يُشكّل مدخل (الاستمرارية والتغير) اقترابا جوهريًّا لفهم ديناميات الصراعات الراهنة في سوريا والعراق، فمنذ عقود – لا سيما مع اندلاع الحرب الأفغانية في القرن الماضي – تأسست المنظومةُ الجهادية على نمط شبه ثابت يكرس لفكرة العالمية، والتي تستدعي تكوين شبكات لتجنيد عناصر أجنبية تشارك في الصراع، وبالطبع تُضفي هذه الشبكات على الصراع “القدسية” الكفيلة باستقطاب عناصر تبحث عن خلاص دنيوي، على اعتبار أنهم في مهمة جهادية مقدسة، ولكن لم تكتفِ المنظومة الجهادية في تعاطيها مع الصراع السوري – الذي امتدت تداعياته إلى داخل العراق عبر تنظيم الدولة الإسلامية – باستدعاء الأنماط الثابتة المستقرة منذ مرحلة الجهاد الأفغاني؛ فقد حمل القتال داخل سوريا والعراق سمات للتغير مرتبطة بطبيعة الصراع وعناصره الفاعلة وبعده الطائفي، ناهيك عن التجديد في آليات الاستقطاب للعناصر الجهادية.
ومع تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا والعراق؛ تجددت المخاوف الغربية من إمكانية التعرض لموجة إرهابية جديدة يتسبب فيها المقاتلون العائدون من صراعات الشرق الأوسط. وهذه المخاوف كانت موضع اهتمام كلٍّ من دانيال بيمان وجيرمي شابيرو في دراستهما المنشورة من جانب معهد بروكينجز، وتتناول الدراسة المعنونة بـ”يجب الخوف.. ولكن الخوف بحدود: التهديد الإرهابي للمقاتلين الأجانب الغربيين في سوريا والعراق” التهديدات التي يشكلها المقاتلون الغربيون في سوريا والعراق على الدول الغربية بعد عودتهم من جبهات القتال. وتحلل الدراسة هذه التهديدات عبر مقاربة متوازنة، تضع الظاهرة في موضعها الطبيعي لتتجاوز معضِلَتَيْ المبالغة والتجاهل.
من القتال الخارجي إلى الإرهاب الداخلي:
حينما قام المواطن الفرنسي مهدي نيموش بإطلاق النار داخل المتحف اليهودي ببروكسل، ليقتل أربعة أشخاص في مايو 2014، أُثيرت تساؤلات حول المسارات التي أدت بنيموش -الذي قضى عامًا في القتال داخل سوريا- إلى تبني توجهات متطرفة، بدا معها الغرب أنه على مشارف جيل جديد من العناصر الراديكالية داخل بلدانه؛ فالإشكالية المركزية هنا أن التهديد لم يعد خارجيًّا، ولكنه كامن في مكونات المجتمع.
ويؤسس كلٌّ من بيمان وشابيرو دراستهما على نموذج تأصيلي يتتبع المسار الذي ينتهي بالمقاتل من مجرد مقاتل يشارك في ساحات القتال الخارجية إلى عنصر أكثر راديكالية، قد يصبح حلقة في شبكات إرهابية داخل المجتمعات الغربية. والأمر الذي يجب التنبه إليه عند التعرض للنموذج المطروح، هو أنه ليس مسارًا حتميَّ الاتجاه، فقد يحدث انقطاع في مرحلة ما من مراحله، ومن ثم يقتصر المقاتل على مشاركته الخارجية فقط، ويعود إلى دولته دون أن يحمل في مخيّلته محفزات ودوافع لنقل صراعات الخارج إلى الداخل.
يبدأ النموذج – الذي يستحضر حالة الجهاد الأفغاني إبان القرن المنصرم في تعاطيه مع الصراع الراهن في سوريا والعراق – بمرحلة اتخاذ القرار؛ حيث يقوم الفرد باتخاذ القرار بالمشاركة في القتال الخارجي، وفي هذا الصدد تتبلور مجموعةٌ من العوامل تكون بمثابة الدوافع الرئيسية للمشاركة في القتال، قد تكون هذه العوامل متمثلةً في رغبة النضال ضد غزاة أو أنظمة حكم ظالمة تقوم بقمع شعوب يشترك معها المقاتل الأجنبي في عقيدته الدينية، وثمة دافع آخر – بحسب الدراسة – يكمنُ في الطموح الشخصي لدى المقاتل بالانخراط في مغامرات جديدة، والتمرد على طبيعة الحياة التي يعيشها في وطنه؛ فالمقاتل هنا لا يكون بالضرورة مستندًا إلى رؤية لاهوتية للصراع.
في المرحلة الثانية، ينتقل المقاتل إلى ساحة القتال الخارجي؛ حيث إنه يقوم بإيجاد قنوات اتصال مع شبكات التجنيد المسئولة عن استقطاب عناصر جديدة للصراع، وعادةً ما تتكون هذه الشبكات من أصدقاء كانوا قد ذهبوا بالفعل إلى ساحة القتال. وتقوم هذه الشبكات بمهمتين رئيسيتين؛ فهي من جهة تختبر استعداد وقدرات وتوجهات الفرد الراغب في القتال، ومن جهة أخرى تُوفر هذه الشبكات للمقاتل المعلومات التي يحتاجها حول المسارات التي سيمر بها في طريقه إلى منطقة الصراع.
أثناء المرحلة الثالثة يتلقى المقاتلُ التدريبات اللازمة للمشاركة في العمليات الجهادية، وهذه التدريبات تحظى بأهميةٍ كبيرةٍ يُعبّر عنها توماس هيغهامر -مدير أبحاث الإرهاب بمؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية- بقوله: “إن معظم الجماعات الجهادية العابرة للحدود الوطنية اليوم هي نتاج عمليات التعبئة والحشد للمقاتلين الأجانب”. وتكرس معسكرات التدريب في المقاتلين الشعور بأهمية القتال، وتطوير قدراتهم العسكرية القتالية، مع التركيز على فكرة روح العمل الجماعي. والأمر الآخر الذي تركز عليه معسكرات التدريب، هو أنها تمنح للمقاتل الإطار الأيديولوجي المطلوب، وتُعيد تشكيل أفكار المقاتلين بما يخدم مصالح الشبكات الجهادية، وهكذا يُمكن أن تتزايد قابلية المقاتلين للأفكار الراديكالية، وبالتالي إمكانية معاداتهم لمجتمعاتهم.
وتتضمن المرحلة الرابعة عودة المقاتل إلى موطنه الأصلي، وكثيرًا ما يكتسب المقاتل العائد مكانةً هامةً في المجتمع؛ حيث يتم إضفاء صفات بطولية عليه، وبالتالي يصبح لديه ما يمكن وصفه “بمؤهلات الشارع”، وهو ما يعني منحه قدرة على التأثير في الآخرين يمكن توظيفها في زرع الأفكار المتطرفة في الآخرين، وتكوين شبكات لتوظيف المقاتلين تكفل تجدد الإمدادات البشرية لساحات القتال الخارجي. وفي المرحلة الأخيرة يشرع المقاتل في التدبير لعمليات إرهابية داخل دولته؛ حيث يحول المقاتل انتباهه من عملية القتال الخارجي إلى الداخل. وفي هذا السياق يتم الترويج لمقولات من قبيل “الظلم الداخلي للمسلمين”، “الإهانات ضد الرموز الإسلامية في الغرب”، “دعم الحكومات الغربية لأنظمة حكم استبدادية”، وذلك بهدف تبرير عمليات العنف داخل المجتمعات الغربية.
التهديد المحكوم:
تفضل التنظيمات الراديكالية داخل سوريا والعراق المقاتلين الأجانب لعدة أسباب منها، القوة البشرية، والتمويل الذي يُمكن أن يحضره المقاتل الأجنبي معه، فضلا عن رؤية بعض التنظيمات للمقاتلين الأجانب على أنهم مخزون هائل للعمليات الانتحارية، لا سيما أن بعض التقديرات عن عمليات التفجير الانتحاري أثناء ذروة الحرب الأهلية العراقية توضح أن النسبة الأكبر من هذه العمليات قام بها مقاتلون غربيون.
ويطرح بيمان وشابيرو مقاربةً من الجائز وصفها بـ”التهديد المحكوم” عند تناولهما ظاهرة المقاتلين الغربيين في سوريا والعراق، والتهديدات المرتبطة بهذه الظاهرة للدول الغربية. فوفقًا لهذه المقاربة توجد عوامل تخفف من حدة التهديدات التي يشكلها المقاتلون الأجانب، كما توجد عوامل دافعة لتعزيز هذه التهديدات، والتي تلخصها الدراسة في الآتي:
أولا- تزايد أعداد المقاتلين الأجانب داخل سوريا والعراق، فوفقًا لتقديرات الإدارة الأمريكية (في سبتمبر الماضي) تدفق على سوريا والعراق ما يتراوح بين 12 ألفًا و15 ألف مقاتل أجنبي، منتمين إلى 80 دولة، ويمثل المقاتلون من أوروبا وأمريكا الشمالية نسبة تتراوح بين 15% إلى 25% من إجمالي المقاتلين، أما أغلبية المقاتلين فهم قادمون من دول عربية وإسلامية.
وتأسيسًا على مقولة الخبير البريطاني بيتر نيومان peter Neumann بأن “سوريا تُعد أكبر جبهة لحشد الإسلاميين والجهاديين خلال العشرين سنة الماضية على أقل تقدير”؛ تفترض الدراسة أن التدفق الهائل للمقاتلين الأجانب ارتبط بتطورات الصراع داخل سوريا وعدم حسمه، فضلا عن امتدادات الصراع داخل العراق، ليشهد الصراع السوري بذلك أسرع عملية حشد لمقاتلين أجانب -لا سيما من الغرب- في تاريخ الحركة الجهادية المعاصرة، ومن المتوقع أن تتزايد الأعدادُ في الفترة المقبلة في ضوء عدم تسوية الصراع. ومن هذا المنطلق من المحتمل أن تتزايد التهديدات التي يُشكلها هؤلاء المقاتلون عند عودتهم إلى بلدانهم في الغرب؛ حيث يعتقد العديدُ من المسئولين الغربيين أن ثمة علاقة طردية بين أعداد المقاتلين واحتمالات تعرض أمن العالم الغربي للتهديد.
ثانيًا- سهولة الانتقال إلى ساحة القتال، وهو أمر يختلف تمامًا عن الحالات الماضية، سواء في أفغانستان أو العراق بعد الغزو الأمريكي، ففي حالة أفغانستان كان يتعين على المقاتلين القادمين من أوروبا والولايات المتحدة المرور عبر باكستان أو إيران وهي عملية تكتنفها مخاطر عديدة، فضلا عن تكلفتها الباهظة، أما في حالة العراق فقد تكون عملية الانتقال أسهل، ولكنها أيضًا قد تتعرض لبعض العراقيل أثناء المرور من الدول العربية المجاورة أو عبر الأراضي الكردية. بيد أن الوضع في سوريا يختلف بشكل كبير، فالمقاتلون الغربيون يمكنهم الانتقال بشكل أيسر إلى هناك عبر الحدود التركية السورية الممتدة؛ إذ إن تركيا لا تطلب تأشيرةً من المسافرين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني إمكانية الدخول إلى الأراضي التركية بتكلفة منخفضة وبشكل يسير ضمن ملايين السائحين القادمين من أوروبا.
ثالثًا- الاعتماد على منظومة معقدة من المحفزات، فالصراع داخل سوريا -وفقًا للدراسة- يُظهر تنوعًا في دوافع المقاتلين الغربيين. فالكثير منهم ذهبوا بالأساس إلى سوريا من أجل الدفاع عن الشعب السوري ضد عنف النظام الحاكم (وليس ضد غزو خارجي مثلما كان الأمر في أفغانستان)، بينما كان القليل منهم لديه التزام أيديولوجي بفكرة الجهاد العالمي منذ بداية انخراطه في الصراع (وهذا لا ينفي أن الأمر اختلف فيما بعد). ثمة دافع آخر كان له حضور واضح في عملية تجنيد المقاتلين الغربيين، وهو ذلك المرتبط بالبعد الأُخروي، والبحث عن “فكرة الخلاص”، خاصةً مع توصيف الحرب في سوريا على أنها حرب نهاية التاريخ بين قوى الخير والشر. وفي خضم هذه المُعطيات دخلت على الصراع صبغة طائفية، وتم تصوير الصراع على أنه صراع سني شيعي، وبالطبع هذه الدلالات عززت من مخاوف الحكومات الغربية.
رابعًا- العلاقات مع شبكات متنوعة، إلى جانب الشبكات التي يكوّنها المقاتلون ذوو الجنسية الواحدة؛ فالصراع الدائر في سوريا يوفر للمقاتلين الغربيين فرصةً مواتيةً للاحتكاك بالشبكات الجهادية المنتشرة هناك. فهم يجدون هناك تنظيم القاعدة وجبهة النصرة المرتبطة به، كما يجدون تنظيم الدولة الإسلامية ذا النفوذ المتنامي داخل سوريا والعراق. وبالرغم من تواجد تنظيمات أخرى داخل جبهة المعارضة السورية، فإن التنظيمات الجهادية هناك تظل نقطة الجذب الرئيسية، وينضم أغلب المقاتلين الغربيين لصفوفها، ويُعد تنظيم الدولة الإسلامية النموذج الأهم في هذا الإطار، وذلك لعدة اعتبارات من أهمها: استمرار تقدم التنظيم على الأرض بصورة تُثير إعجاب الكثير من المقاتلين الغربيين الشباب، وتجعلهم أكثر إقبالا على الانضمام لصفوف التنظيم، كما أن التنظيم يدفع رواتب أكبر، بالإضافة إلى الاحتياج الدائم لعناصر جديدة، وهذا ما يجعل التنظيم أكثر انفتاحًا على المقاتلين الغربيين.
خامسًا- وسائل الإعلام الجديدة؛ إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي (مثل: الفيس بوك، وتويتر، واليوتيوب) باتت منصة رئيسية يتم من خلالها الترويج للأفكار الجهادية، وعبرها تتم عملية الحشد للمقاتلين الغربيين، كما أن هذه المواقع توفر المعلومات المطلوبة عن العمليات القتالية في سوريا والعراق، والمسارات التي يُمكن من خلالها الوصول إلى مناطق الصراع، علاوةً على نشر التنظيمات الراديكالية كتنظيم الدولة الإسلامية للفيديوهات الخاصة بالعمليات المنفذة على هذه المواقع كوسيلة يمكن من خلالها الترويج لقدارت التنظيم، وبالتالي جذب المزيد من المقاتلين الأجانب.
عوامل تقلل حدة التهديد
وبعيدًا عن هذه العوامل المحفزة للتهديدات؛ فإن ثمة عوامل أخرى تخفف من حدة التهديدات التي يشكلها المقاتلون العائدون إلى المجتمعات الغربية، وتضع حدًّا للمبالغة والتضخيم في الاقتراب من ظاهرة المقاتلين الغربيين، وتتمثل أهم هذه العوامل في الآتي:
أولا- الشعور بالعداء للغرب: وهو أمر يتسم بدرجة كبيرة من التفاوت بين المقاتلين الغربيين المشاركين في سوريا والعراق، فالبعض منهم ينخرط في الصراع هناك وتكون لديهم مشاعر عداء تجاه الغرب، بينما آخرون لا تكون لديهم مثل هذه المشاعر، ولا يؤدي اشتراكهم في الصراع إلى اكتسابهم مثل هذه المشاعر. ومن ثمَّ لا يُمكن بأي حال إصدار تعميم يختزل كل المقاتلين الغربيين في مجموعة واحدة ستعود إلى مجتمعاتها لتنفيذ عمليات عدائية، حتى التاريخ يُمكنه أن يعضد هذه الفرضية؛ فأغلب المقاتلين الذين ذهبوا إلى ساحات الجهاد الخارجية، لم يعودوا بمشاعر عدائية للغرب، وكما يذكر توماس هيغهامر، فإن “من ضمن تسعة أشخاص يقاتلون في الخارج، يوجد شخص واحد فقط يعود للغرب بنية تنفيذ عمليات إرهابية داخل مجتمعه”.
وبالرغم من ذلك، فإن ثمة إشكالية متصلة بالتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية والعمليات العسكرية المستمرة ضد معاقل التنظيم، حيث إن استمرار هذه العمليات قد يُعزز من شعور العداء تجاه الغرب في صفوف المقاتلين الغربيين؛ ففي مثل هذا السياق يُمكن ترسيخ صورة ذهنية لدى المقاتل بأن الغرب هو الآخر يشن حربًا ضده.
ثانيًا- الاقتتال الداخلي بين التنظيمات: وهو عامل يقوض من الصورة المثالية للجهاد داخل سوريا، فقد شهدت سوريا حالات قتال داخل قوى المعارضة، ولعل نموذج القتال بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية النموذج الأشهر في هذا الإطار، وتأسيسًا على هذا النموذج، يصبح المقاتل الغربي في وضع غير مستقر، وتتراجع حوافزه للجهاد داخل سوريا أو العراق، لا سيما مع الظروف القاسية التي يمر بها المقاتل هناك.
ويتعرض العديد من المقاتلين الغربيين للقتل في ساحات الصراع بسوريا والعراق، وخاصة مع تضاؤل الخبرات القتالية لأغلب المقاتلين الغربيين، فثمة تقديرات بأن نحو 20% من الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق لقوا مصرعهم، وهذه النسبة معرضة للزيادة مع استمرار الصراع السوري، وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض المقاتلين الذين يبقون على قيد الحياة قد لا يعودون مجددًا إلى الغرب، إما بسبب خوفهم من الاعتقال، أو بحثًا عن ساحات جديدة للجهاد، وهذا يُقلل من حدة التهديدات المحتملة للمجتمعات الغربية.
ثالثًا- نوعية التدريب: توضح الخبرة التاريخية من الجهاد الأفغاني أن المقاتلين الغربيين لم يصبحوا تهديدًا لبلدانهم أثناء الحرب ضد القوات السوفيتية، أو حتى أثناء الحرب الأهلية الأفغانية، فالتدريب المقدم إليهم حينها كان مقتصرًا على حرب العصابات واستخدام الأسلحة الصغيرة، أما تكتيكات ومتطلبات تنفيذ العمليات الإرهابية فبدأ التدريب عليها بشكل كبير بعد استقرار الأوضاع لحركة طالبان، وبزوغ تنظيم القاعدة ومعسكرات التدريب التابعة له. ولا يختلف الأمر بالنسبة للصراع السوري الراهن، فالمقاتل في الغالب يتلقى التدريبات على حرب العصابات ومواجهة القوات النظامية دون أن يتلقى التكتيكات اللازمة لتنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة في الغرب.
رابعًا- دور الأجهزة الأمنية: فقد اكتسبت الدول الغربية خبرات كبيرة من الصراعات الماضية التي أسفرت عن التعرض لهجمات إرهابية مؤثرة كان أهمها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن هذا المنطلق يتزايد اهتمام الأجهزة الأمنية الغربية برصد أنشطة المقاتلين المتواجدين بسوريا والعراق، ويتم الحصول على معلومات بخصوصهم من مصادر متعددة، منها -على سبيل المثال- المجتمعات المحلية التي ينتمون إليها؛ حيث يسهل ملاحظة غيابهم، فضلا عن الدور الذي تقوم بها وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن هوية المقاتلين، وتوفير معلومات مطلوبة للأجهزة الأمنية.
وتُشير الدراسةُ إلى أهمية تدخل الأجهزة الأمنية الغربية بشكل مبكر لعرقلة عمليات التجنيد. وتقوم الحكومة الدنماركية بمثل هذا الجهد من خلال برنامج ممتد للحوار مع المتطوعين المحتمل ذهابهم إلى سوريا، ويُركز البرنامج على مخاطر القتال في سوريا، واستدعاء نماذج الاقتتال الداخلي بين الشبكات الجهادية، وطرح بدائل أخرى سلمية لمساعدة الشعب السوري.
وفي المراحل التالية من الاستقطاب، وعقب خروج المقاتل من دولته، ينبغي أن تُضيّق الحكومات الغربية على مسارات السفر إلى سوريا، وذلك من خلال التنسيق المستمر مع تركيا على اعتبار أنها المعبر الرئيسي إلى سوريا. ومع عودة المقاتلين إلى مجتمعاتهم، يتعين أن تقوم الأجهزة الأمنية بعملية فرز للعائدين، وتحديد من هم الأكثر خطورة، والبحث عن استراتيجيات متنوعة لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، دون استبعاد الخيارات الأمنية في التعامل مع العناصر التي تسعى لتنفيذ عمليات إرهابية داخل المجتمعات الغربية.
محمد بسيوني عبد الحليم / المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية