تحاول إيران استيعاب صدمة التغير الحاد في الخطاب الأميركي ضدها، مع صعود إدارة الرئيس دونالد ترامب، عبر تصعيد مقابل يتبنّاه حزب الله الشيعي اللبناني الذي عاود الهجوم على إسرائيل بعد سنوات من تبنّي سياسة الصمت الاستراتيجي التي توّجت بتوصل إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على تجميد برنامجها النووي.
واتخذ التصعيد الإيراني منحى غير مسبوق، بعد أن وصف حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله دونالد ترامب بـ”الأحمق”.
وتزامن التصعيد في لهجة إيران مع بدء الإدارة الأميركية حملة استهداف لشبكات تجارة المخدرات التي يستفيد منها حزب الله، كان آخرها فرض واشنطن عقوبات مالية على نائب الرئيس الفنزويلي طارق العيسمي الذي تتهمه واشنطن بدعم تجارة المخدرات، وتمويل حزب الله.
وقال مصدر مطلع في الضاحية الجنوبية في بيروت إن تصريحات نصرالله شديدة اللهجة ضد إسرائيل وترامب كانت تهدف إلى وضع “خطوط حمراء” لمنع أيّ عمل يشكل تهديدا ضد لبنان أو حزب الله.
وقال نصرالله الخميس إن ميليشياته قد تضرب المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة.
ووصفت أوساط لبنانية مطلعة تصريحات نصرالله بأنها محاولة إيرانية يائسة لمنع ترامب من بناء تحالف مع دول الخليج ضدها، ودفعه إلى التريث في قراره بإلغاء العمل بالاتفاق النووي، ما يعيدها إلى وضع سابق كان ينذر بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
ويعيش الحزب وضعا داخليا صعبا، خاصة بعد أن فقد أبرز قياداته العسكرية والمئات من مقاتليه المتمرسين بالحرب في سوريا، وباتت قدراته لا تسمح له بخوض أيّ مواجهة مع إسرائيل، فضلا عن استحالة أن يلجأ الحزب إلى مواجهة جديدة معها وهو ما يزال غارقا في المستنقع السوري. ويقلل مراقبون من فاعلية ورقة حزب الله بالنسبة إلى إيران، ويقولون إن ظروف حرب 2006 مع إسرائيل لن تكون هي الحاكمة في أيّ مواجهة مستقبلية بين الجانبين، خاصة أن الحزب الموالي لطهران فقد بريقه في محيطه العربي وصار ورقة من أوراق الصراع الطائفي في المنطقة.
ولا يهدف التصعيد في لهجة نصرالله ضد ترامب وإسرائيل إلى الدفاع عن إيران فقط، فهو ردة فعل على تجميد الولايات المتحدة الخميس لأموال طارق العيسمي، نائب الرئيس الفنزويلي، أحد أبرز المحسوبين على الحزب.
وتشير بعض التقارير إلى أن العيسمي من بين الأشخاص المسؤولين عن تجنيد الشباب الفنزويليين من أصول عربية لتدريبهم في معسكرات حزب الله في جنوب لبنان.
وقالت مصادر إن العيسمي ساعد خلال ترؤسه الوكالة الفنزويلية لمنح الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية خلال سنوات سابقة في تسهيل حصول عملاء الحزب على جوازات سفر فنزويلية.
وتسلط الخطوة الأميركية ضد المسؤول الفنزويلي البارز الضوء على حجم الاختراق الذي نجح الحزب في تحقيقه بين الجاليات من أصول عربية، وخاصة المنتسبين للمذهب الشيعي، ما ساعده على أن يتحول إلى تنظيم عابر للدول وليس حزبا لبنانيا كما يريد أن يقدّم نفسه.
وقال مراقبون إن وضع العيسمي على قائمة العقوبات الأميركية رسالة واضحة على أن إدارة ترامب لن تتساهل مع الحزب، وأنها ستتعامل معه ضمن خطة أشمل لاستهداف شبكات المنظمات والجماعات المتشددة مثل داعش والنصرة وجماعة الإخوان المسلمين التي تقترب واشنطن من تصنيفها كتنظيم إرهابي.
واعتبر المراقبون أن كشف واشنطن عن شبكات الحزب ليس جديدا، ففي العام 2016 قال تقرير لإدارة مكافحة المخدرات في واشنطن إن عائدات أنشطة الحزب في مجال المخدرات يتمّ استخدامها لتمويل شراء أسلحة لدعم مقاتلي الحزب الذين يحاربون في سوريا.
وقال جاك رايلي، نائب مدير في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية وقتها، إن “المخططات لتهريب المخدّرات وغسيل الأموال التي يستخدمها هذا الجهاز التابع لحزب الله يؤمّن تدفق العائدات المالية والأسلحة لمنظمة دولية إرهابية مسؤولة عن هجمات إرهابية مدمرة في جميع أنحاء العالم”.
وذكر التقرير أن جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله (يعرف بـ”باك”) أنشأ علاقات تجارية مع عصابات المخدرات في أميركا الجنوبية، المسؤولة عن توريد كميات كبيرة من الكوكايين إلى الأسواق الأوروبية والأميركية، وأن الذراع التجارية للحزب تقوم بعمليات غسيل مبالغ كبيرة من الأموال ضمن السوق السوداء.
صحيفة العرب اللندنية