الموصل (العراق) – حقّقت القوات العراقية تقّدما ملحوظا في حملة مدينة الموصل من تنظيم داعش مقتربة من استكمال السيطرة على القسم الواقع شرق نهر دجلة من المدينة، رغم أن ما تحقّق يظلّ بعيدا عن الحسم السريع الذي كانت حكومة بغداد قد وعدت به عند إطلاق الحملة قبل ثلاثة أشهر.
ولا يخلو بطء الحملة والتأخّر في حسمها من تبعات أمنية وإنسانية، حيث يؤكّد خبراء الشؤون الأمنية أنّ تنظيم داعش الموقن من الهزيمة، رغم استماتته في الحفاظ على مواقعه في الموصل لأطول فترة ممكنة، تمكّن منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي، تاريخ إطلاق حملة “قادمون يا نينوى”، من إعادة ترتيب أوراقه، ليس في المحافظة المذكورة وحدها، ولكن في عموم مواضع نشاطه بالعراق، إذ استكمل تحويل قواته المسيطرة سابقا على الأراضي إلى مجموعات وخلايا صغيرة، وصرف اهتمامه من القتال على الجبهات إلى تنفيذ الاقتحامات المفاجئة مثل ما أقدم عليه مؤخرا في سامراء وبيجي من محافظة صلاح الدين، وإلى التفجير بالمدن على غرار ما حدث مؤخرا بشكل متكرّر في العاصمة بغداد.
أمّا إنسانيا فتعني إطالة المعركة، إطالة معاناة أهالي الموصل وتعرّضهم للمخاطر، سواء منهم من تمكّن من مغادرة المدينة إلى مخيمات النزوح التي تفتقر لأدنى مقوّمات العيش، أو من ظّل منهم محاصرا داخل الأحياء السكنية معرّضا لنيران القتال بين القوات العراقية وداعش وأيضا لتنكيل التنظيم المتشدّد الذي يحرص على استبقاء أكبر عدد من المدنيين ليتّخذ منهم دروعا بشرية.
دعت النائبة بالبرلمان العراقي عن محافظة نينوى انتصار الجبوري، الثلاثاء، للتصويت على جعل الموصل مدينة منكوبة، قائلة في مؤتمر صحافي عقدته بمبنى مجلس النواب إنّ “الخطر والخوف ونقص المستلزمات وقلة الحيلة، دفعت أهالي الموصل إلى دفن موتاهم في حدائق وممرات منازلهم، فيما يظل آخرون تحت أنقاض المنازل التي هدمت فوقهم”، مضيفة “لم يبق أحد من أهالي نينوى إلا ونال نصيبه من العناء”. وتحقق القوات العراقية إنجازات عسكرية ملموسة في المحاور الثلاثة الرئيسية للساحل الأيسر من الموصل (الضفة الشرقية لدجلة)، فيما يبدو الحسم قريبا في كامل الشريط الشرقي المحاذي للنهر.
ووفقا لمصادر استخبارية، فإن العمليات الانتحارية التي يعتمد عليها داعش في دفاعه عن الساحل الأيسر من الموصل، تفقد تأثيرها، بعد استعادة حي المثنى الذي أعاق حركة عناصر التنظيم في الأحياء المحيطة، وكشف حركة المركبات المفخخة التي يجري الدفع بها نحو مواقع القوات العراقية، ما أجبر التنظيم على اتباع استراتيجية الكمائن والهجمات الصغيرة على القوات العراقية، على غرار ما حدث خلال اليومين الماضيين في أحياء المالية والضباط.
وتقول المصادر، لـصحيفة “العرب” إن السيطرة على الجسر الرابع، حولت الأحياء الواقعة إلى الجنوب منه، إلى مناطق قاتلة لعناصر داعش، الذين باتوا محاصرين، وليس لديهم مجال للحركة إلا نحو النهر، في ظل التقدم الملحوظ للشرطة الاتحادية من جنوب الموصل.
وتترقب القوات العراقية اللحظة التي يتخذ فيها تنظيم داعش قرار عبور نهر دجلة نحو الساحل الأيمن، والتي يمكن أن تتحول إلى “حفلة لصيد الإرهابيين”، على حد تعبير ضابط كبير في جهاز مكافحة الإرهاب. ويقول الضابط، إن “عمر عناصر داعش في الساحل الأيسر يتناقص كل لحظة، وعبور عناصره إلى الساحل الأيمن يتيح لنا فرصة القضاء على الجزء الأكبر منهم، وهو حدث سينعكس سلبا على معنويات باقي عناصر التنظيم في المواقع القتالية الأخرى من الموصل”.
وتقول المصادر، إن التنظيم حاول استخدام الجسر الخامس لإرسال الدعم إلى الساحل الأيسر، ولكن نيران طائرات التحالف الدولي تكفلت بقطع معظم خطوط الإمداد.
ويلجأ داعش إلى استخدام رافعات عند النقاط المدمرة في الجسر الخامس، لنقل العربات المفخخة من الساحل الأيمن إلى الأيسر، وهو إجراء يقابل بحذر بالغ من قبل طيران التحالف الدولي، نظرا لاستخدام المدنيين المستمر لهذه النقاط، من أجل التنقل بين ضفتي المدينة.
وتؤكد مصادر محلية لـ”العرب” أن أعداد عناصر داعش بدأت بالانخفاض في الساحل الأيسر، ولم يعد التنظيم قادرا على إرسال مقاتلين إلى هناك، تحسبا لزحف محتمل للقوات العراقية من جهة جنوب الموصل نحو الأحياء الغربية، في وقت يعاني فيه التنظيم من نقص في التمويل انعكس على مدفوعاته المالية لعناصره.
وقالت المصادر إن التنظيم خسر عددا من أبرز قادته الميدانيين، في الموصل، خلال الأيام القليلة الماضية، بفعل غارات جوية دقيقة، وهو ما يلحظه السكان في عمليات تشييع جماعية يقوم بها التنظيم، لعدد من قتلاه، بشكل يومي. ولا يستبعد مراقبون خيار انسحاب التنظيم نحو الأراضي السورية، في حال تطورت عمليات القصف في الساحل الأيمن، إلى إنزالات جوية، لإنشاء رؤوس جسور، على الضفة الغربية لنهر دجلة.
وبفعل مشورة أميركية، نجحت القوات العراقية في الالتفاف على العديد من المواقع التي يحصنها تنظيم داعش في الساحل الأيسر، إذ خرجت أحياء كاملة من المعركة، دون قتال، على غرار ما جرى في أحياء دوميز وفلسطين وسومر، ليقع عناصر داعش هناك، في الأسر.
العرب اللندنية