في الأسبوع الماضي، قتلت قوات الأمن الأردنية سبعة مسلحين في غارة شنتها ضد خلية تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في اربد، لإحباط مؤامرة إرهابية ضد “دائرة المخابرات العامة” وفقاً لبعض التقارير. ومع دخول الحرب في سوريا عامها الخامس، تشكل الآثار الجانبية تهديداً متزايداً على المملكة، التي أغلقت حدودها في أواخر العام الماضي بسبب مخاوف تتعلق بالأمن والآثار الاقتصادية لما يقرب من 1.4 مليون لاجئ سوري تستضيفهم الأردن. ومنذ ذلك الحين، تجمّع عشرات الآلاف من اللاجئين الآخرين على طول الحدود، في الوقت الذي تسعى فيه عمان للبحث عن خيارات أخرى لمساعدتهم. وكانت صحيفة “فاينانشال تايمز” قد ذكرت في حزيران/يونيو 2015، أن الأردن كانت تفكّر في إقامة منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود – أي منطقة خالية من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» – لتقديم الدعم الإنساني للمدنيين النازحين وتدريب الثوار “المعتدلين”. وفي حين لم تتخذ المملكة أي خطوات نحو إقامة هذه المنطقة، إلا أنها روّجت لقيام منطقة آمنة نسبياً بحكم الأمر الواقع على طول الحدود مع جارتها من الشمال. وإذا أدت ضغوط مختلفة في سوريا إلى دفع المزيد من اللاجئين نحو جنوب البلاد، فإن تقديم الدعم لقيام منطقة آمنة حقيقية في الجنوب يمكن أن يكتسب زخماً في عمان وواشنطن وأوروبا.
الخلفية
في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله أن على الرئيس السوري بشار الأسد “التنحي” من منصبه. وفي غضون عام، أفادت بعض التقارير أن المملكة العربية السعودية كانت تنقل أسلحة إلى الثوار السوريين عبر الأردن، وبعد عام على ذلك، أفادت بعض التقارير أن عمان تتعاون مع “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية في تدريب المقاتلين المعتدلين. ومع ذلك، ففي أوائل عام 2014، أدى قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بإعدام اثنين من الصحفيين الأمريكيين إلى المساعدة على تحفيز حدوث تحوّل تدريجي في تركيز الأردن. وفي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، انضمت المملكة رسمياً إلى التحالف المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية»، واستُخدمت كقاعدة رئيسية للعمليات الجوية ضد التنظيم. وبعد أن تم القبض على الطيار الأردني معاذ الكساسبة في سوريا وإحراقه حياً من قبل قوات تنظيم «داعش» في كانون الثاني/ يناير عام 2015، حلّت الحملة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» محل الحملة المناهضة للأسد كأولوية قصوى لعمان، حيث توافقت مع تركيز إدارة أوباما.
وفي غضون ذلك، عبَر ما يقرب من 1.4 مليون سوري إلى الأردن بين عامي 2011 و 2015. إن استضافة هؤلاء اللاجئين – الذين يُقيم أقل من 10 في المائة منهم في مخيمات تديرها الأمم المتحدة – قد شكلت عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على المملكة التي كانت تعاني بالفعل من عجز في ميزانيتها وارتفاع في معدلات البطالة قبل اندلاع الحرب. وكان وصول هذا العدد الكبير من الأجانب يعني أيضاً زيادة في عمليات مكافحة الإرهاب والمراقبة على النطاق المحلي، واستنفاد طاقات “دائرة المخابرات العامة”. وفي نهاية عام 2015، كانت الأردن قد وصلت إلى حدّها الأعمق في استيعاب عدد اللاجئين وبدأت تفرض قيوداً على دخول أولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى عناية طبية. وفي الشهر الماضي، قال العاهل الأردني لشبكة “بي بي سي” إن الوضع قد “وصل إلى نقطة الغليان … وأعتقد أن السد سوف ينفجر، عاجلاً أم آجلاً.”
