توصل قادة الاتحاد الأوروبي وتركيا، ممثلة في وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، خلال قمتهم المشتركة في العاصمة البلجيكية بروكسيل، في السابع من مارس الجاري، إلى اتفاق “أولي” يتضمن مبادئ عريضة لخطة تستهدف تخفيف حدة أزمة اللاجئين، حيث تقوم هذه الخطة على “مقايضة” عنوانها الأبرز: “لاجئ مقابل لاجئ”.
لكن هذا الاتفاق المبدئي يواجه إشكاليات قانونية وسياسية عديدة، لاسيما داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يجعل من إمكانيات تنفيذه محل شكوك كبيرة، إن لم تكن مستحيلة، على الرغم من الرهانات العديدة بشأن احتمالات الموافقة عليه والبت فيه، خلال القمة الأوروبية المقررة يومي 17 و18 مارس الجاري.
مضمون الاتفاق المبدئي
تضمنت النقاط الأساسية للاتفاق الأولي بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، ما يلي:
1- إعادة كل المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون من تركيا إلى اليونان، على أن يتحمل الاتحاد الأوروبي نفقات إعادة هؤلاء إلى أنقرة.
2- توطين لاجئ سوري واحد من تركيا في الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري يُعاد إلى تركيا من اليونان.
3- تسريع الإجراءات الخاصة بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر إلى الدول الأوروبية دون تأشيرة، إذ من المؤمل إنهاء العمل بنظام التأشيرة في شهر يونيو 2016.
4- الإسراع في صرف مبلغ 3 مليارات يورو كان الاتحاد الأوروبي قد وعد تركيا بها في أكتوبر الماضي، إضافة إلى مبلغ مماثل لمساعدة الأتراك على التعامل مع أزمة اللاجئين.
5- اتخاذ الخطوات الكفيلة بالاستعداد لإصدار قرار بفتح فصول جديدة من مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
تعثر خطط سابقة
يأتي الاتفاق المبدئي الجديد بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بعد تعثّر الاتفاق السابق الموقّع في 29 نوفمبر الماضي، عندما اتفق حينه الجانبان على خطة عمل تتضمن إعادة قبول المهاجرين بين تركيا ودول الاتحاد في يونيو 2016، وشمل الاتفاق السابق زيادة السلطات التركية من إجراءاتها الأمنية على السواحل، والعمل المشترك لمكافحة عصابات تهريب البشر.
ولم تكن نتائج اتفاق نوفمبر 2015 مرضية للاتحاد الأوروبي، واستمر تدفق اللاجئين إلى اليونان، بمعدل وصل إلى ألفي لاجئ يومياً، ولم يسهم في وقف سيل اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق وإيران وآسيا الوسطى إلى القارة العجوز. وقد كشفت هيئة الإحصاء الأوروبية “يورو- ستات” أن عدد طالبي اللجوء في عام 2015 تضاعف مرتين، مقارنةً بعام 2014، وبلغ مليوناً و200 ألف شخص.
وفي مواجهة تدفق اللاجئين، بدأت دول البلقان تغلق الحدود، وتُشيد الجدران والسياجات من الأسلاك الشائكة، وتنشر قواتها على الحدود، فيما جمدت بعض الدول العمل بمعاهدة “شنغن” للتنقل الحر للأفراد والبضائع، وأعلنت دول أخرى، مثل السويد، عجزها اللوجستي عن استيعاب أعداد إضافية من اللاجئين.
كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد أعداد العالقين في اليونان، وتفاقم معاناتهم، وتوقف تنفيذ خطة توزيع اللاجئين، وسط خلافات بين إيطاليا واليونان من جهة، وبقية البلدان الأوروبية من جهة أخرى؛ فاليونان أبدت امتعاضها من عدم تنفيذ خطة إعادة توزيع 160 ألف لاجئ بسبب اعتراض بلدان وسط وشرق أوروبا على الخطة، وإغلاق النمسا حدودها.
وفي المقابل، اتهمت فيينا وعواصم أخرى أثينا بالتقاعس عن وقف تدفق اللاجئين، ووصل التجاذب إلى حد التلويح بإخراج اليونان من منطقة اليورو.
وفي هذا الصدد، حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، في تقرير سنوي صادر في 10 مارس الجاري، من أن أزمة الهجرة قد تتسبب بمشاكل كبيرة لليونان، حيث إن تدفق اللاجئين إلى اليونان والذين علقوا بسبب إغلاق طريق البلقان، كلّف البلاد ما قيمته 0.35٪ من إجمالي الناتج الداخلي للعام 2015.
واضطرت اليونان، التي عبرها 850 ألف مهاجر ولاجئ في عام 2015، إلى دفع 300 مليون يورو من مواردها الضئيلة لمواجهة هذا الوضع. وطلبت مساعدة استثنائية لقروض محددة في إطار مبلغ عاجل بقيمة 700 مليون على ثلاث سنوات. وقد ترتب أزمة اللاجئين تداعيات على قدرة اليونان على الوفاء بالتزاماتها مع دائنيها؛ الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
رهانات أوروبية وتركية
من خلال الخطة الأولية التي تم الاتفاق عليها لتخفيف حدة أزمة اللاجئين، يراهن الأوروبيون على تحقيق هدفين هما:
1- هدف قريب المدى، وهو إقناع اللاجئين السوريين بأن طلباتهم لن تدرس، إن هم قدموها، من أي بلد عضو في الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، يخفّفون من ضغط تدفقات اللاجئين، وإيجاد حل، ولو مؤقتاً، للضغط الكبير الذي تعانيه اليونان، وربما لإنقاذ القارة الأوروبية من تصدعات في مجال الهجرة واللجوء، بعد توالي القرارات الأحادية الجانب التي اتخذتها دول أوروبية في الأسابيع الأخيرة.
2- هدف أخر بعيد المدى، ويقوم على فرضية مفادها أنه في حال التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، فإن ثمة احتمالات قوية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بحكم الجوار الذي يسهّل رحيلهم من تركيا، بينما احتمالات عودة هؤلاء الذين يكونوا قد استقروا في أوروبا ضعيفة للغاية، لأنهم سيكونون في وضع أحسن من الذي سيحظون به عند عودتهم إلى بلد منهار على آخره، وخرج للتو من حرب أهلية.
وفي المقابل، تدرك تركيا صعوبة مطالبها السياسية، سواء فيما يتعلق بمفاوضات عضويتها في الاتحاد الأوروبي، أو فيما يتعلق بدور أوروبي في إقامة منطقة عازلة شمال سوريا. لذا فإن أنقرة تراهن على تحقيق هدفين اقتصاديين مهمين: أولهما مشاركة الاتحاد الأوروبي لتركيا في تحمل أعباء اللاجئين السوريين، والتي بلغت، بحسب تصريحات تركية، نحو 10 مليارات دولار، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
والهدف الثاني، هو إمكانية مساعدة هذا الاتفاق في تعويض تركيا خسائرها الاقتصادية بسبب تداعيات ثورات “الربيع العربي”، وفقدان سوريا كبوابة نحو الأردن والخليج، وتراجع علاقاتها مع الحكومة المركزية في العراق، ومشكلاتها مع مصر، وتبعات إسقاط طائرة مقاتلة روسية قرب حدودها مع سوريا في 24 أكتوبر الماضي.
أصوات معارضة للاتفاق
يواجه الاتفاق الأوروبي- التركي الأخير انتقادات حقوقية ودولية واسعة، وهو ما أعرب عنه مفوض الأمم المتحدة الأعلى لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، الذي اعتبر عمليات الترحيل الجماعية للمهاجرين الواردة في مشروع الاتفاق وإعادتهم إلى تركيا، بأنها “غير شرعية”، لاسيما إزاء احتمال الترحيل الجماعي والتعسفي الذي يعتبر “غير شرعي”.
ومن ناحية ثانية، ارتفعت بعض الأصوات الأوروبية المعارضة لمعظم المطالب التركية، فرئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي، ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، ربطا أي اتفاق بضمانات لحماية الحريات في تركيا. كما تعارض فرنسا والنمسا إلغاء تأشيرة الدخول للأتراك.
وترفض سلوفينيا وسلوفاكيا وبولونيا وقبرص فكرة إرسال لاجئ إلى أوروبا مقابل كل لاجئ يُعاد إلى تركيا. وجاء التعليق الأبرز من رئيس وزراء المجر فكتور أوربان الذي أكد إنه “إذا وافق على دخول لاجئين إلى المجر، فسيشنقه مواطنوه في ساحة بودابست عند عودته”. وحذر وزير الهجرة الهولندي كلاس ديخوف من أن الاتفاق مع تركيا سيشجع المهاجرين على “المجيء إلى أوروبا عبر طرق شرعية”.
ويواجه تمويل الثلاثة مليارات دولار بتحفّظات من إنجلترا وهولندا وإيطاليا وفرنسا. أما فتح باب المفاوضات من جديد بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فتعارضه كل من فرنسا وقبرص، لاسيما في ظل فيتو قبرص على عدم فتح مسألة انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي قبل توقيع اتفاق سلام قبرصي يوحّد شطري الجزيرة.
وفي 12 مارس الجاري، كرر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفضه تقديم أي تنازلات لتركيا مقابل تشديدها مراقبة حدودها للحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا، قائلاً: “وافقت تركيا على إعادة استقبال اللاجئين الذين وصلوا إلى اليونان بطريقة غير شرعية في مقابل تعويضات، وليس وارداً تقديم تنازلات في مجال التأشيرات وحقوق الإنسان”.
من ناحية ثالثة، فإن الخلافات الأوروبية حول توزيع حصص اللاجئين ستستمر، في ظل انقسام بين بلدان فقيرة تعارض استقبال اللاجئين، وتزداد فيها الحركات العنصرية المعادية للأجانب، وبلدان غنية بدأت تتلمس وقع الالتزامات الكبيرة لتأهيل ورعاية اللاجئين، وتبرز فيها حركات عنصرية جديدة على خلفية صعوبة دمج اللاجئين، وتمايزهم عن ثقافات البيئات المستقبلة لهم.
وفي المقابل، فإن تركيا تستطيع إشهار ورقة اللاجئين مرة أخرى في وجه أوروبا في حال عدم تنفيذ مطالبها في الاتفاق، إذ تؤوي تركيا أكثر من 2.7 مليون من اللاجئين السوريين، متقدمة بذلك على كل بلدان المنطقة.
وجدير بالذكر أن أنقرة ترفض تماماً أن يحدد الاتحاد الأوروبي أي معايير للاجئين السوريين، الذين سيقوم باستقبالهم، حيث أكدت أنها لا تقبل أن يتم وضع معايير كالحالة الصحية والمستوى التعليمي أو الوضع الأسري، كأسس لانتقاء اللاجئين الذين ستتم إعادة توطينهم، فليس من المعقول أن يقوم الاتحاد الأوروبي بأخذ ذوي الشهادات العليا أو القادرين على الاندماج بشكل سريع فقط، ويترك لها باقي السوريين.
إجمالاً، يمكن القول إن الطرفين التركي والأوروبي يدركان أن مشكلة اللاجئين السوريين لن يتم حلها في إطار ثنائي بينهما، لا يخلو من المساومات والمقايضات الفجة، أو عبر سياسات الترهيب والترغيب المتبادلة، بل إن الشرط الأول لحل هذه المشكلة، هو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية عبر توافق إقليمي ودولي لوقف نزيف الدم والنزوح فيها والتهجير والترحيل منها.
أحمد دياب
مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة