منذ 24 أغسطس الماضي، لا تزال العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في شمال سوريا تحت مسمى «درع الفرات» تواصل تقدمها. أعلن الجانب التركي بشكل صريح عن أن التدخل العسكري موجه ضد «داعش»، وللحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع تقسيمها، في إشارة إلى وقف التمدد العسكري لميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.
إستطاعت العملية العسكرية التركية التي أُطلقت لدعم قوات الجيش الحر تحرير منطقة تبلغ مساحتها 900 كلم من أيدي «داعش» وتطهيرها تماماً من الإرهابيين خلال شهر واحد تقريبا. خسرت تركيا حتى الآن دبابتين وعشرة جنود، فيما خسر الجيش الحر 13 مقاتلاً من صفوفه، وعلى الرغم من هذه الخسائر والتكاليف، إلا أن ما تم إنجازه حتى الآن يبدو ممتازاً لناحية المساحة والوقت.
الرئيس التركي كان قد أعلن بأن قوات بلاده المسلحة تحضر للتمدد جنوباً، وأنها لن تتوقف إلا عند إزالة التهديد الموجود في المناطق المحاذية للحدود داخل سوريا، حيث يتم التحضير الآن بشكل حثيث لدخول مدينة الباب، وقد أعلن أردوغان قبل حوالي 10 أيام عن أنهم يسعون إلى تطهير منطقة تبلغ مساحتها قرابة 5000 كلم مربع.
إذا ما اعتبرنا أن وتيرة العمليات العسكرية التركية ستجري بنفس الإيقاع الذي جرت عليه خلال الفترة الماضية، فهذا يعني أن تحقيق هذا الهدف سيتطلب على الأقل 6 أشهر أخرى في حال سارت كل الأمور على ما يرام. لكن طبيعة التطورات الجارية في المنطقة الشمالية ناهيك عن الوضع العام في سوريا يشير إلى أنها لن تكون قصيرة الأمد، وأنها ستواجه المزيد من الصعوبات والعراقيل في المرحلة اللاحقة.
هناك مصاعب تتعلق بمواجهة أعداد أكبر من مقاتلي «داعش»، فمعركة الباب قد لا تكون بنفس سهولة معركة جرابلس، أضف إلى ذلك المخاطر الناجمة عن الجماعات المتطرفة التي تصف نفسها بأنها إسلامية، والتي بدأت مؤخرا بإصدار فتاوى لتحريم القتال إلى جانب الجيش التركي، والتي قد تنقلب في مرحلة لاحقة إلى فتاوى لقتال الجيش التركي نفسه.
هناك تحدٍ مرتبط أيضا بميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لصالح مسلم، فعلى الرغم من أن تمدد هذه الميليشيات في الشمال بعد العملية العسكرية التركية كان قد توقف بشكل محدود، لا تزال الولايات المتحدة تقدم الدعم العسكري واللوجستي لها، وقد أشار الرئيس التركي إلى أن إدارة أوباما أرسلت شحنتين من الأسلحة على متن طائرتين الأسبوع الماضي إلى هذه الميليشيات، بما يمثله ذلك من تحدٍ للموقف التركي الذي يعتبر هذه الميليشيات إرهابية شأنها شأن «داعش» و»حزب العمال» الكردستاني. الخلاف مع الإدارة الأميركية لا يقف عند هذا الحد، إذ لا تزال الإدارة تعارض إقامة حظر جوي، وهو الأمر الذي ستكون المنطقة التي تعمل القوات التركية على تطهيرها بحاجة إليه بشكل مؤكد، كي لا تكون لاحقاً مسرحاً لعمليات النظام السوري وحلفائه. هناك مشكلة إضافية أيضاً للجانب التركي تكمن في كيفية التعامل مع التصعيد العسكري لروسيا في حلب تحديداً، إذ أن أي رد فعل علني غير محسوب لتركيا في هذا السياق قد يعقد عملية تطبيع العلاقات حديثة الولادة بين الطرفين، ويدخلهما في نزاعات ثنائية تعرقل العملية العسكرية، لكن سكوت تركيا في المقابل قد يفسره كثيرون على أنه إقرار بأمر واقع في أحسن الأحوال أو مساومة ثنائية في أفضلها.
علي حسين باكير
صحيفة العرب القطرية