وضع فريق من محللي الاستخبارات البريطانيين سيناريو مرعباً، والذي يطلق فيه إرهابيون سرباً من الطائرات الصغيرة من دون طيار (درونات) في هجوم على حدث رياضي كبير، مثل بطولة “سوبر بول”؛ حيث تطلق الطائرات عدداً من العبوات الناسفة على الحشود الحاضرة في الملعب.
وقال كريس أبوت، المدير التنفيذي للمؤسسة الفكرية التي تدعى “الإحاطة المفتوحة” لمجلة “ديلي بيست” في مقابلة حصرية: “إذا لم نتحرك لمنع ذلك، فإن حدوثه سيكون مسألة وقت فحسب”.
وتضم مجموعة أبوت، التي تصف نفسها بأنها “أول وكالة استخبارات للمجتمع المدني”، اختصاصيين عسكريين سابقين وناشطين سابقين في أجهزة الاستخبارات. وكان هؤلاء يتعقبون تطور الطائرات من دون طيار على مدى سنوات عدة.
وما يرونه الآن، هو تكنولوجيا رخيصة يمكن الوصول إليها بسهولة، والتي تناسب بشكل خاص الموارد والقدرات المحدودة للخلايا الإرهابية النائمة الصغيرة المتفرقة المعروفة بوجودها في أوروبا الغربية والولايات المتحدة -أو الذئاب الوحيدة من الإرهابيين الذين يتبعون عقيدة مجموعات “داعش” و”القاعدة”، مثل مهاجمي سان برناردينو.
ويعتقد الخبراء أن “داعش” أدرك مسبقاً الفرصة التي توفرها تقنية “الدرونات” الجاهزة للاستخدام في تخطيطه للهجمات على المدن الغربية.
ويقول أبوت: “يستخدم داعش الطائرات من دون طيار مسبقاً في العراق وسورية لجمع المعلومات الاستخبارية، وبنجاح كبير، من أجل التعرف إلى ساحة المعركة”.
ويضيف أبوت: “إنهم في منافسة مباشرة الآن مع القاعدة، وهم في حاجة ماسة إلى شن هجوم شامل يوقع ضحايا بأعداد كبيرة على أهداف غربية. وسوف ينطوي هجوم يُشن بسرب من الطائرات من دون طيار على حدث رياضي كبير على احتمالات إحداث نتائج كارثية”. (في هجمات باريس الجماعية، تم استهداف ملعب رياضي كبير حيث كان الرئيس الفرنسي يشاهد مباراة لكرة قدم، لكن أمن البوابات استطاع ردع الانتحاري الذي فجر نفسه في الخارج).
“لقد أثبت ناشطو داعش أنهم متطورون جداً عندما يتعلق الأمر بالدعاية. وسوف تكون الطائرات من دون طيار مزودة بكاميرات بحيث تستطيع تصوير الهجوم الحقيقي في وقت حدوثه، ونقله مباشرة إلى الإنترنت”. ويضيف: “سوف يكون لهذه الأشياء تأثير أبعد وأطول أمداً بكثير من رعب الحدث الحقيقي، تأثير بصري للغاية”.
ويشير أبوت إلى أن ما تدعى “الدولة الإسلامية” سبق وأن وزعت أشرطة فيديو تعرض تدريب الذين نفذوا الهجمات الإرهابية في باريس، وربما يتم التخطيط لهجمات بالطائرات من دون طيار في سورية أيضاً؛ حيث يتم تدريب قادة الخلايا على طرق حيازة هذه الطائرات واستخدامها.
وفي كانون الثاني (يناير)، نشرت مجموعة أبوت تقريراً، من خلال “مشروع التحكم عن بعد” ومقره لندن، والذي حللت فيه الترسانة الكبيرة من الطائرات الصغيرة من دون طيار المتوفرة الآن، وناقش التقرير إمكانيات هذه الطائرات بالنسبة للإرهابيين، وحث المشرعين البريطانيين على إجراء مراجعة طارئة وسريعة للخطوات التي يجب اتباعها لتوقع مثل تلك الهجمات وتهيئة الدفاعات ضدها.
ويقول أبوت: “الشيء الصعب في المسألة هو عدم وجود إجراءات مضادة مفردة يمكن أن تكون فعالة وحدها. ينبغي أن يكون لديك دفاع متعدد الطبقات، والذي يبدأ بتقنين وضبط وتسجيل ملكية الطائرات من دون طيار، وتكون فيه طبقة ثانية تحدد ملكية الدرونات الأكبر والأكثر قدرة، ثم تحتاج إلى نظام يمكن أن يحذر من الهجمات، وربما يقوم بالتشويش على القنوات التي يتم استخدامها للسيطرة على الطائرات، وامتلاك القدرة -كآخر خط للدفاع- على اعتراض هذه الطائرات وإسقاطها”.
“لسوء الطالع، إذا ترتب عليك أن تلجأ إلى إسقاطها (الدرونات) من الجو في بيئة مدينية أو في ملعب رياضي مزدحم، فإن خطر وقوع أضرار جانبية سيكون مرتفعاً للغاية”.
في الوقت نفسه، يعترف أبوت بأن المشرعين يواجهون معضلة: “هناك الكثير من الاستخدامات المشروعة للطائرات من دون طيار، وهي تخدم غايات مفيدة للغاية، بما فيها جهود البحث والإنقاذ؛ وأنت لا تريد أن تقتل الابتكار، ولا تريد وضع الكثير من القيود والمحددات بحيث يصبح من المستحيل استخدامها”.
في الولايات المتحدة (حيث بيعت نحو 700.000 طائرة من دون طيار في العام الماضي وحده)، أصبحت إدارة الطيران الاتحادية تطلب من مستخدمي الدرونات الترفيهية تسجيل بياناتهم الشخصية التفصيلية عندما يشترون طائرة، لكن التعليمات التي تغطي استخدام الطائرات التجارية التي تزن أكثر من 55 باونداً تم تأجيلها من أجل إجراء مزيد من المشاورات مع جماعات الضغط في الصناعة.
وفي بريطانيا، يدعو مشرعون إلى تطبيق ما يعرف باسم “الأسيجة الجغرافية” –حيث يتم تخصيص المواقع الحساسة، مثل المطارات والمباني الرسمية والموانئ ومحطات الطاقة النووية وشبكات الكهرباء، كمناطق حظر للطيران، وحيث يتم تزويد الدرونات كافة التي يتم تداولها ببرامج إقفال ذاتي تمنع الطائرة آلياً من دخول هذه المناطق.
مع ذلك، يعترف أبوت بأن مثل هذه البرامج يمكن تعطيلها بسهولة. ويقول: “إن أفضل دفاعاتنا، كما هو الحال دائماً، هي المعلومات الاستخبارية الموثوقة التي يمكن أن تمنع أي هجوم قبل محاولة تنفيذه”.
كان الطيران التجاري دائماً هدفاً رئيسياً للهجمات الإرهابية. ولكن، مع تحويل المطارات في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية إلى حصون، فإن العثور على أهداف ناعمة في الطيران أصبح أكثر صعوبة. ولذلك يخشى أبوت من أن تشكل الدرونات مثالاً آخر أيضاً على أن دفاعاتنا ضد الإرهاب ما تزال تعطي الأولوية للتهديدات السابقة بدلاً من إعادة تكييف هذه الدفاعات بحيث تتوقع التهديدات الجديدة تماماً قبل أن تصبح واقعاً قاتلاً.
ويشدد أبوت على مدى الفتك الذي يمكن أن تنطوي عليه الدرونات الصغيرة. ويقول: “تستطيع طائرة صغيرة استهلاكية للهواة أن تحمل ما يعادل قنبلة أنبوبية تحتوي على ما يعادل 5 إلى 10 كيلوغرامات من مادة (تي أن تي) المتفجرة، أو ما يعادل سترة انتحارية تضم ما يتراوح بين 4 إلى 10 كيلوغرامات من (التي أن تي)، أو ما يعادل تأثير العبوات الناسفة البدائية التي تستخدم منذ سنوات في العراق وأفغانستان. وسوف يعادل هجوم شامل يُشن بالدرونات تأثير عدة مفجرين انتحاريين يتم إطلاقهم على هدف واحد في الوقت نفسه”.
من ناحية أخرى، يمكن أن تخلف طائرة واحدة من دون طيار، والتي يتم توجيهها إلى هدف واحد عالي القيمة -مثل زعيم سياسي- عواقب وخيمة. وهناك سوابق تبين هشاشتنا أمام مثل هذه الهجمات.
في العام 2013، هبطت طائرة صغيرة من دون طيار تحمل كاميرا مباشرة أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بينما كانت تخاطباً تجمعاً في دريسدن. وكان الذي أطلق تلك الطائرة هو حزب القراصنة الألماني، كجزء من احتجاج على تقنيات المراقبة الحكومية. وفي نيسان (أبريل) الماضي، حطت طائرة صغيرة من دون طيار تحمل عينة من الرمال المشعة من محطة فوكوشيما النووية على سطح مكتب رئيس الوزراء الياباني في طوكيو.
ولو أن أياً من هاتين الطائرتين كانت مسلحة، فإن أخبارها لم تكن ستتلاشي بهذه السهولة من العناوين الرئيسية في العالم.
ويوضح أبوت أنه سيكون من الصغب اعتراض هجمات معدة بعناية ومستهدفة من هذا النوع. ويقول: “كل ما نستطيع فعله في هذه اللحظة هو وضع عقبات تزداد تطوراً في طريق هذه الهجمات بحيث تصبح أقل احتمالاً للنجاح باطراد”.
بالإضافة إلى محاولة اغتيال قادتنا السياسيين، فإن الدرونات الصغيرة نسبياً تستطيع أن تحمل شحنات أخرى من وسائل الإرهاب الشامل والجماعي، مثل الأسلحة الكيميائية والسموم التي يمكن أن تعمل، مثلاً، على تلويث إمدادات المياه. كما يشير أبوت أيضاً أن الدرونات يمكنها أن تقوم بإيصال “قنبلة قذرة” نشطة إشعاعياً.
ويضيف أبوت: “سيكون التأثير التدميري المباشر محدوداً، لكن الآثار النفسية والاقتصادية يمكن أن تكون هائلة”.
ولكن، وحتى لو استطاع نظام دفاعي معين تعطيل التوجيهات التي يوفرها نظام تحديد الموقع الجغرافي في الطائرة من دون طيار، فقد أصبح بوسع الإرهابيين اليوم امتلاك الوسائل لإرسال الطائرة من دون طيار من مسافة بعيدة مثل صاروخ كروز، في مسار محدد سلفاً إلى الهدف.
ويقول أبوت: “يمكنك أن تحصل على هذه الأنظمة بثمن رخيص تماماً الآن، بحيث يمكن استخدام أجهزة الإشعار والملاحة الذاتية لإعداد طائرة مبرمجة سلفاً ومزودة بتعقب نقاط على الطريق وبقدرة على التقدير الذاتي للمسافة والوقت بناء على الموقع السابق -وهو مثال على قدرات متاحة لم يكن بالوسع مجرد تخيلها قبل خمس سنوات”.
ذكرني ذلك في الحقيقة بمحاولة الجيش الجمهوري الأيرلندي ضرب مقر الحكومة البريطانية (10 داوننغ ستريت) في العام 1991، بينما كانت وزارة الحرب البريطانية التي يقودها رئيس الوزراء جون ميجور مجتمعة هناك. وأطلق الجيش الجمهوري الأيرلندي في ذلك اليوم عدة قذائف مورتر من شاحنة تقف في شارع مجاور، وهبطت إحداها في حديقة داوننغ ستريت، على بعد ياردات فقط من مكان الاجتماع. ولم يُصب أحد من الساسة، لكن أربعة آخرين -بمن فيهم ضباط شرطة- أصيبوا في الحادثة.
ووافق أبوت على أن تقنيات الدرونات الحالية ستضمن، إذا تم إهمال مواجهة خطرها، أن يكون هجوم مثل هذا الهجوم على رئيس دولة وحكومته أكثر دقة وفتكاً بكثير.
وهكذا، تحوَّل ما بدأ كتقنية عالية الكلفة وعسكرية حصرياً إلى شيء اشتهلاكي. وفيما ينطوي على مفارقة، بينما نستمر نحن في استخدام الدرونات العسكرية في عمليات الاغتيال المستهدف للإرهابيين، فقد أصبح الإرهابيون الآن في وضع يؤهلهم لإعادة توجيه التقنية نفسها ضدنا نحن -ولو بشكل مرتجل وأقل منهجية، وإنما ليس أقل تهديداً مع ذلك.
لمواجهة هجمات الدرونات بنجاح، يلخص أبوت الخطوات اللازمة بعبارة “الإحباط أو الفشل”. ويقول أن “داعش” سيحتاج إلى تدريب قادة الخلايا بحيث يصبحون على مستوى عالٍ من الكفاءة للتعامل مع إطلاق الدرونات، وستكون أفضل فرصة لإحباط هجوم هي عندما تلتقط وكالات الاستخبارات حركة هؤلاء الأفراد خلال الطريق إلى حيازة الدرونات والتحضير والتدريب على شن هجوم.
ويضيف أبوت: “عند هذه النقطة، هذا أفضل أمل لدينا. أما ثاني أفضل أمل فهو أن يخفق الهجوم خلال تنفيذه، بسبب محدوديات الدرونات أو الطيار الذي يحركها، أو لأن دفاعاتنا الإيجابية أو السلبية تمكنت من إسقاط الطائرة”.
وإذا لم يحدث ذلك..؟
هناك صورة تستحضرها رواية توماس هاريس التي نشرت في العام 1975، “يوم الأحد الأسود” (والتي أصبحت فيلماً)؛ حيث تطلق إحدى المنظمات، بمساعدة فني مجنون، منطاداً في اتجاه ملعب تولين في نيو أورليانز خلال مباراة “السوبر بول”، محملاً بربع مليون من السهام الصلبة من أجل إطلاقها على المتفرجين.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية