استفاقت إسطنبول أمس متثاقلة، بعد ليلة طويلة ساد فيها الترقب لمعرفة نتائج الاستفتاء وما تلاه من تظاهرات متفرقة، سواء للاحتفال بالفوز أو للتنديد بالنتائج بعد فرز الأصوات. حركة الشوارع بدت شبه طبيعية، إلا أن وجوه عابرين تعبر عن مزاج المدينة غداة خسارتها، وهي التي تقف على رأس قائمة المدن الكبرى التي صوتت بـ «لا»، تليها العاصمة أنقرة ثم مقاطعة إزمير الغربية.
أحياء صوتت بأكثريتها ضد التعديلات الدستورية، لم تفق بعد من صدمة الخسارة. العابرون والباعة والتجار كالهائمين على وجوههم يكتفون بالقليل من الكلام ويتفادون أي احتكاك. علماً أن كثيرين يترقبون وقوع مشكلات كثيرة في الشوارع، حيث كان لقرار منع تقديم المشروبات الكحولية يومَ الاستفتاء دور في خفض نسب الاستفزاز المتبادل والعراك بالأيدي.
بالأمس، كان ثمة وجوم يذكّر إلى حد بعيد بذكرى ما ساد صبيحة المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز (يوليو) الماضي. ولئن وحدت الصدمة آنذاك سكان المدينة وجمعتهم في خندق واحد ضد زعزعة الاستقرار وحمايةً للديموقراطية، عمقت صدمة الأمس الهوة بينهم، ورسمت حدودَ قطيعةٍ وسطهم، لما اعتبروه «انقلاباً ناعماً» عبر صناديق الاقتراع.
شوارع إسطنبول صامتة. الناس يحاولون فهم ما جرى، ويترقبون إمكان إعادة فرز الأصوات في بعض مراكز الاقتراع، بعدما أمضى بعض الأحياء ليلته على قرع الطناجر والملاعق من نوافذ المنازل، احتجاجاً على النتائج وتشويشاً لظهور الرئيس رجب طيب أردوغان على شاشات التلفزة. آخرون احتجوا عبر التلاعب بالأنوار في غرف جلوسهم ليتحول منظر مبان بأكملها إلى لعبة نور وظلام متلاحقة خلال الخطاب الرئاسي. وجابت أزقة الأحياء المعارضة مسيرات شبابية تهتف باسم «كمال باشا (أتاتورك)» وتقرع الطناجر والصحون.
ثمة شارع آخر يحتفل بفوزه ووصلت مواكبه السيارة إلى حدود تلك الأحياء ومحيط ساحة «تقسيم» ولكنه لم يدخلها. سيارات تصدح منها الموسيقى تحمل شباناً وفتيات يلوحون بالأعلام ويرفعون صور الرئيس، حتى إن بعضهم راح يطلق صيحات «تكبير» ليرد عليه الآخرون وبعض من في الشارع «الله أكبر».
ومن أسباب الصدمة أيضاً، أن حزب «العدالة والتنمية» كان قال بنفسه عن إسطنبول إن «من يفوز بغالبية الأصوات فيها يفوز في تركيا كلها»، لتأتي النتيجة عسكية على المستوى الوطني العام. علماً أن نسبة التصويت بـ «لا» في إسطنبول لم تكن كاسحة، فقد بلغت هامشاً ضئيلاً كهامش الاستفتاء هو 51.35 في المئة مقابل 48.65 في المئة صوتوا بـ «نعم».
وسجلت «بشيكتاش» أعلى نسبة من أصوات «لا» هي 83 في المئة، تتبعها منطقة كاديكوي (في الجانب الآسيوي، وهي تقليدياً معقل جمهوري) بنسبة 80.2 في المئة، ثم منطقة باكيركوي بنسبة 77.42 في المئة.
أكثر ما يلفت الانتباه ويستحق التوقف عنده، هو أصوات منطقة «أوسكودار» المحافظة تقليدياً، والتي فاز فيها حزب «العدالة والتنمية» وحزب الحركة الشعبية بـ 57.47 في المئة من الأصوات في انتخابات 2015، بينما لم تمنح التعديلات الدستورية أكثر من 46.8 في المئة من أصواتها المؤيدة.
بيسان الشيخ
صحيفة الحياة اللندنية