لندع تعريفات مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب، أو أي مؤسسة رسمية عربية أخرى، لأي ظاهرة في العالم العربي، وضمنها لـ”حزب الله”، وذلك لأسباب كثيرة، ضمنها أنها تنطوي على تحيّزات سلطوية، وأنها تأتي لمجرد المناسبات والاستهلاك. وهذا يفيد، أيضا، في التذكير بأن تعريف المجلسيْن لحزب الله، كمنظمة إرهابية، جاء متأخرا جدا، وأنه لم يلاحظ انخراط هذا الحزب في الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد ضد السوريين، وضد حقهم في الحرية والكرامة في بلدهم، منذ سنوات عديدة.
مع ذلك لنتجاوز التعريف بالإرهاب، وهو تعريف بات ملتبسا، ويخضع لتوظيفات سياسية ولحظية، فما هو تعريف “حزب الله” حقا، بأفكاره ومرجعياته وبنيته وعلاقاته وشكل عمله؟ ومثلا، هل هو حزب ديني أم علماني؟ هل هو بتركيبته وبتوجهاته وخلفياته حزب طائفي أم وطني؟ هل هو حزب ديمقراطي أم استبدادي؟ هل هو حزب يمحض ولاءه لشعب لبنان أم للنظام الإيراني؟ هل هو حزب لجمهور “الشيعة” اللبنانيين، أي يخدم مصالحهم، أم أن مرجعيته تتبع مصالح نظام “الولي الفقيه”؟ هل هو حزب يتوسل الوسائل السياسية لتحقيق أغراضه أم يستخدم وسائل القوة لفرض سياساته على مجتمع اللبنانيين؟ هل هو حزب يساند قضايا الحرية والعدالة في العالم العربي أم أنه يساند نظم الاستبداد ويعمل كذراع إقليمية لإيران؟ ثم ماذا يفعل هذا الحزب في سوريا؟ ولماذا يقتل في السوريين؟ ولمصلحة من؟ ولماذا توقف عن المقاومة ضد إسرائيل، وهي المفترض مبرر وجوده؟
أيضا لمصلحة من يتم تقويض صدقية المقاومة ضد إسرائيل بتحويلها إلى ميليشيات تقاتل من أجل مصالح طائفية؟ ولمصلحة من جرى التخلص من مفكري “الشيعة” اللبنانيين من حسين مروة إلى خليل نعوس وسهيل طويلة ومهدي عامل في الثمانينات؟ وهل حزب الله بريء من الاغتيالات التي دبرها النظامان السوري والإيراني في لبنان؟ أخيرا، كيف يتعامل حزب الله مع قضية فلسطين؟ ألا يستخدمها بشكل وظيفي لتغطية دوره الإقليمي ولتغطية واقعه كحزب طائفي؟ حقا ما هو حزب الله هذا؟ وما هي وظيفته؟ ولصالح من يعمل؟ وإلى متى ستظل قضية فلسطين مطيّة له ولغيره يركبها ويوجهها ويوظفها كيفما شاء؟
في محاولة الإجابة على كل هذه التساؤلات يجدر التأكيد، في البداية، أن المشكلة مع حزب الله ليست لها علاقة بأفكاره، ولا بمذهبه، ولا بتركيبته الطائفية، فهذا شأنه، فقد تم الاحتفاء بهذا الحزب وبمقاومته لإسرائيل منذ انطلاقته، في أوائل الثمانينات، رغم كل ما تقدم. مثلا، ومع أن المجتمع، في أغلبيته (السنية) يدرك طبيعة هذا الحزب ومذهبه، وهذا معروف ومعلن، إلا أنه ظل يمحضه بدعمه، بوصفه حزب مقاومة، وبحكم الخلفية الوطنية المنغرسة في قلوب السوريين، وهذا يشمل احتضانهم جماهير الحزب التي نزحت من الجنوب إلى سوريا إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان (في العام 2006).
هكذا فإن المشكلة مع حزب الله تكمن، بشكل خاص، وبغض النظر عن كل الملاحظات عليه، في طابعه التسلطي وسعيه إلى الهيمنة على المجتمع والدولة اللبنانيين بالقوة، وبتبعيته لإيران، وقتاله للسوريين دفاعا عن نظام تأسس على الفساد والاستبداد.
وعلى أي حال، وبعد كل هذه التجربة، فإن مآلات حزب الله، كذراع إقليمية لإيران، وكمساهم في إثارة النزعات والحساسيات والصراعات الطائفية في مجتمعات المشرق العربي، وبانخراطه المستميت في قتال السوريين، تطرح علينا تساؤلين كبيرين، أولهما: أيهما أكثر أو أقوى تأثيرا، قتال حزب الله لإسرائيل، أم خدمته لها، من خلال إثارته (مع إيران) النعرة الطائفية المذهبية في المنطقة، وتصديعه مجتمعات المشرق العربي على هذا الأساس؟
وثانيهما، أيهما يا ترى أكثر تأثيرا، مقاومته لإسرائيل (بين 1983 و2000) أم قتاله السوريين في السنوات الخمس الماضية؟
هذان السؤالان المعياريان هما من أجل إمعان التفكير في وظيفة هذا الحزب والتمعن في طبيعته وحقيقة دوره، بعيدا عن التلاعبات والتغطيات، هذا لمن يريد أن يرى ويعرف ويفكر حقا في أحوالنا بمعزل عن البديهيات والعصبيات والشعارات الجاهزة.
ماجد الكيالي
صحيفة العرب اللندنية