تظهر البيانات الرسمية أن الاقتصاد الجزائري لم يحقق أي تغير نوعي في العام 2016، بل إنها تشير إلى أن الأزمات تفاقمت أكثر دون أن يلوح أي ضوء في نهاية النفق.
وتراجعت الصادرات غير النفطية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2016 إلى أقل من 300 مليون دولار، وهو رقم رمزي يجعل الجزائر رهينة عائدات النفط بنسبة تصل إلى 100 بالمئة، الأمر الذي يؤكد فشل الحكومات المتعاقبة في التحرر التدريجي من تبعية النفط.
وتواصل عجز الحكومة في تعزيز القطاعات الأخرى مثل صناعة الألمنيوم ومواد البناء والصناعة الميكانيكية وموارد المناجم، التي لم تتمكن حتى الآن من دخول الأسواق العالمية.
كما راوح قطاع الزراعة مكانه ولم يتمكن من تعزيز الأمن الغذائي، وفشلت السياحة في استحداث وجهات داخلية لاستقطاب السياح المحليين فضلا عن السياح الأجانب.
وتشير إحصائيات رسمية إلى استيراد الجزائر لأكثر من 13 مليون طن من القمح، ومغادرة حوالي 3 ملايين سائح جزائري إلى مختلف الدول العربية والغربية خلال الصيف الماضي لقضاء إجازاتهم السنوية.
وأقر وزير السياحة عبدالوهاب نوري بأن “السياحة لا تزال بعيدة عن أداء دورها في صنع الثروة وتحقيق مواطن الشغل، وأن الإمكانيات الحالية لا تسمح حتى باستقبال مليون سائح”، وهو ما أكدته طوابير الجزائريين أمام المعابر الحدودية مع تونس، التي تستقطب سنويا زهاء مليوني جزائري.
وكان الخبير الزراعي عيسى منصور، قد أكد لـ“العرب” أن الضجة التي رافقت ظهور بعض المواد الزراعية الجزائرية في الأسواق العربية والأوروبية، لا تعكس تحولا حقيقيا في الإنتاج الزراعي للبلاد، لأن مداخيلها لم تتعد حدود المليون دولار.
وأوضح أن الحكومة عجزت حتى الآن عن إيجاد بدائل حقيقية لإيرادات النفط، وأن النموذج الاقتصادي الجديد، لم تظهر له آثار طيلة العام 2016 رغم محاولات الاستعانة بالخبرات الأوروبية والأميركية في استحداث نموذج زراعي.
عيسى منصور: استيراد نماذج زراعية من أميركا وأوروبا قد يقلل التبعية الغذائية للخارج
وقال إن “الفارق هو أن البلاد ستصبح تابعة للداخل بعدما كانت تابعة للخارج، لأن الشركات الزراعية القادمة ستبحث عن مصالحها وعن نفوذها، وسيتم القضاء على المزارع الجزائري، وسيبقى القرار الغذائي في قبضة الشركات الزراعية”.
وشهدت الجزائر، التي تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في استيراد واستهلاك الحليب، خلال الأسابيع الماضية أزمة حادة في مادة حليب الأكياس، بسبب إقدام الحكومة على تقليص كثافة مسحوق الحليب بدعوى محاربة التبذير، ما أثار جدلا واسعا حول الأمن الغذائي.
ورغم التوصل إلى اتفاقات مع شركات رينو ومرسيدس وفولكس فاغن وهيونداي، لإقامة مصانع سيارات في الجزائر، إلا أنها لا تزال تعمل على تطوير إمداداتها من المواد الأولية مثل الألمنيوم، ما عرقل وعود الحكومة بالتحول إلى تصدير السيارات هذا العام.
وتواصل تراجع الاحتياطات المالية، بعد ارتفاع فاتورة الواردات إلى 60 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل جميع إيرادات النفط رغم محاولات ترشيد الواردات، كما انعكس ذلك على تدهور مداخيل الخزينة العمومية نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي.
ويرى الخبير المالي فرحات آيت علي، أن المخطط الحكومي لم يحترم دورة الاقتصاد، ولجأ إلى الحلول السهلة وغير الواقعية في ظل غياب الإنتاج المحلي وبروز اختلالات كبيرة بينها الفشل في تغطية عجز الموازنة.
ورغم وعود الحكومة بالتحرر من تبعية النفط من خلال النموذج الاقتصادي الجديد 2015 – 2019 ومنع نزول الاحتياطات المالية عن سقف 100 مليار دولار، فإن اللجوء لصندوق ضبط الإيرادات لتغطية عجز الموازنة، سيقضي على مدخراته المقدرة بنحو 17 مليار دولار خلال العام القادم.
واستندت موازنة 2016 إلى سعر 37 دولارا لبرميل النفط وحزمة من الإجراءات التقشفية لتقليص الدعم الحكومي للسلع الأساسية وزيادة الضرائب ورسوم الخدمات، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود والكهرباء والماء وإلغاء وتجميد بعض المشروعات الاستثمارية.
ويرى وزير الطاقة السابق شكيب خليل، أن الجزائر مجبرة على إجراء إصلاحات جذرية للمنظومة المصرفية والدبلوماسية الاقتصادية، التي تتطلب تضحيات قاسية لتحقيق النهوض الاقتصادي، في إشارة إلى انسحاب الحكومة من برنامج الدعم الاجتماعي الذي أثقل كاهل الموازنة.
واشترط خلال محاضرة في جامعة البويرة “وجود إرادة سياسية لتنفيذ قطيعة مع النظام الاقتصادي السائد، وتفعيل العلاقات الأفريقية وإعادة النظر في بعض التشريعات والشراكات الأجنبية بحجة الحفاظ على السيادة الوطنية”.
وشكل منتدى الاستثمار والأعمال في أفريقيا الذي عقد في العاصمة مطلع الشهر الجاري، توجها جديدا للحكومة يقوم على تشجيع الاستثمار والتبادل داخل أفريقيا، على غرار النماذج اليابانية والفرنسية
العرب اللندنية