المنطقة الآمنة بحكم الأمر الواقع
على الرغم من إغلاق الحدود، استمر السوريون في التدفق جنوباً، مع وصول ما يقدر بـ 20,000 لاجئ إلى الجانب الأردني من “الحزام” – نوع من الأرض المحايدة بين البلدين. ويوفر لهم “مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والحكومة الأردنية الغذاء والمأوى والرعاية الطبية.
وفيما يتخطى النشاط الإنساني بالقرب من الحدود، فعلت عمّان الكثير في السنوات الأخيرة للحيلولة دون قيام تنظيم «داعش» بإرساء موطئ قدم له في الجنوب، وذلك باتخاذها مجموعة من الخطوات تمثلت بنشر ضباط استخبارات في الخطوط الأمامية، والاعتماد على تأثير الاتصالات القبلية، والتعامل مع نظام الأسد. وكانت الجهود الرامية لإنشاء مستوى معيّن من الحياة الطبيعية في غضون عشرين كيلومتراً من الحدود ناجحة، إلا أن ذلك يعود إلى حد كبير لأن نظام الأسد لم يستهدف بعد جنوب البلاد بطريقة مستدامة – سواء بسبب انشغاله في جبهات أخرى أو قلقه من القيام بطلعات على مقربة جداً من الحدود الأردنية.
المعضلة التي تشكلها روسيا للأردن
مؤخراً، على أي حال، أدى التدخل العسكري الروسي المستمر الذي عكس زخم الحرب في شمال سوريا إلى تغيير الديناميكية في الجنوب أيضاً. ففي تشرين الأول/أكتوبر، أنشأت موسكو مركز “لتخفيف خطر الاحتكاك” في عمّان للتأكد من أن العمليات الجوية الروسية لن تؤدي إلى قصف القوات البرية الأردنية في المنطقة الحدودية عن غير قصد. وفي الوقت نفسه، بدأت المملكة على ما يبدو تضع حداً لتدفق الأسلحة إلى جماعات المعارضة السورية المعتدلة في الجنوب. وحيث استنفدت بعض هذه الجماعات ذخائرها، يقال إنها تتطلع إلى التوصل إلى اتفاقيات مع النظام. وفي شباط/فبراير، وفّرت روسيا غطاءً جوياً لهجوم بقيادة مقاتلي «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية، وقوات « الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في جنوب البلاد. ونجحت هذه القوات الموالية للنظام في استعادة البلدة الجنوبية الاستراتيجية “الشيخ مسكين” التي تقع على بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال من درعا، والتي كان يسيطر عليها سابقاً، “الجيش السوري الحر”، الذي هو من أبرز الجماعات المعتدلة.
وبالنسبة لعمان، كان قرار التنسيق مع موسكو والحد من الدعم للمعارضة قراراً عملياً. ونظراً لمسار [العمليات] على الأرض، وتحوّل واشنطن بعيداً عن الدعوة لإزاحة الأسد، يمكن القول أنه لم تكن هناك سوى بدائل قليلة أمام الأردن. ومع ذلك، تُسبب هذه الخطة بعض المشاكل. فلا تزال المملكة العربية السعودية، التي هي أحد المتبرعين الرائدين للمملكة الهاشمية، ملتزمة بإزاحة الأسد، لذلك فإن التردد الأردني في هذا الشأن يمكن أن يصبح مصدر إزعاج محتمل في العلاقات الثنائية. ومع ذلك، قد يكون التحدي الأكبر هو التعامل مع تداعيات حملة النظام السوري الذي تدعمه روسيا عندما يتوجه نحو جنوب البلاد.
وفيما يزداد الدعم الجوي الذي توفره موسكو للعمليات في جنوب سوريا، سيزداد أيضاً عدد اللاجئين الذي سيتدفق نحو الحدود الأردنية. وفي الوقت نفسه، فمن دون حصول دعم المعدات والتجهيزات العسكرية من الخارج، سيضطر الثوار السوريين المعتدلين في المنطقة إلى اختيار إحدى خيارين: إما الاستسلام وقبول خطة روسية – إيرانية لـ “المرحلة الانتقالية” تحافظ على الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، أو الانضمام إلى ميليشيات ذات موارد أفضل ولكن أكثر تطرفاً – وهو السيناريو الأكثر احتمالاً نظرا للسوابق الماضية. إن بصمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الجنوب محدودة حالياً، ولكن في ظل انعدام جماعات معارضة مسلحة قابلة للاستمرار، فقد يقرر التنظيم ملء الفراغ. وباختصار، فمن خلال خفض الدعم للثوار المعتدلين، تخاطر عمان بدفعهم إلى أحضان تنظيم «الدولة الإسلامية». ووفقاً لبعض التقارير لدى المخابرات الأردنية اتصالات مع ذراع تنظيم «القاعدة»، «جبهة النصرة»، وغيرها من الميليشيات المتطرفة في سوريا، وذلك من أجل الحفاظ على الوعي الظرفي (الإلمام بالأحوال السائدة)، ولكن وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحدود قد يُنبّئ سيناريو يفترض أسوأ الحالات للمملكة.
نحو منطقة آمنة في الجنوب؟
في الصيف الماضي، “أعرب” ضابط برتبة لواء في الحرس الحدود الأردني للصحفيين “عن أمله” بإقامة “منطقة عازلة” على الحدود بين الأردن وسوريا في النهاية بموافقة الأمم المتحدة،” تكون كاملة المواصفات وتشمل “البنية التحتية والخدمات والأمن” للاجئين. ونظراً لشغل روسيا مقعد دائم في مجلس الأمن والدعم الثابت الذي تقدمه لتشديد قبضة الأسد على جميع أنحاء سوريا، فمن غير المرجح على ما يبدو الحصول على موافقة الأمم المتحدة على هذه المبادرة. ومع ذلك، ففي الوقت الذي يتم التحضير على نار حامية لشن هجمات في جنوب البلاد، فإن الحاجة إلى منطقة آمنة لخير الإنسانية على الجانب السوري من الحدود سوف تصبح ذات أهمية متزايدة. وكما هو موضح أعلاه، أقامت الأردن بعض البنى التحتية الأولية للاجئين على طول الحدود، ولكن الحالة الأمنية لا تزال تشكل مصدر قلق بالغ. وفي غياب تغيير في الوضع الراهن، ستكون أعداد متزايدة من النازحين السوريين عرضة لهجوم نظام الأسد والطائرات الروسية وتنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي الوقت الراهن، ليس ثمة إلا رغبة ضئيلة في الغرب في تحمُّل التزامات مالية أو عسكرية إضافية في المنطقة، إلا أن المواقف قد تتغير إذا استمر اللاجئون السوريون بالتدفق إلى أوروبا. ومن جانبها، من المرجح أن تصر إسرائيل على القيام بطلعات لمهام استطلاعية فوق أي منطقة آمنة من أجل حماية أراضيها الخاصة. وسوف يكون تأمين قبول روسيا أكثر صعوبة، حيث ستكون موسكو شديدة الحذر حول تغيير الميّزة الاستراتيجية التي تتمتع بها في ساحة المعركة. بيد، لا ينبغي على واشنطن وشركائها أن يردعوا أنفسهم [عن التحرك]. وكما أدى الانتشار الروسي من جانب واحد إلى خلق ديناميكية جديدة على الأرض، فإن نشر القوات الأمريكية والعربية والأوروبية على الجانب السوري من الحدود قد يغيّر المعادلة، ويكون من الصعب الطعن [في أهميته].
وكبديل لذلك، قد تضغط بعض الأطراف على الأردن لكي تعيد فتح حدودها وتسمح لمزيد من اللاجئين بالدخول إلى أراضيها. ورغم أن ذلك قد يخفف بعض الضغوط في سوريا، إلا أن التأثير سيكون مؤقتاً فقط، ويمكنه أن يزعزع استقرار المملكة. ولعدم توقع نهاية قريبة للحرب، فلم تعد الأردن وجهة عمليّة للاجئين السوريين، كما أن أوروبا في طريقها لأن تصبح أقل من ذلك يوماً بعد يوم. إن قيام منطقة عازلة في الجنوب تحافظ على أمن السوريين في سوريا يمكن أن تكون خطوة جيدة نحو حل هذه المعضلة.
ديفيد شنيكر وأندرو تابلر
معهد واشنطن