الوساطة الروسية الأهداف والنتائج

الوساطة الروسية الأهداف والنتائج

اياد العناز 

أتت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 25شباط 2025 إلى العاصمة الإيرانية ( طهران) لتلقي الضوء على مستقبل العلاقات بين البلدين ولتعطي ابعادًا ميدانية حول الدور الروسي القادم في منطقة الشرق الأوسط بعد اللقاء المشترك الذي تم بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في الرياض ونظيره الروسي سيرغي لافروف في الاجتماع الذي ناقش عودة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية.
إن أهمية الزيارة تكمن في أنها جاءت في اعقاب سياسة الضغط الأقصى التي أعلنتها إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، والتطور السياسي الذي اعقب الانفتاح الدبلوماسي بين واشنطن وموسكو، وهو الحدث الذي من الممكن أن يكون له انعكاسات مستقبلية على العلاقات الروسية الإيرانية، بعد أن وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بعد توقيع الاتفاقية الجديدة بين الدولتين في موسكو في 17 كانون الثاني 2025.
وحاول الوزير الروسي لافروف تطمين الإيرانيين أن مستوى العلاقات بينهما سيستمر وبآفاق جديدة عبر تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي الذي يحقق المنفعة المتبادلة في سياق تنفيذ المشاريع المشتركة الرئيسة في قطاعي الطاقة والنقل.
ولكن يبقى موضوع الملف الخاص بالبرنامج النووي الإيراني من أهم البنود التي تم مناقشتها بين وزير الخارجية الروسي لافروف والإيراني عباس عراقجي، إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك وما آلت إليه الأوضاع السياسية والميدانية في القوقاز واليمن وسوريا والأراضي الفلسطينية.
اخذت الزيارة اهتمامًا ملحوظًا من قبل القيادة الإيرانية التي بدأت تخشى من تطور العلاقات الأمريكية الروسية، وهذا ما لاحظه المسؤولون الروس وبسببه قدم الوزير لافروف شرحًا مفصلًا عن محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي، والتي نرى أنها تتعلق بالمبادرة السياسية والشروط الأمريكية تجاه إيران بخصوص برنامجها النووي وسعى موسكو للعب دور حاسم في توسيع دائرة التفاهم وإبعاد حدة الخلاف بين واشنطن وطهران، مع إبقاءها كعامل مهم في أي مفاوضات وتسويات قادمة ليس على مستوى العلاقة مع إيران بل على جميع المتغيرات المستقبلية في الشرق الاوسط والوطن العربي.
تحاول روسيا أن تضع الأمور في موازينها الدقيقة وإبعاد النظرة الإيرانية التي قد ترى في التحرك الروسي صفقة سياسية على حساب استراتيجيتها المتعلقة ببرامجها التسليحية وان تكون جسرًا تستطيع فيه موسكو من المرور عليه باتجاه حل أزمتها مع أوكرانيا عبر الحوار الأمريكي الذي يقوده الرئيس ترامب وادارته الجديدة.
تسعى روسيا إلى توضيح الموقف الأمريكي تجاه إيران بضرورة تحديد سلوكها السياسي ومنهجها الميداني في علاقتها الإقليمية والاخذ بالنظر التطورات الميدانية التي تعيشها المنطقة والعودة إلى سياسة التهدئة والحوار والابتعاد عن مظاهر إظهار القوة والتعنت في التعامل مع المبادرات الدولية والإقليمية.
حالة الخلاف والصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني في العديد من المسائل التي تهم مستقبل وبقاء النظام، تبقى هي العامل الرئيس في كيفية التعامل مع الوساطة الروسية والمطالب الأمريكية، وإعادة بلورة المواقف الإيرانية بصيغ جديدة وبآفاق مستقبلية جادة اذا ما أرادت الابتعاد عن أي أزمات سياسية تهدد وجود النظام والعمل باتجاه تحقيق المصالح العليا لها وجعلها طريقًا سليمًا لحل جميع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني.
على إيران استثمار الفرص السياسية وتحويلها لمكاسب ومنافع تخصها وهي السياسة التي تتمسك بها في أي متغير أو تحرك إقليمي ودولي، وهي تدرك أن الإدارة الأمريكية جادة بل ماضية بشكل كبير في تنفيذ آليات الضغط الأقصى وعليها العودة إلى الطريق السليم الذي يوصلها إلى المجال الارحب والمساحة الأوسع التي تعيد لها دورها ومكانتها الإقليمية، وهو ما يتوافق والمصالح العليا للقيادة الروسية التي ترى في إيران حليفًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه.
هناك ثلاث أبعاد مهمة يمكن أن تسرع في الوساطة الروسية أو تهدد العلاقة بين موسكو وطهران، فأما ان تذهب إيران بمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر الوساطة الروسية وتقلل من الضغط الأمريكي عليها والتعامل معها بشكل واضح وصريح، وأما عليها الاستعداد لمواجهة قادمة مع واشنطن وحليفتها إسرائيل، وهو ما تحاول موسكو إبعاد شبح المواجهة بينهما وهي تمثل مصلحة ومنفعة سياسية روسية لتهدئة الأوضاع وتحقيق أهدافها في حل نزاعها مع أوكرانيا،
مع استبعاد الضغوط الأمريكية على الجانب الروسي في ربط وساطته مع إيران ونجاحها بما يمكن التوصل إليه من تطورات في الموقف الأمريكي من الرئاسة الأوكرانية ومواقفها من إيقاف القتال وحل النزاع القائم بين كييف وروسيا

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة