ظلت التوقعات فى الولايات المتحدة، ترجح إنزال هزيمة ساحقة بالمرشح الجمهورى للرئاسة دونالد ترامب، ووصلت إلى حد السخرية الحادة من آرائه، المليئة بالنزعة العنصرية، وأشهرها دعوته لمنع المسلمين من دخول أمريكا، وتصريحاته العدائية للمكسيكيين، وغيرها، من الشطحات المنفلتة، مما سبب حالة من الفزع داخل الحزب الجمهورى نفسه.
وبدا وكأن هزيمة ترامب في ولاية أيوا، أول محطة للسباق الانتخابي، بمثابة تدشين لهزيمته، إلى أن أعقبتها مفاجأة فوزه في المحطة الثانية، في نيوهامبشير. هذه المفاجأة دفعت لإعادة تقييم حسابات النتائج القادمة للانتخابات.
بعض المراقبين فسروا هذا التطور بأنه نتيجة لتراجع ثقة الناخبين، في السياسيين التقليديين، الذين اعتادوا على التنافس في سباق الوصول إلى البيت الأبيض، وأيضا نتيجة شعور الناخبين بأن هناك جداراً عازلاً يزداد ارتفاعاً بينهم وبين النخبة، التي تقول أشياء، وتفعل عكسها، وهو ما ظهر لهم بقوة في تناقضات الخطاب السياسي لأوباما، خاصة في قضايا السياسة الخارجية.
ومع ذلك تبقى احتمالات فوز ترامب فى ولايات أخرى، متأرجحة لأسباب متنوعة.
وهناك من يتفقون على وجود أسباب أخرى وراء هذا الصعود النسبي لترامب، ظهرت لهم بعد تقصي حقيقة من يؤيدونه، واتضح أنهم ينتمون إلى تيار من يسمون في أمريكا بتيار المسيحية الصهيونية The Angelicalsوهم أعضاء في طائفة كنيسة تختلف كثيرا عن المذاهب المسيحية المعروفة، ومعروفون بعدائهم الصريح للعرب والمسلمين، وتشددهم المبالغ فيه، في تأييد كل سياسات ««إسرائيل»»، وهم يؤمنون بنظرية تتوقع حرباً قادمة بين «إسرائيل» والعرب، وأن من واجبهم أن يكونوا سندا ل««إسرائيل»» في هذه الحرب، التي يتصورونها.
هذه الطائفة كان لها دور أساسى ومؤثر في فوز جورج بوش في جولته الانتخابية بولاية ثانية، عندما تم حشد أعضائها جميعا في كل الولايات للتصويت لصالح بوش، وكشفت الاستطلاعات وقتها، أن عددهم يمثل 20% من أصوات الناخبين، وكان واضحاً أن آراء ترامب ومواقفه، ضد المسلمين، قد جاءت على هوى هذه الطائفة.
وتأكدت صلة ترامب بهم عندما حرص على حضور احتفالهم بتكريم ذكرى جيرى فولويل الذى توفي عام 2007، وكان من أقطاب حركة المسيحية الصهيونية، وأيضا ظهوره واقفاً إلى جوار القس بات روبرتسون – من قادة هذا التيار – والذي يدير محطة تلفزيونية، تذيع كل برامجها مواد تحريضية وتشهيرية بالعرب، وداعمة لسياسات حكومات «إسرائيل»، وفى حوارات لعدد من الصحف مع أنصار هذا التيار، أوضحوا تأييدهم لترامب، وإشادتهم به.
بالرغم من اتجاه أعداد كبيرة من هذه الكتلة التصويتية، للوقوف مع ترامب. إلا أن وقوفهم جميعا وراءه هذه المرة، ليس مضموناً، لأن الوضع الآن يختلف عما كان قد جرى وقت انتخاب بوش، وذلك لعدة أسباب منها أولا أن أصواتهم موزعة بين ترامب وبيرني سوندز وهو ما أظهره استطلاع لشبكة تلفزيون «سى. بى. إس» من أن ترامب يحظى بتأييد 42% من أصواتهم، مقابل 25% لسوندز، بحكم أنه يهودي.
وثانيا لأن تجربة حكم بوش مازالت تمثل تجربة مريرة للشعب الأمريكى عامة، وهو ما أظهره استفتاء أجري في وقت انتهاء رئاسة بوش، حول مقدار شعبيته في ذلك الوقت، والذي نال فيه أقل نسبة تأييد لقيها أي رئيس فى وقت رحيله عن البيت الأبيض، وكانت 27%، بينما كانت النسبة التي حصل عليها كلينتون في نفس الفترة، تزيد على 70%.
وهناك ثالثاً – من المتغيرات التي ليست في صالح ترامب، رد فعل دول العالم الرافض له، وهو ما يمكن أن ينعكس على علاقة الولايات المتحدة، بحلفائها وأصدقائها، والتي تنتابهم الآن بالفعل تحفظات، وتراجع الثقة في سياستها الخارجية.
لهذا يبقى وجود ترامب فى السباق الانتخابي للرئاسة، وكأنه فرقعة انتخابية، سرعان ما يتبدد صداها، في فضاء العقل الأمريكي، حين يوازن الأمور بطريقة يحسب فيها مصالحه ومستقبله، أو أنه كان تحت قيادة من هذا النوع.
عاطف الغمري
صحيفة الخليج