إلى ناطق رسمي باسم إيران في المنطقة، بل تعدتها إلى التحكم في السياسة الخارجية اللبنانية عبر التحالف الاستراتيجي القائم بينه والتيار الوطني الحر الذي يملك حقيبة الخارجية ممثلا في جبران باسيل.

وقد امتنع باسيل الشهر الماضي عن التصويت على قرار يطالب إيران بـ “وقف دعم الميليشيات والأحزاب المسلحة داخل الدول العربية، واعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي العربي”، يأتي ذلك رغم تأكيد مجلس وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعه بالقاهرة على تضامنه “الكامل مع السعودية في مواجهة الأعمال العدائية والاستفزازات الإيرانية”.

وكان الاجتماع قد عُقد على خلفية الأزمة بين طهران والرياض، في أعقاب إعدام رجل الدين الشيعي السعودي، نمر باقر النمر، بتهمة “الإرهاب”، وما تبعه من “اعتداءات” استهدفت السفارة السعودية في طهران، والقنصلية التابعة لها في مدينة “مشهد” الإيرانية.

ورفضت الخارجية اللبنانية، الربط بين حزب الله اللبناني والإرهاب، وذلك في سياق تعليق جبران باسيل، على القرار المتضامن مع السعودية ضد الاعتداءات الإيرانية.

ويقول الخبير السعودي في الشؤون الإيرانية، محمد السلمي، إن بلاده تدرك “أن حزب الله لم يعد دولة داخل دولة، كما هو شائع، إنما هو من يتحكم بالقرار السياسي اللبناني، وهو يمثل ذراعا من أذرع تنفيذ السياسات الإيرانية الساعية لبناء حاضنة مؤهلة لتجسيد فكرة المشروع الفارسي في المنطقة العربية”.

وأضاف السلمي أن “الكلمة في نهاية المطاف بيد الشعب اللبناني، الذي يفترض أن يلعب دورا في وضع حدّ لانفراد حزب أو طيف بالسلطة، وتوجيه البلد وفق أيديولوجيا مستوردة ضارة بلبنان وشعبها”.

ويخشى المناوئون للأجندة الإيرانية في لبنان، أن تستغل طهران خطوات المملكة السعودية، والتي يمكن أن تعقبها إجراءات أخرى، لصالح تكريس نفوذها في هذا البلد، ومزيد عزله عن الساحة العربية.

وأعرب رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري عن تفهمه لقرار المملكة قائلا “وقف المساعدات المقررة للجيش اللبناني والقوى الأمنية جاء ردا على قرارات متهورة بخروج لبنان على الإجماع العربي، وتوظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور إقليمية”.

وأضاف “إنّ لبنان لا يمكن أن يجني من تلك السياسات، التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها رعناء، سوى ما نشهده من إجراءات تهدد في الصميم مصالح مئات الآلاف من اللبنانيين، الذين ينتشرون في مختلف البلدان العربية، ويشكلون طاقة اقتصادية واجتماعية”. وإيران التي رفعت عنها العقوبات الاقتصادية بعد الاتفاق النووي الإيراني سيكون من دواعي سرورها مثل هذه الخطوة السعودية لتقديم نفسها للبنانيين على أنها المنقذ للبنان ومؤسساته واقتصاده الذي بات في “حالة حرجة”، وفق ما صرح به الجمعة، رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام.

وكانت طهران قد عرضت العام الماضي دعم المؤسسة العسكرية في لبنان، إلا أن الحكومة أو بالأحرى أغلب وزرائها لم يتفاعلوا مع الخطوة الإيرانية.

وهناك لاعب آخر ينتظر هو الآخر الفرصة الملائمة لتثبيت أقدامه في لبنان وهو تركيا، التي سارع سفيرها شاطاي ألجييس الجمعة، للإعراب عن استعداد دولته لتزويد الجيش اللبناني بما يحتاجه من معدات وأسلحة.

وقال ألجييس الذي زار وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل إن تركيا جاهزة لتفعيل الاتفاقات المتعلقة بالتعاون العسكري بينها ولبنان. وأكد الحرص على تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في السنوات المقبلة.

صحيفة العرب اللندنية