اياد العناز
لا يزال النظام الإيراني متمسكًا بعقيدة الدفاع البعيد عن حدوده الجغرافية، ونقل آثار أزماته الداخلية إلى عواصم وبلدان تتمتع فيها أدواته وشركاؤه بتأثير ميداني ملحوظ، في محاولة منه لتخفيف الضغط الشعبي والرفض الجماهيري لطبيعة إدارته للأزمات التي يمر بها المجتمع الإيراني، ورغم الهزيمة الكبرى والانكسار النفسي الذي تعرض له المشروع السياسي الإيراني الإقليمي، إلا أن قيادات فيلق القدس والحرس الثوري متمسكة بأهدافها وغاياتها في التوسع والتمدد والتعامل مع الأحداث التي طرأت على حزب الله في الجنوب اللبناني، وما وصل إليه المشهد السياسي السوري من إسقاط نظام الأسد وفراره إلى روسيا، بفائض من الثقة عبر الحديث الذي يتداوله المرشد الأعلى علي خامنئي عن قوة وإمكانية محور المقاومة، دون أن يشير إلى الأخطار والصعاب التي مرت عليه وأفقدته القدرة على مواجهة التحديات والمواجهات في الميدان الذي تواجد فيه، والذي مثلته الساحتان اللبنانية والسورية، والتي ما لبث أن أعلن أنه لا يمتلك أي وكلاء وشركاء له في المنطقة أو قوات رديفة له.
أن إيران بدأت تخشى مغادرة تأثيرها الإقليمي وانعزالها دوليًا، وعدم عودتها مرة أخرى إلى الميدان السوري ومشاركتها في أي تغيير أو تحرك سياسي دبلوماسي تجاه الوضع القائم في دمشق، فهي حريصة على العودة حيث مصالحها الاستراتيجية واستثماراتها الاقتصادية، ولكنها ترى أن ما أعلنته الإدارة الأمريكية الجديدة، وبعد تولي الرئيس دونالد ترامب، باعتماد سياسة الضغط الأقصى تجاه حركتها ومشروعها وقدرتها على الاستمرار في برنامجها النووي، وقطع الطريق أمامها وإيقاف أي توجه يهدد أمن وسلامة الشرق الأوسط والوطن العربي، مما يعني إبعادها عن دائرة التأثير الإقليمي وإبقائها ضمن مساحة معينة تحت المراقبة في علاقتها مع دول العالم، ومنعها من أي محاولة لإثارة الشغب والفوضى في بعض العواصم العربية.
وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية تصميمها التام على تنفيذ سياستها تجاه إيران، وهي تنتظر تغييرًا جوهريًا وموقفًا صريحًا من قبل القيادة الإيرانية في تقديم التنازلات والتعاون في مجال الحد من تخصيب اليورانيوم، وخزن أجهزة الطرد المركزي التي تساهم في إنتاج القنبلة الذرية، وعليها أن تقبل بأي مفاوضات وإملاءات تحد من طبيعة مشروعها السياسي، وإلا فإن الأخطار التي ستواجهها كبيرة في استهداف المنشآت العسكرية والاقتصادية والمواقع الرئيسية للبنية التحتية للنظام.
وكان للمعلومات التي أُعلنت عن مركز (شاهرود للفضاء)، والذي يعتقد أنه يعمل بإشراف الحرس الثوري لتطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، عن إنتاج إيران لصاروخ (قائم-100) الذي يمكن استخدامه لإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء، وبإمكانه العمل كصاروخ باليستي يصل مداه إلى 1400 ميل، ويعمل خبراء في الوكالة الوطنية الإيرانية النووية على تطوير رأس نووي لصاروخ قائم-100 يعمل بالوقود ويصل مداه إلى 3000 كم مع منصة إطلاق متنقلة، وهناك ميناء (الإمام الخميني الفضائي) في مدينة سمنان شمال إيران، والذي أطلقت منه إيران أثقل صاروخ فضائي بوزن 660 رطلًا، ساهمت هذه المعلومات في تعزيز سياسة الضغط الأقصى تجاه إيران من قبل الإدارة الأمريكية.
وأمام هذه المعطيات الميدانية، أطلق محمد جواد ظريف، مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، مبادرة (المودة لدول غرب آسيا)، والتي جاءت بعد سقوط نظام بشار الأسد، والتي يدعو فيها جميع الدول الإسلامية في منطقة الخليج العربي والأردن ومصر والعراق واليمن وتركيا وإيران للمشاركة في مفاوضات شاملة وبمشاركة منظمة الأمم المتحدة، مؤكدًا فيها على بناء شراكات تعزز التعايش السلمي والتكامل الاقتصادي والتجاري والبحري، وتسوية الخلافات الإقليمية، وتنطلق من القواعد الرئيسية التي بناها الرئيس مسعود بزشكيان أثناء حملته الانتخابية في الترشيح للرئاسة الإيرانية، وترى إيران في هذه المبادرة تعويضًا لها عن فقدانها حليفًا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة، بخروج الأسد وسقوط نظامه، والتدهور والانكسار الذي أصاب القيادات الفاعلة في حزب الله اللبناني درّة المشروع السياسي الإيراني.
وسيبقى الملف الإيراني من أهم الملفات التي تعتمد في أي مباحثات أمريكية-إسرائيلية، لطبيعة العلاقة المميزة بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكذلك العلاقة التي تربط ترامب بالتحالف العربي، مما يتيح الفرص السياسية للتركيز على أهم الملفات التي تهدد أمن وسلامة المنطقة.
وسبق للخارجية الأمريكية أن أعلنت في تقريرها السنوي لعام 2024 بأن (إيران الدولة الرائدة عالميًا برعاية الإرهاب، حيث تواصل دعم مجموعات مسلحة في مختلف بلدان العالم)، وأن القوات الأمريكية في العراق وسوريا قد تعرضت لهجمات متكررة بطائرات مسيرة من قبل أذرع إيران بهدف إجبارها على الانسحاب.
لم يعد لطهران إلا أن تسعى للحفاظ على نظامها السياسي، والنأي بنفسها عن أي تدخل في شؤون الآخرين، ووقف حركتها وعلاقتها مع أدواتها وشركائها المساهمين في تنفيذ مشروعها الإقليمي، وعليها مغادرة عقيدتها الدفاعية القائمة على الدفاع المتقدم، بخلق أدوات وحلفاء يحققون أهدافها وينفذون توجهاتها، والعمل ضمن دائرة العمق الاستراتيجي الداخلي، وأن عليها التعامل الجدي مع الإصرار الأمريكي الخاص ببرنامجها النووي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة