يوم 18 حزيران (يونيو) الحالي، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن قواته استعادت السيطرة على مدينة الفلوجة، التي كانت معقلاً لـ”داعش” بعد أن استولى عليها قبل عامين ونصف العام، والواقعة على بعد 60 كيلومتراً فقط من العاصمة بغداد. ومع ذلك، كان بالإمكان في اليوم التالي سماع دوي قذائف المورتر والصواريخ داخل المدينة التي يُفترض أنها تحررت، وكانت قوافل العربات المدرعة ما تزال تهدر في ساحة المعركة. “داعش ما يزال هنا”، قال قصي حميد، الضابط برتبة رائد في القوات العراقية الخاصة، بينما ينتظر تحت وهج الشمس الحارة في أحد شوارع الفلوجة حتى ينقل رجاله إلى المعركة الدائرة بالقرب من أحد المساجد.
الفريق عبد الوهاب السعدي الذي يرتدي قميصاً قصير الأكمام وبنطالاً أسود، كان يقود المعركة من على طاولة بلاستيكية تقف على الأرضية الخرسانية في موقع بناء تم تحويله إلى مركز قيادة مرتجل. ويقوم الضباط ببث الإحداثيات باللاسلكي لنظرائهم الأستراليين، الذين يقومون بعد ذلك بتوجيه صواريخ هيلفاير الأميركية لضرب مواقع “داعش” في المدينة.
يقاطع صوت تحطم صاروخ أطلق نحو الفلوجة من قطاع قريب تسيطر عليها منظمة بدر المدعومة من إيران هدير الطائرات المقاتلة. الآن، بعد عامين من بدء الحملة ضد “داعش”، استقرت قوات الأمن العراقية، وحلفاؤها من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتحالف الدولي بقيادة أميركا، في تعايش قلِق. وتم في هذه العملية اختزال مشاركة الميليشيات الشيعية التي تشكل الجزء الأكبر من “قوات الحشد الشعبي” العراقية إلى دور مساند في الكفاح من أجل استعادة الفلوجة السنية، وهو ما يبدو معقولاً من الناحية السياسية. ويقول أحد الشباب في القوات الخاصة المقاتلة، كان قد شارك مُسبقاً في ثلاث معارك كبيرة: “في بعض الأحيان يأتون بعد أن تنتهي من تطهير الأحياء، ويكتبون شعاراتهم على الجدران لكي ينسبوا إليهم الفضل في ذلك”.
يبدو أن الفلوجة تضررت أقل بكثير من الرمادي، عاصمة المحافظة، خلال المعركة الأطول بكثير من أجل استعادتها في وقت سابق من هذا العام. وفي الأحياء التي تقوم القوات الخاصة بتطهيرها، والتي يجري الآن تسليم السيطرة عليها إلى قوة شرطة طوارئ محلية، ما تزال معظم المباني سليمة. لكن ستة أشهر ستمر على الأقل قبل أن يُسمح للمدنيين بالعودة إلى ديارهم. فما تزال هناك جيوب لمقاتلي “داعش”. ويجب مداهمة الأحياء وتفتيشها من منزل إلى آخر بحثاً عن الأسلحة والمتفجرات. وسوف تستغرق إعادة توصيل الكهرباء والماء وقتاً طويلاً أيضاً.
كما سيشكل التعامل مع اللاجئين مشكلة كبيرة أخرى للسلطات العراقية. فقد فر عشرات الآلاف من المدنيين من الفلوجة عندما تراجع “داعش” في الأسبوع الماضي. وتوفي عشرات الأشخاص في هذه العملية، سواء بسبب الغرق في نهر الفرات أو جراء التعرض للإصابة بالقذائف أو القنابل. ويتحدث أفراد من عائلة مصدومة قامت بإخلائها قوات الأمن عن رؤية ثلاث من بناتهم وأمهم وقد تمزقن جراء القصف بينما كانوا يحاولون الفرار سيراً على الأقدام.
على الرغم من أشهر من التخطيط الذي قامت به الحكومة العراقية ومنظمات الإغاثة الخارجية، تُرك الآلاف الذين تمكنوا من الفرار ليدافعوا عن أنفسهم وحيدين في الصحراء. ويقول كارل شمبري من مجلس اللاجئين النرويجي، وهو ينظر إلى الحقل المغبر الذي أصبح الآن موطناً لمئات الأسر المشردة: “لم يكن هناك أي شيء هنا قبل يومين”. ويصف المجلس النرويجي للاجئين، وهو من جماعات الإغاثة القليلة التي تعمل في محافظة الأنبار، جهود الإغاثة بأنها فوضى كاملة. فهؤلاء أناس كانوا يعيشون على التمر المجفف طوال أسابيع؛ حيث استولى مقاتلو “داعش” على الغذاء واكتنزوه لأنفسهم. وتقول إحدى النساء: “كان (التمر) هو الشيء الوحيد الذي نستطيع دفع ثمنه”، موضحة أنها تطحن نوى التمر كبديل للدقيق لصنع الخبز.
بينما تغادر العائلات الفلوجة، تقوم قوات الأمن العراقية، بالاعتماد على المعلومات الواردة من اللجان المحلية، بأخذ شبابها وشيوخها وفتيانها للتأكد مما إذا كانوا ينتمون إلى “داعش”. ويقول أحد النازحين من الفلوجة: “لديهم أناس وجوههم مغطاة يأتون ويشيرون إلى الذين كانوا مع داعش”. ويضيف أنه أعفي من التحقيق لأنه مسنٌّ جداً.
يبدو بعض المحققين عازمين على الانتقام بدلاً من تحقيق العدالة. وتقول جماعات لحقوق الإنسان أن العشرات من الشبان الذين أُخِذوا للاستجواب تعرضوا للضرب أو تعذيب، وأن بعضهم قتلوا. وكان الغائبون بشكل ملحوظ عن الساحة هم سياسيو الأنبار والزعماء الدينيون، الذين انتظر الكثيرون منهم نتيجة الصراع في رخاء كردستان في الشمال، أو في الأردن المجاور. ويقول أحد سكان الفلوجة بمرارة: “نحن لن نثق مرة أخرى بسياسيينا أو بزعماء القبائل أو الأئمة. لقد تركونا هنا مع هذا”.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد