دعوة أوجلان واستقرار العراق

دعوة أوجلان واستقرار العراق

بعد الدعوة التاريخية التي  وجّهها ” آبو” لقب عبد الله أوجلان من معتقله في جزيرة ” إيمرلي” التركية يوم الخميس الفائت،  في حل حزب العمال الكوردستاني وإلقاء السلاح، وما قابل هذه الدعوة من ترحيب تركي وعربي وإقليمي ودولي بها، أعلن حزب العمال الكردستاني اليوم -السبت- وقف إطلاق النار مع تركيا. وقد تكون هذه الدعوة والإعلان بداية النهاية لصراع دموي استمر لعقود بين الدولة التركية وحزب العمال الكوردستاني.

وفي أول تعليق من الحزب على دعوة زعيمه التاريخي، قالت اللجنة التنفيذية “من أجل تحقيق والمضي قدماً في دعوة القائد “آبو” المتمثلة في السلام والمجتمع الديمقراطي، إننا نعلن وقفا لإطلاق النار اعتبارا من اليوم”، وذلك في بيان نقلته وكالة فرات للأنباء (ايه إن أف) المؤيدة للحزب.

وأضافت “نتفق مع مضمون الدعوة المذكورة بشكل مباشر ونعلن أننا سنلتزم بمتطلّبات الدعوة وننفّذها من جانبنا وسنلتزم بمتطلبات الدعوة وننفذها من جانبنا، ولكن مع ذلك، لا بدَّ من ضمان تحقيق الظروف السياسية الديمقراطية والأرضية القانونية أيضاً لضمان النجاح”. ولن تقوم أيّ من قواتنا بتنفيذ عمليات مسلحة، ما لم تُشن الهجمات ضدنا، كما أن تحقيق قضايا مثل وضع السلاح، لا يمكن أن تتم إلا بالقيادة العملية للقائد آبو”.

عراقيًا، رحبت وزارته الخارجية بدعوة عبدالله أوجلان، واعتبرت هذه الخطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في البيئة الإقليمية . وقالت الوزارة في بيان أنها ترى في هذه المبادرة “خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق، حيث تتواجد عناصر مسلحة للحزب المذكور في مناطق مختلفة في كردستان العراق وبعض القصبات والمدن الأخرى، بل في المنطقة بأسرها”.

أما إقليم كوردستان العراق،  فقد أعرب زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزانيأن تكون دعوة عبدالله أوجلان للسلام، “بداية لوضع العملية السلمية في مسارها”، وهذا الترحيب أيضًا انسحب على كل من رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ما تأثير دعوة أوجلان وإعلان الحزب على العراق؟

مما لا شك فيه أن دعوة أوجلان واستجابه حزبه لدعوته في ايجاد حل سلمي للمسألة الكوردية في تركيا، لا بعتبر فقط مكسبًا للدولة التركية، بل هي فرصة أيضَا للعراق في توظيف هذا التطور الاستراتيجي بما يخدم مصالحه العليا، فالتجاور الجغرافي بين تركيا والعراق، كان سببًا مباشرًا في تحمل الأخير تبعات صراع الدولة التركية ضد حزب العمال الكوردستاني والتورط فيه لاسيما في مرحلة ما بعد عام 2003م، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تكبدها العراق طيلة سنوات ذلك الصراع.

أما عن المكاسب الاستراتيجية التي من الممكن أن يجنيها العراق إذا تحقق ذلك السلام المنشود والمصالحة التاريخية في تركيا، فمن الناحية الأمنية سيتمكن العراق في بسط  سيادته على تلك الأراضي التي كان حزب العمال الكودستاني يسيطر علبها في شمالي العراق، ومن الناحية السياسية وخاصة إذا توفرت الإرادة السياسية، فمن شأن العراق أن ينوع من شركاته مع دول الجوار ولا سيما تركيا التي أصبحت من الدول المؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي، ويعني السلام المنشود في تركيا بداية جدبدة في العلاقات السياسية بين تركبا والعراق إذ كان حزب العمال الكوردستاني سببًا في الأزمات السياسية التي وقعت بينهما.

أما على المستوى الاقتصادي، وفي حالة تحقيق السلام في الدولة التركية سيكون العراق من أكثر المستفيدين اقتصاديًا، فهذا السلام المنشود يخدم بما لا يقطع مجالا للشك المصالح الاقتصادية بين العراق وتركيا وفي مقدمة تلك المصالح مشروع طريق التنمية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر، هذا الطريق الذي يربط مياه الخليج العربي بالأراضي التركية عبر الأراضي في شمالي العراق الذي تسيطر عليه حزب العمال الكوردستاني.

خلاصة القول ما نرجوه أن تكون استجابة حزب العمال الكوردستاني لدعوة زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان استجابة حقيقية وليست تكتيكية، فالتوصل إلى تسوية تاريخية طال انتظارها منذ عقود بين تركيا ومواطنيها الأكراد يعد مكسبًا إستراتيجيًا ليس لهما فقط، وإنما تمتد تلك المكاسب أيضًا للبيئة الإقليمية بشكل عام ودول الجوار التركي بشكل خاص وفي مقدمتهم العراق.

وحدة الدراسات التركية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية