ثمة أعداد ضخمة من المقاتلين الأجانب والمتعاطفين الذين يتخلون حالياً عن “داعش” ويحاولون الدخول إلى تركيا، وقد انضم مواطنان بريطانيان وآخر أميركي على الأقل إلى هجرة تجعل صفوف المجموعة الإرهابية تتآكل.
سلّم ستيفان أريستيدو، من منطقة أنفيلد في شمال لندن، وزوجته البريطانية، وكاري بول كليمان، من فلوريدا الأميركية، أنفسهم مؤخراً لشرطة الحدود التركية بعد أكثر من عامين قضوها في مناطق “داعش”، وفق ما أكدته مصادر لصحيفة الغارديان.
وكان عشرات أخرى من المقاتلين الأجانب قد هربوا في الأسابيع الأخيرة، وألقي القبض على معظمهم بينما يحاولون اجتياز الحدود، تزامناً مع انهيار قدرة “داعش” على الاحتفاظ بالأرض في سورية والعراق. ويُعتقد أن البعض –الذين لا يعرف عددهم- استطاعوا تجنب الوقوع في قبضة السلطات وعبور الحدود إلى داخل تركيا.
وكان أريستيدو، الذي يعتقد بأنه في منتصف العشرينيات من عمره، قد استسلم عند نقطة عبور “كيليس” في جنوبي تركيا سوية مع زوجته -التي ذكر أنها امرأة بريطانية من أصل بنغالي- وكذلك كليمان الذي يبلغ من العمر 46 عاماً. وقد وصل الأميركي الحدود مع زوجة سورية وامرأتين مصريتين كان زوجاهما قد قتلا في سورية أو العراق، كما قال مسؤولون أتراك.
وقال أريستيدو إنه كان قد سافر إلى سورية للاستقرار هناك وليس للقتال. وقال المسؤولون إنه اعترف أقام في مدينتي الرقة والباب اللتين كانتا معقلين لتنظيم “داعش” حتى تمكنت قوات المعارضة السورية المدعومة تركيّاً من استعادة الباب في وقت سابق من هذا العام. وكان قد سُجل مفقوداً في شهر نيسان (أبريل) من العام 2015، بعد أن سافر إلى لارنكا في قبرص. وقال جيران له لصحيفة الغارديان أنه كان قد تحول إلى ارتداء اللباس الإسلامي قبل وقت قصير من اختفائه.
وقالت ناطقة بلسان مكتب الخارجية ورابطة الكومونولث في المملكة المتحدة: “إننا على تواصل مع السلطات التركية بعد اعتقال رجل بريطاني عند الحدود بين تركيا وسورية”. وذُكر أن السلطات التركية أفرجت عن المرأة البريطانية، مع أنها ما تزال تواجه اتهامات. ويسعى المدعون العامون في البلد إلى إصدار أحكام تتراوح بين سبع سنوات ونصف السنة و15 سنة على البريطاني والأميركي في حال تجريمهما.
من الممكن أن يواجه البريطاني تهماً إذا تم إبعاده إلى المملكة المتحدة أيضاً. ويشار إلى احتمال توجيه اتهامات، بموجب قانون الإرهاب، لأي مواطن من المملكة المتحدة يتم اعتقاله بسبب قتاله في صفوف “داعش”، حيث قد تصل العقوبة القصوى في حال ثبوت التهمة إلى السجن المؤبد. أما بالنسبة لأولئك العائدين من سورية أو العراق، فستنظر الشرطة تلقائياً في قضاياهم لتقدير حجم التهديد الذي قد يشكلونه، وماهية الجرائم التي ارتكبوها.
ووفق والدته فإن كليمان كان قد تحول للإسلام بعد طلاقه من زوجته وانتقل إلى مصر في العام 2011 حيث اقترن بزوجة مصرية. وبعد انهيار ذلك الزواج انتقل إلى دبي وتزوج زوجته الحالية وهي سورية. وكان لديهما ثلاثة أبناء وعمل كليمان في حقل تكنولوجيا المعلومات مع إحدى المدارس.
من جهتها قالت عائلة كليمان يوم الأربعاء إنه سافر إلى سورية مع عائلته في صيف العام 2015 للمساعدة في الجهود الإنسانية. وبعد وصوله إلى سورية، قال كليمان -وفقاً لوالدته- إنه أدرك أن المعلومات التي قادته هناك “كانت كلها هراء”، وإن وضعه أصبح مربكاً لعائلته. وقال أفراد عائلته أنه ظل في تواصل مع المسؤولين الأميركيين في تركيا، وأنه خطط للوصول إلى السفارة الأميركية هناك والعودة إلى الولايات المتحدة.
وقال أقارب إنهم نبهوا مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أنه قد يكون في خطر قبل حوالي 18 شهراً. واستناداً لما قالته شقيقته، بريندا كمينغز، التي أشارت إلى أنها “توافق تماماً” على تنبيههم، فإن عميلاً من مكتب التحقيقات الفدرالي قال لهم إن المكتب بحاجة لفحص ما إذا كليمان قد ارتكب أعمالاً سيئة.
من ناحية أخرى، أكدت مصادر من داخل “داعش” أن صفوف المجموعة في معقلها الأخير في سورية قد تقلصت بسرعة بعد وصول هجوم بري مضاد إلى الرقة وطبقة في شمال شرق البلد، حيث كان مقاتلون أجانب قد وضعوا هناك بشكل كبير خلال الأعوام الأربعة الماضية.
يقول مسؤولون في تركيا وأوروبا إن عدداً متزايداً من ناشطي “داعش”، والذين كانوا قد انضموا إلى المجموعة منذ العام 2013 اتصلوا مع سفاراتهم متطلعين إلى العودة. ويعتقد أن آخرين من الأكثر التزاماً من الناحية الأيديولوجية، يخططون لاستخدام ترك التنظيم للانتقال إلى تركيا ومن ثم السفر إلى أوروبا سعياً للانتقام، بسبب تقلص وانهيار “الخلافة”، مما يزيد المخاوف المتجددة من تنفيذ هجمات إرهابية في القارة للقارة الأوروبية.
ومن بين هؤلاء، كما تعتقد أجهزة استخبارات غربية، أعضاء مرموقون في ذراع العمليات الخارجية في المجموعة، والذين كانوا قد انضموا إلى “داعش” من عدة بلدان أوروبية، بما فيها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا -بالإضافة إلى أستراليا. ويعتقد أن ثمة 250 أجنبياً مدفوعاً أيديولوجياً على الأقل قد تم تهريبهم إلى أوروبا اعتباراً من أواخر العام 2014 وحتى أواسط العام 2016، حيث سافر معظمهم تقريباً عبر تركيا وتمكنوا من عبور الحدود التي أصبحت الآن معززة بقوة. وتدعي الشرطة التركية بأنها نفذت سلسلة من الاعتقالات في وقت سابق من هذا العام، والتي تقول إنها أفضت إلى قطع طرق التهريب التقليدية، بعضها عبر اليونان وأخرى عبر بلغاريا. ومع ذلك، يعتقد مسؤولو الاستخبارات في المنطقة بأن تلك الطرق ما تزال عاملة، على الرغم من الجهود المبذولة لإقفالها.
من جهته قال شيراز ماهر، نائب مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في كينغز كولج: “على أوروبا المحافظة على جهوزية حراستها. من المرجح أن يصبح التهديد أكثر حدة في الأشهر والسنوات المقبلة مع تكثيف الضغوطات على ’داعش‘”.
وقال مسرور برزاني، مستشار الأمن في حكومة كردستان الإقليمية في شمالي العراق: “سوف تتغير طبيعة القتال ضد “داعش” وتتحول إلى حرب استخبارات. إن إلحاق الهزيمة بالمجموعة عسكرياً يحرمها من الأراضي ويمنعها من اجتذاب وتجنيد المقاتلين الأجانب. ويفضي ذلك بالتالي إلى تثبيط همة المقاتلين الأجانب وثنيهم عن البقاء فيما تسمى الدولة الإسلامية، وسوف يحاولون في نهاية المطاف الهرب أو الاستسلام. عموماً، يجب عدم الاستخفاف بحجم التهديد الذي سيشكله المقاتلون الأجانب عند عودتهم إلى بلدانهم”.
في وقت متأخر من العام الماضي، تم اعتقال عضو استرالي رفيع في “داعش”، نيل براكاش، في داخل الحدود التركية بعد أن استأجر مهرباً ليساعدة في عبور الحدود إلى سورية. وأقر براكاش، وفق بيان ادعاء حصلت عليه الغارديان، بأنه انضم إلى “داعش” وحارب مع المجموعة في بلدة كوباني “عين العرب” حيث أصيب بجروح. ونفى أن يكون قد لعب دوراً أوسع في المجموعة، وادعى بأنه منح تصريحاً من قادة “داعش” في الرقة لمغادرة التنظيم والتوجه إلى محافظة إدلب.
وتعتقد الحكومة الاسترالية بأن براكاش واحد من أبرز أعضاء “داعش” الاستراليين، وبأنه ربما كان على صلة ببرنامج الطائرات من دون طيار، وبأنه سافر إلى تركيا بنية التوجه إلى أوروبا.
مع تكثيف الهجمات ضد “داعش” حول معقليه الحضريين الرئيسيين في الرقة في سورية والموصل في العراق، عمد التنظيم إلى استخدام الطائرات من دون طيار كأدوات استطلاع ولإسقط قنابل محمولة جواً على القوات الزاحفة. وكان استخدام الطائرات المسلحة من دون طيار ملمحاً منتظماً في دفاع التنظيم عن بلدة طبقة التي تقع إلى الغرب من الرقة، في معركة يبدو خسرها “داعش” مؤخراً لصالح القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
في الموصل، توقف القتال الذي يقوده العراقيون لاستعادة غرب المدينة من “داعش” حيث استطاع التنظيم إعادة الاستيلاء على بعض المناطق التي كان قد فقدها في الأسابيع الأخيرة، قبل أن يُستأنف الهجوم العراقي مؤخراً. وما تزال المجموعة متمترسة في شمال غرب المدينة، وفي أراضٍ بين الموصل والرقة، والتي يعتقد بأن قيادة “داعش” قد انسحبت منها واتجهت إلى بلدة دير الزور وبلدة المدائن المجاورتين.
يعتقد بأن ما يصل إلى 30.000 مقاتل أجنبي قد اجتازوا الحدود إلى داخل سورية للقتال في صفوف “داعش”. وتقدر الحكومة الأميركية أن ما يصل إلى 25.000 منهم قتلوا منذ ذلك الحين. وكان حوالي 850 مقاتلاً بريطانياً قد انضموا إلى “داعش” أو إلى مجموعات جهادية أخرى مثل جبهة النصرة، وفي بعض الحالات إلى القتال في فصائل الثوار الأخرى ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد. ويعتقد أن نصف هؤلاء المقاتلين قد عادوا إلى المملكة المتحدة، وأن حوالي 200 منهم قد قتلوا.
وقال ماهر إن إلحاق هزيمة عسكرية بالتنظيم الإرهابي سوف يعيق قدرة المجموعة على التجنيد. وأضاف: “روج التنظيم سرد الزخم والنجاح، وإن شعاره هو الثبات والتوسع. وقد صدق الكثير من الشباب ذلك. وبينما تتقلص الخلافة، لم يعد ذلك القبول قائماً. وقد تضاءلت قدرة التنظيم وهالته”.
وخلص ماهر إلى القول: “ما سنشهده الآن هو تراجع الأعضاء الأكثر قسوة والتزاماً في المجموعة إلى الصحراء، بينما يستعد التنظيم للانتقال إلى مرحلته التالية، كحرة تمرد عدوانية في سورية والعراق. ومع ذلك، سوف تفقد نسبة كبيرة من مجنديه القادمين من أوروبا والغرب الثقة في التنظيم، وتنشق أو تستسلم”.
مارتن تشولوف وجامي غريرسون وجون سوين
صحيفة الغد