معمر فيصل خولي
تقرأ وتسمع وتشاهد في التحليلات السياسية العربية والغربية أحيانا خاصة عندما يعاد السؤال: لماذا تأخر قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967م؟
يكاد يكون الجواب لدى تلك التحليلات جاهزا ولا يحتاج إلى الكثير من التفكير والتأمل، وترى تلك التحليلات أن تأخر قيامها يعود إلى “السبب الرئيس” والمتمثل في الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني.
لا أحد ينكر أن الانقسام أمر غير مقبول به فلسطينيا وأنه حالة غير صحية وطنيًا، لكن من الصعوبة بمكان القبول برأي تلك التحليلات بأن الانقسام هو السبب الرئيس، نعم قد يكون سببًا في تمزيق النضال الفلسطيني لكنه ليس السبب الرئيس في عدم قيام الدولة الفلسطينية، والشواهد التاريخية والمعاصرة دليل على ذلك.
أما عن الشواهد التاريخية، عندما أصدرت بريطانيا قرارها المشؤوم وهنا اتحدث عن وعد بلفور في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917م، والمتمثل في منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، نظر هذا القرار إلى الفلسطينيين أصحاب الأرض والذي بلغ عددهم آنذاك أكثر من 700 ألف نسمة، على أنهم “الجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين”!. وفي 24 يوليو/ تموز 1922م صادقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي جاء منسجمًا مع قرار وعد بلفور، حيث امتنع قرار الانتداب عن الإشارة إلى الفلسطينيين كشعب أو ذكر حقهم في تقرير المصير وكان يشار إليهم على أنهم “الجماعات غير اليهودية” بينما اليهود في ذلك التاريخ لم تتجاوز نسبتهم أكثر من 10 بالمئة في فلسطين التاريخية ومع ذلك، وبناء على قرار الانتداب حصلوا على مكانة متميزة للوصول إلى هدفهم المنشود في قيام الدولة اليهودية ومحو الهوية الفلسطينية.
وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمير 1947م، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ويهودية. واللافت في هذا القرار أنه لم يشر بصريح العبارة إلى قيام دولة فلسطينية وإنما دولة عربية، وعدم الإشارة إلى ذلك كان عملًا مدروسًا بعناية من قبل بريطانيا، فهي والحركة الصهيونية كانتا لا ترغبان في قيام دولة فلسطينية مجاورة للدولة اليهودية من شأنها أن تهدد وجودها، وهي أي بريطانيا مع ضم ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى أي دولة عربية مجاورة شريطة أن تكون تلك الدولة حليفة لها.
أما عن الشواهد المعاصرة في 13 أيلول/ سبتمبر 1993م، اتخذ ياسر عرفات ” رحمه الله” قرارًا لا يجرؤ أي شخصية سياسية فلسطينية أو فصيل سياسي على اتخاذه، وهو الاعتراف بدولة إسرائيل من أجل الوصول إلى قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، ويتم التوصل إليها في غضون خمس سنوات، وفي 11 يوليو / تموز 2000م، عقدت مباحثات كامب ديفيد الثانية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع وجود الامريكيين، الذين مارسوا مع الإسرائيليين ضغوطا شديدة كي يقبل الوفد الفلسطيني برئاسة ياسر عرفات تقاسم المسجد الأقصى مع الإسرائيليين وهذا ما رفضه الفلسطينيون.
في تلك المرحلة ما بين عامي 1993م- 2000م، لم يكن هناك انقسامًا جغرافيا فلسطينيًا ومع ذلك لم تقم الدولة الفلسطينية، وبعد فشل كامب ديفيد بدأ الأمريكيون والإسرائيليون معاداة ياسر عرفات تمهيدًا للمشهد الختامي له. وفي 28 أذار / مارس 2002م، وافقت القمة العربية المنعقدة في بيروت على مبادرة المملكة العربية السعودية القائمة على أساس ” الأرض مقابل السلام” لكن ماذا كان الرد الإسرائيلي عليها، اجتياح مخيم جنين، وتضييق الخناق أكثر على ياسر عرفات الذي أعطى إسرائيل أهم اعتراف في التاريخ المعاصر!.
الفلسطينيون لم يكونوا منقسمين حينها، فلماذا أيضًا لم تقم الدولة الفلسطينية؟! ومن أجل فهم طبيعة من تفاوضه يطرح في هذا السياق السؤال التالي: أيهما أسهل جغرافيًا على الإسرائيليين التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين أم السوريين؟ بالتأكيد مع السوريين فمن أجل التوصل إلى سلام مع سوريا، فما على إسرائيل سوى الانسحاب من الجولان وإعادة ترسيم الحدود التي تمكن السوريين من الوصول إلى بحيرة طبريا.
ومع ذلك رفض الإسرائيليون التخلي عنهما، وفضلوا الاعتبارات الاستراتيجية الأمنية في الاحتفاظ بالجولان وبحيرة طبريا على التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا. هل كانت سوريا منقسمة في حينها لتحول دون اتمام ذلك الاتفاق؟!
نعم، الانقسام الفلسطيني الحالي توظفه إسرائيل بما يخدم مصالحها، ويضر بالوحدة الفلسطينية ويجب معالجته وطنيًا لأنه يشكل هاجسًا مدمرًا للقضية الفلسطينية، لكن في هناك حقيقة ساطعة أن إسرائيل لن تقبل قيام دولة فلسطينية على أي شبر من أرض فلسطين التاريخية، لقناعتهم الراسخة المتجددة” الاستراتيجية الإسرائيلية والصهيونية العالمية ” بأن قيامها يعني مع مرور الوقت نهاية دولة إسرائيل.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية