استكملت جامعة الدول العربية ما بدأه مجلس التعاون الخليجي باعتبار «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، مع رفض من لبنان والعراق وتحفظ من الجزائر. الدول العربية كلها ما عدا ثلاثاً اتفقت على أن الحزب الذي يمثل إيران سياسياً وعسكرياً في لبنان مكونٌ غير مرحبٍ به في المنطقة وخارجٌ عن القانون! لكن مهلاً… أي قانون؟ كيف يمكن أن يكون خارجاً عن القانون والخط الأول في مواجهته، وأعني الحكومة اللبنانية، تعترف به وتزكّي ممثليه في مجلس الوزراء، بل تدافع عنه في الملتقيات العربية والدولية!
تسمية «حزب الله» تنظيماً إرهابياً أمر معقد بعض الشيء. الدول العربية تقول عنه أنه إرهابي، لكنها في الوقت نفسه لا تقول عن ممثليه في مجلس الوزراء اللبناني أنهم إرهابيون. لا تقول ذلك لأنها إن فعلت، فستتحول الحكومة اللبنانية كلها إلى جماعة إرهابية من مبدأ ما أسكر قليله فكثيره حرام! وما بني على «وزراء باطلين» فهو باطل! هو إرهابي من حيث المبدأ، لكنه ليس إرهابياً في التفاصيل. هو إرهابي في النظرية، لكنه على مستوى التطبيق خاضع لحسابات معينة! من هو خارج الحكومة من كوادره كحسن نصرالله ونعيم قاسم هم إرهابيون بهذا التوجه العربي، لكن كوادر الحزب في الحكومة اللبنانية مثل وزير الصناعة حسين الحاج حسن، أو وزير شؤون مجلس النواب محمد فنيش ليسا إرهابيين! أية ربكة هذه، وما أضيق عنق الزجاجة هذه المرة!
جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي يعرفان أن لبنان يعيش وضعاً خاصاً لا بد من أخذه في الاعتبار عند التعامل مع الأحداث في هذا البلد الصغير. لبنان منذ استقلاله وهو يتعافى بالمسكنات، ويعيش على الأدوية الموقتة، لأن ديموقراطيته المزعومة غير قادرة على التعامل مباشرة مع مواطنيّة اللبنانيين بلا وسيط، وإنما تحتاج إلى جسر عبور يوصلها إلى المفرد اللبناني. تركب الديموقراطية الجسر مرغمة باستخدام عربة ذات ألوان مفروضة غصباً على الواقع اللبناني، ثم تصيح عندما تصل اللبناني في ضيعته أو مدينته: مرحى للكرامة والعدالة والمساواة وحرية التعبير! هناك ديموقراطية خاصة بالسنّة، وديموقراطية خاصة بالشيعة، وديموقراطية خاصة بالدروز، وديموقراطية خاصة بالمسيحيين، وديموقراطية خاصة بالعاملات الآسيويات في البيوت، وعشرات الديموقراطيات الأخريات، وجمع هذه الديموقراطيات في عقيدة سياسية واحدة أو مذهب مدني واحد ينتج مكوناً مرتبكاً غير قادر على المضي قدماً، وغير قادر على العودة إلى لحظة الاستقلال. ينتج: لبنان! لهذا، فإن توصية جامعة الدول العربية وقرار مجلس التعاون الخليجي في شأن خروج «حزب الله» عن القانون، جاءا في هذا السياق: عبور لجسر معين ووصول إلى منطقة معينة، ثم صيحات وهتافات: مرحى مرحى للحزم والموقف المتشدد! هو خروج عن قانون جزئي في لبنان وكلي في هذه البلاد العربية، وهذا أضعف الإيمان.
هذا بالنسبة إلى لبنان، فماذا عن العراق والجزائر؟ العراق ذو النخبة الطائفية الحاكمة لم ينجح في تمرير «التبعية الإيرانية» باستخدام الديموقراطية والانتخابات الحرة والآمال العظام والوعود الكبيرة، فلجأ في النهاية إلى الحشد الشعبي المسلح ليقوم بالمهمة! في البدء أوهم الطائفيون العراقيين والعالم بأن الديموقراطية هي من جاءت بهم. تكررت كلمة الديموقراطية في وسائل إعلامهم ملايين المرات، كأنها إحدى المنجزات التاريخية لعراق ما بعد صدام حسين، وما فعلوا ذلك إلا من أجل تخدير الناس وتعميتهم، لكن عندما بدأت الديموقراطية المزعومة تتكشف للشعب العراقي عن سلطوية دينية، قالوا إن لنا ديموقراطيتنا الخاصة التي تختلف عن بقية ديموقراطيات العالم فاصبروا علينا. ثم حاولوا إيهام الشعب أن التعددية هي في المحاصصة، لكن مع بقاء السلطة التنفيذية (رئاسة مجلس الوزراء) في يدهم. وعندما لم تنطل كل هذه الخدعات على الشعب لجأوا إلى الخيار الأخير: الطريقة الحزبلّاهية، فأنشأوا الحشد الشعبي وسلّحوه وأطلقوه في المدن والبلدات العراقية، ليتبنى تثبيت التبعية الإيرانية بالقوة!
عراق جديد كهذا، كيف يستطيع اعتبار «حزب الله» تنظيماً إرهابياً؟ لو انضم وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لإخوته وزراء الخارجية العرب وأسقط «حزب الله»، فسيسقط الحشد الشعبي أوتوماتيكياً، بتشابه الظروف، وفي هذا سقوط للحكومة العراقية الحالية المشرعنة بفتاوى مرجعيات الحشد، وسيسقط في النهاية إبراهيم الجعفري نفسه كوزير للخارجية!
أما الجزائر، فقد خبرناها منذ زمن، فهي لا تتدخل في القضايا التي تهم الخليجيين بحجة النأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها في المقابل على استعداد للتدخل في ما سواها تحت ذرائع شتى! الجزائر لها موقف ثابت من دول الخليج لا يكاد يتغير، ولعل في موقفها الشهير من استباحة جيوش صدام حسين الكويت قبل نحو 25 عاماً، ومعارضتها المتشددة لحرب التحرير، ما يعضد هذا القول.
الجزائر تنأى بالنفس دائماً بصمت عن قضايا وجودية خليجية، وأخشى من اليوم الذي تنأى فيه دول الخليج عن دعم مواقف الجزائر بحجة عدم الانجرار للتورط في شؤون الجزائر الداخلية، كما فعلت هذه الدول أخيراً في القاهرة مع لبنان عندما نأت بنفسها عن دعمها في البند المتعلق بالتضامن معها، والمدرج في شكل دائم في أجندات اللقاءات العربية بمستوياتها كافة.
19 دولة من أصل 22 جرّمت تنظيم «حزب الله»، فما التالي؟ وهل يكفي فقط أن يُشهر قرار التجريم على العلن ثم تعود كل دولة لتقوّم الأمر بطريقتها الخاصة؟
قطعت الدول العربية ربع الطريق بإعلان «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، وبقي أن تبدأ الدول الـ19 في الإعلان تباعاً تحت مظلة الجامعة العربية، عن تسمية الأحزاب الإرهابية في الوطن العربي، ابتداءً بالحشد الشعبي في العراق، مروراً بحملة السلاح ضد الدولة في ليبيا وتونس، وانتهاءً بجبهة البوليساريو في الصحراء المغربية. على جامعة الدول العربية ألا تكون منصة ردود أفعال فقط، عليها أن تبدأ بالفعل في جمع كل الأحزاب المسلحة من غير تفويض رسمي في الدول العربية في زاوية واحدة ومواجهتها سياسياً وقانونياً وعسكرياً إن لزم الأمر، وعزلها إقليمياً ودولياً، وتجفيف منابع تمويلها حتى تجف وتتساقط! التجريم والتسمية بالإرهاب ليستا سوى مبتدأ الحملة، ما هو مهم هو ما سيلي من إجراءات، لأن ذلك هو ما سيبيّن جدية المشاركين من عدمها! ولأن ذلك هو ما سيقطع أذرع الاختراقات الإقليمية لأمن الوطن العربي الكبير وسلمه!