من الواضح أن روسيا وحلفاءها في سوريا -نظام بشار وإيران وحزب الله- يحاولون حسم الأمر عسكريًا على الأرض، وتحقيق مكاسب على حساب المعارضة المسلحة، واستغلال التردد الأمريكي، والانشغال في معركة الرئاسة الأمريكية، ووضع الرئيس الأمريكي القادم أمام الأمر الواقع، في ظل غياب أي تحركات من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لمواجهة “جنون الآلة العسكرية الروسية”، والمحرقة التي يرتكبها الروس وحلفاؤهم في حلب وتجريب الأسلحة الفتاكة في إبادة المدنيين؟
عجز الأمم المتحدة
الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطًا إلا على المعارضة السورية، التي فقدت معظم أوراقها للقبول بالمفاوضات، والنظام السوري بدعم روسي وإيراني غير مسبوق، يدك حلب وضحايا مدنيين بالمئات يسقطون يوميًا، والعواصم الأوروبية تكتفي بتحميل روسيا مسؤولية انهيار الهدنة، بينما الأمم المتحدة لا تستطيع حتى حماية وصول المساعدات الإغاثية الإنسانية، وفصائل المعارضة السورية الرئيسية تؤكد أن الحديث عن السلام “غير مجدٍ ولا معنى له” في ظل القصف المكثف لمدينة حلب المحاصرة، ما لم يتوقف القتال على الفور ويتم السماح بوصول المساعدات برعاية الأمم المتحدة.
بيان المعارضة السورية
فصائل المعارضة المسلحة، ومن بينها الجيش السوري الحر أكبر فصائل المعارضة المدعوم من تركيا ودول الخليج ودول غربية، قالت في بيان وقَّعه ما يزيد على 30 جماعة وفصيل سياسي معارض، إن القصف الذي قتل العشرات خلال الأيام القليلة الماضية “غير مسبوق” ويعرقل عملية السلام التي تتوسط فيها الولايات المتحدة، والتي تسعي واشنطن وموسكو إلى استئنافها.
وأكد البيان “عدم قبول الطرف الروسي كطرف راع للعملية التفاوضية كونه شريكًا للنظام في جرائمه ضد شعبنا”، وأضاف البيان أن القوات السورية المدعومة من روسيا تستخدم أسلحة محرمة دوليًا، “بما في ذلك النابالم والأسلحة الكيماوية وسط غياب أي توجه دولي واضح وفعال؛ لوضع حد لجرائم الحرب الموثقة التي ترتكب بحق الشعب السوري”.
سلاح روسي جديد في حلب
صحيفة “التايمز” البريطانية، تحدثت في مقال كتبه “لويز كلاغان” و”توبي هارندين”، بعنوان “راجمات النيران الضخمة التابعة لبوتين تحرق حلب”، قالت فيه إن روسيا واجهت اتهامات الأسبوع الماضي بأنها استخدمت سلاحًا له القدرة على قصف كرات ضخمة من النيران عبر مساحات واسعة من حلب.
“التايمز”، قالت إن المخاوف تزايدت من أن حلفاء موسكو يحاولون تدمير المناطق الشرقية من حلب، التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، تدميرًا تامًا، وتقول الصحيفة إن الصاروخ TOS-1A يطلق عليه اسم “الشمس الحارقة”، وتؤدي قذائفه إلى تفجيرات كيماوية تهدف إلى امتصاص الأكسجين بصورة تامة من المناطق المستهدفة.
قوة ضربات غير مسبوقة
دبلوماسون غربيون قالوا للصحيفة إنهم “على ثقة” أن راجمة الصواريخ استخدمت في حلب، واندلعت عدة حرائق في حلب عقب هجمات بالصواريخ، ووفقًا للصحيفة، قال سكان حلب إن قوة الضربات غير مسبوق بالنسبة لهم.
ضابط سابق في الجيش الأمريكي عمل في العراق وأفغانستان، أكد أن “استخدام الروس لهذا الصاروخ قد يمثل جريمة حرب، أنه سلاح شديد التدمير”، وأضاف أنه “بالمعني الحرفي يمتص الهواء الذي يتنفسه الناس، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة بالرئة، ولا يجب على الإطلاق استخدامه في المناطق المأهولة أو ضد المدنيين”.
حالة رهيبة
سياسيًا، حمّل وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، روسيا “المسؤولية عن تدهور الأوضاع في سوريا”، قائلًا “نظام بوتين لا يكتفي بمد المسدس إلى الأسد، بل إنه يطلق النار أيضًا”، وأفاد “جونسون”، في برنامج “أندرو مار”، الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن “حلب تواجه وضعًا مأساويًّا، والمدينة تتعرض لقصف وحشي”.
“جونسون”، قال “يمكننا القول إن الغرب لم يبدِ رد فعل قابل للتطبيق منذ 2013″، محملًا روسيا مسؤولية إيصال الحرب في سوريا “إلى حالة رهيبة”، وطالب بإجراء تحقيق حول ما إذا كان الهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية، التابعة للأمم المتحدة، في بلدة أورم الكبرى بريف حلب، “مقصودًا”، مؤكدًا أن الهجوم يُعتبر “جريمة حرب”.
وتعرضت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة، الاثنين الماضي، لقصف جوي في سوريا، وتبادلت روسيا وأمريكا الاتهامات بشأن المسؤولية عن القصف، وأفادت مصادر في المعارضة للأناضول، أن القصف استهدف أيضًا مركزًا للهلال الأحمر السوري ببلدة “أورم الكبرى”، بريف حلب الغربي، أثناء تفريغ حمولة الشاحنات، التي تحمل مساعدات إنسانية.
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي، اعتبر تكثيف النظام السوري وحلفائه لغاراتهم على مدينة حلب ومحيطها خلال الأيام القليلة الماضية، واستهدافهم المدنيين القاطنين في تلك المناطق، “أمر لا يمكن قبوله أبدًا، ومخالف للقوانين الدولية”، وجاء الموقف الأوروبي، في بيان مشترك للممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موغريني، وعضو إدارة الأزمات والمساعدات الإنسانية في المفوضية الأوروبية، كريستوف ستايلانديس، علقا فيه على آخر التطورات في حلب.
وقف إطلاق النار
البيان الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، ومكتب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، أكد أن “مسؤولية إحلال السلام في سوريا تقع على عاتق روسيا”، وأشار إلى أن مسؤولية إعادة إحياء المباحثات الدبلوماسية بخصوص وقف إطلاق النار في سوريا على خلفية الغارات الجوية الأخيرة، “تقع على عاتق الجانب الروسي”، وتطرق البيان إلى الهجوم الذي استهدف قافلة المساعدات الإنسانية – في بلدة أورم الكبرى بريف حلب – إضافة إلى تقارير متعلقة باستخدام القوات التابعة للنظام السوري للأسلحة الكيميائية في هجماتها ضد المعارضة.
واتهمت الأطراف الموقّعة على البيان، روسيا بـ”التغاضي عن هجمات نظام بشار الأسد في سوريا”، مشددة على أن موقفها (روسيا) هذا “يتناقض مع خطاباتها بخصوص دعم المباحثات الدبلوماسية الرامية لحل الأزمة”.
المساعدات الإنسانية
كما أكّد البيان المشترك على ضرورة “استعادة روسيا ثقة المجتمع الدولي بها عبر خطوات ملموسة استثنائية لوقف هجمات النظام السوري، الذي يقوّض مساعي وقف الحرب، من خلال قصف شعبه دون تمييز”، ودعا البيان موسكو إلى “التوجّه بعملياتها لمكافحة تنظيم داعش، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان إيصال المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة إلى العائلات السورية المحتاجة في الداخل، بشكل عاجل”.
مقتل 323 مدنيًا وإصابة 1334
وكشفت مصادر بالدفاع المدني بسوريا، مقتل 323 مدنيًا وإصابة 1334 آخرين، جراء قصف جوي شنّه طيران النظام السوري والمقاتلات الروسية، خلال الأيام الستة الماضية، على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في مدينة حلب.
ومنذ 19 أيلول/ سبتمبر الجاري، كثّف النظام السوري وحلفاؤه هجماتهم على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين في القسم الخاضع لسيطرة المعارضة السورية المعتدلة بمحافظة حلب، ما أسفر عن مقتل 323 مدنيًا وجرح ألف و334 آخرين.
روسيا بدعمها لنظام بشار تستغل الاستعدادات للانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، ونتخاب رئيس الجديد للبلاد، وتحول أن تحسم الأمر في الملف السوري، وتضع الرئيس الأمريكي الجديد أمام الأمر الواقع.
الملف السوري والرئيس الأمريكي القادم
وقالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن هناك ثلاثة أسباب، تجعل من الملف السوري أشبه بصداع للرئيس الأمريكي المقبل، فيما يتعلق بالطريقة التي سيتعامل بها في هذا الشأن؛ أولاً أن سوريا تعتبر نقطة انطلاق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقاعدة تبدأ منه هجمات في دول المنطقة والعالم، حيث 140 هجومًا في المنطقة والعالم يتحمل التنظيم مسؤوليتها بشكل مباشر أو أن منفذ الهجوم استلهم خطته من التنظيم.
ثانيًا: أن العالم لا يمكنه تحديد مصير بشار الأسد، حيث تعتبره الولايات المتحدة ديكتاتورًا عنيفًا قام بقتل مئات الآلاف من أبناء شعبه ويريدون أن يخرج، في حين تريد روسيا وإيران أن يبقى على رأس السلطة، وبين هذا الطرف وذاك أدت الحرب السورية لأزمة إنسانية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
ثالثًا: ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا، وأن التقسيمات التي أوجدت داخل سوريا وبدأت تفصل المناطق عن بعضها البعض على أسس دينية وطائفية تهدد بتفكيك المنطقة بشكل عام.
عبداللطيف التريكي
التقرير