زيارة الموصل… سياسة الكاظمي الصادقة في حب العراق

زيارة الموصل… سياسة الكاظمي الصادقة في حب العراق

تحدد مفهوم القيادة الميدانية وفق رؤية دقيقة وأفكار نيرة وأهداف واضحة وقيم ثابتة تشكل مبادئ راسخة في العقل القيادي عندما يسعى المسؤول المباشر على أن يكون جزءا فعالا من عملية التغيير الشامل والنهوض بواقع البلاد وقريب من امال وتطلعات الشعب بفهم وإدراك لأهمية التواصل الانساني مع الحاجيات التي تحقق للمواطن الحياة الحرة الكريمة، ولا يمكن تحقيق هذه الغايات إلا بتواجد فعلي وميداني على الأرض ولقاء مباشر يتم فيه الاستماع إلى المشاكل والأزمات والمعاناة الحقيقية التي يكابدها أبناء الشعب.
ضمن هذا الإطار الوجداني جاءت زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى مدينة الرماح مدينة الموصل التاريخية في ١٦ آب ٢٠٢١ وعقد جلسة لمجلس الوزراء فيها لتدارس مشاكل واحتياجات المحافظة واقضيتها ونواحيها إدراكا من الكاظمي للتاريخ الحضاري والمكانة الكبيرة والأهمية الاقتصادية التي تتمتع بها مدينة الموصل وللعمق الإنساني الوجداني الذي يحتوي أبناء المحافظة ومقدار الفعل الوطني والجهد الشعبي الذي قدموه في السفر الخالد لتاريخ العراق ومساهمتهم في عمليات البناء والأعمار والازدهار الذي شهدته البلاد في العقود والسنين الماضية .
تأتي أهمية الزيارة بعد معاناة كبيرة لأبناء محافظة نينوى وسنوات عجاف مرت عليهم بعد هيمنة عصابات داعش على مدينتهم وما رافقها من عمليات مواجهة عسكرية طالت البنية التحتية لمدينة الموصل من جسور ومستشفيات ومراكز صحية ومدارس ومباني حكومية ومصارف مالية وجوامع وكنائس وملاعب واستشهاد الآلاف من أبنائها وتهديم دورهم وحرق مزارعهم وتدمير اسواقهم .
أعطت الزيارة بعدا انسانيا تمثل في اللقاء الشعبي للسيد الكاظمي بعدد من أبناء المدينة في أسواقهم وميادينهم العامة والحضور الميداني في المدينة القديمة بالساحل الأيمن الذي كان عاطفيا وديا أفصح عن مدى الرؤية الإنسانية التي يمتلكها رئيس الوزراء وحرصه على معاينة أماكن الحدث مباشرة ومشاهدة مدى التدمير الهائل في البنية الاجتماعية والسكانية والخدمية لأهالي منطقة الساحل الأيمن.
حرص السيد الكاظمي على أن تكون زيارته ذات طابع شعبي جماهيري بعيد عن الاعداد الحكومي الذي تضعه رئاسة الوزراء وأشرف شخصيا على برنامج الزيارة وقام بتحديد الأماكن والمواقع والاقضية التي تمثل النسيج الإجتماعي المترابط والذي تتصف به محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل حيث الوئام والمحبة والألفة بين جميع الأديان والقوميات والطوائف ولهذا شملت الزيارة عدة محاور وأعطت بعدا اجتماعيا تمكن خلالها السيد الكاظمي من اللقاء مع عدد من أبناء الطائفة الايزيدية ووجهاء وعشائر قضاء سنجار مواسيا لهم مما تعرضوا اليه من ابادة جماعية على يد عصابات داعش الإرهابية مقدرا التضحيات الجسيمة التي قدموها واصفا إياها بأنها(ستبقى علامة مضيئة في سجل الوطنية العراقية ) واعدا اياهم بتنفيذ اتفاقية سنجار التي أرست أسس ودعائم عودة الأهالي إلى منازلهم وممارسة حياتهم اليومية بحماية القوات الأمنية الحكومية وتقديم الخدمات لهم من قبل المؤسسات والوزارات العراقية .
كانت الإلتفاتة الرائعة في الفهم لطبيعة العلاقة الوثقى التي تربط أبناء مدينة الموصل من المسلمين والمسيحيين، بحضور السيد رئيس الوزراء إلى جامع النوري وأبعاده التاريخية والدينية وما يمثله من مكانة كبيرة في نفوس وحياة المواطنين وأشار إلى أن ما حدث من تدمير وتفجير لمأذنة الجامع وبنايته شكل حالة (ألم وحرقة في نفوس العراقيين ) وبعبارات إنسانية لامست قلوب الجميع قائلا (ستملأ اصوات الأذان جميع ضواحي جامع النوري وستعود الابتسامة إلى أهالي المدينة وسيبقى الجامع معلما تاريخيا أصيلا ) .
ثم كانت الوجهة حيث بيت المحبة والسلام والحضور في كنيسة الطاهرة أكبر كنائس العراق والشرق الأوسط لها دلالاتها المعنوية وعمقها التاريخي الذي يرسم ملامح الاخوة الصادقة بين المسلمين والمسيحيين من أبناء الموصل الكرام وهي من كانت الشاهد على محاولة الإرهاب بالعمل على تمزيق النسيج الإجتماعي الرصين لمحافظة نينوى والاعتداء على المسيحين أبناء العراق الأصلاء الذين ساهموا في الدفاع عن حياض الوطن وبعبارات أجاد فيها رئيس الوزراء عندما خاطبهم بقوله (ان كنيسة الطاهرة هي حصة كل العراقيين المحبين للسلام والأمن وانتم أهلنا شركاء اساسيون في الوطن ) .
حرص السيد الكاظمي على منح مدينة الموصل مكانتها وحقها في الاعمار والبناء وتشيد البنى التحتية وإقامة المشاريع التنموية وإعادة تشغيل المصانع والمعامل وبناء المجمعات السكنية وإعادة الحياة الطبيعية إلى رونقها فجاء حديثه إلى لجنة أعمار الموصل واضحا دقيقا ليؤكد بقوله (ليس وعودا بل تنفيذ) طالبا من اللجنة رسم خريطة شاملة لإعادة بناء المدينة كونها تمثل(موطن الثقافة والإبداع والعراقة وتحتاج إلى نهضة عراقية شاملة ) وأعطى كلامه دلالة واضحة لما يكنه السيد رئيس الوزراء من محبة وتقدير وعرفان لتاريخ وعطاء وتضحيات أبناء الموصل ومعرفته بالمزايا التي تتحلى بها هذه الموصل العربية العريقة موضحا بأنها(حلقة وصل مهمة في حركة التنقل العالمية لأهميتها التاريخية وموقعها الاستراتيجي ووسائل الاقتصاد الوطني الذي تمتلكه وأنها سلة خبر العراق وبوابة تجارة العراق الخارجية والداخلية ) .
شكلت هذه الزيارة عمقا انسانيا كبيرا وواقعا ميدانيا أفصح عن فهم دقيق لكيفية التعامل مع أبناء الشعب والقرب منهم والاستماع إليهم ومشاركتهم معاناتهم ومعرفة حاجياتهم والعمل على تذليل جميع الصعاب التي يعيشها أبناء المدينة وأعطت الزيارة مفهوما ميدانيا لقيادة الدولة وتواجد المسؤول مع شعبه ورسمت معالم حقيقية ومنحت درسا انسانيا لمن يريد أن يخدم شعبه ، فكانت الزيارة ذات حضور حقيقي انبثق من الاهتمام الذي يوليه السيد الكاظمي لمدينة الموصل ومعرفته بتاريخها وتضحيات أبنائها.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية