يبحث البريطانيون بعد حل مجلس العموم تمهيدا لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في الثامن من يونيو/حزيران القادم بناء على قرار مفاجئ لرئيسة الحكومةتيريزا ماي أيدته أغلبية الأحزاب، عن مرحلة سياسية جديدة تواجه تداعيات “البريكست”، والعلاقة المأزومة مع الاتحاد الأوروبي، ويسعى حزب المحافظين إلى نيل مشروعية أكبر لإتمام المفاوضات الشاقة
وهذه الانتخابات كانت مقررة في السابع من مايو/أيار 2020، لكن رئيسة الحكومة رأت أنها في حاجة إلى دعم الشعب البريطاني، في وقت يتصاعد فيه الجدل بين الأحزاب البريطانية وفي أوروبا بشأن التداعيات المستقبلية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على جميع الأطراف.
ويشارك في الانتخابات مواطنو المملكة المتحدة (إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية) ممن تجاوزوا 18 سنة لاختيار أعضاء مجلس العموم الـ650 في 650 دائرة انتخابية، بينها 533 دائرة في إنجلترا و59 في أسكتلندا و40 في ويلز، و188 في أيرلندا الشمالية.
وعبر الانتخابات السابقة لأوانها، تبحث ماي عما تسميه “تفويضا جديدا وقويا” من البريطانيين، للحكومة التي ستخوض مفاوضات الخروج، وهي تدرك أن الموافقة بنسبة 51.9% على الخروج من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو/حزيران 2016، ومعارضة 48.1% لا تمنحها الصلابة اللازمة في المفاوضات.
شرعية أكبر
وخلال اجتماعاتها الانتخابية تدعو ماي إلى التصويت لها من أجل الاستمرار في منصبها -الذي وصلت إليه بالتعيين- مشيرة إلى أن “السنوات الخمس المقبلة ستكون منعطفا للمملكة المتحدة ولحظة مؤسسة وتحديا، وكل صوت لي ولفريقي سيمدني بمزيد من القوة من أجل المفاوضات”.
وبإجراء انتخابات مبكرة في الثامن من يونيو/حزيران المقبل لن تكون تيريزا ماي مرغمة على خوض انتخابات مرة أخرى حتى عام 2022، مما يتيح لها الوقت اللازم، والهامش الأكبر للمناورة في المرحلة النهائية من مباحثات “البريكست” التي من المقرر أن تنتهي سنة 2019.
وتسعى ماي أيضا عبر كسب أغلبية أكبر لحزبها في مجلس العموم، وتثبيت نفسها برئاسة الحكومة، إلى صد أي محاولات لتفكيك الوحدة البريطانية، لا سيما في ضوء دعوات أسكتلندا للانفصال عن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وترى ماي أن الانتخابات المبكرة عامل مهم لإثناء القوميين الانفصاليين عن مطلبهم.
وتخشى رئيسة الوزراء من أن خروجا غير منظم، وبشروط أوروبية عسيرة ومربكة لبريطانيا قد يدعم حركات الاستقلال بما يهدد فعلا بانفصال أسكتلندا، ويأزم الوضع أكثر مع إسبانيا حول منطقة جبل طارق، وهي تحاول وضع الخطط اللازمة لمواجهة هذا الأمر، وإتمام عملية “البريكست” بأقل الخسائر الممكنة، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
انقسام سياسي
وفي مؤشر على الانقسام السياسي في بريطانيا، وصف نواب في المعارضة الدعوة إلى الانتخابات المبكرة بأنها محاولة لقطع الطريق على المعارضين لاتفاق البريكست، خاصة بعد العريضة التي وقعها نحو 2.5 مليون شخص لإجراء استفتاء آخر على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وتخوض الانتخابات المقبلة سبعة أحزاب رئيسية في بريطانيا العظمى، هي: المحافظون والعمال والحزب القومي الأسكتلندي والليبراليون الديمقراطيون والحزب الويلزي وحزب الاستقلال وحزب الخضر، إلى جانب أحزاب صغرى كالائتلاف الانتخابي للأحزاب الاشتراكية وحزب الاحترام والحزب الوطني البريطاني، بالإضافة إلى المستقلين.
وفي أيرلندا الشمالية، تشارك في الانتخابات خمسة أحزاب رئيسية، هي: الديمقراطي الاتحادي وشين فين والحزب الديمقراطي الاجتماعي والعمل (الرابع في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 20144)، وحزب يونيستر الاتحادي وحزب التحالف.
وتشير الصحافة البريطانية إلى أحزاب المعارضة تسعى لتشكيل تحالف يضم الخضر والليبراليين الديمقراطيين والعمال والحزب القومي الأسكتلندي للحيلولة دون تشكيل حكومة أغلبية من حزب المحافظين، ووضع شروط أفضل “للبريكست”، لكن الاقتراح لم يحظ بموافقة حزب العمال، رغم رفضه خطط المحافظين للخروج، ودعوته لعلاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي تقوم على الشراكة بدل العضوية.
وأظهرت استطلاعات للرأي أن التقدم الذي أحرزه حزب المحافظين على حزب العمال تقلص بمعدّل النصف منتصف مايو/أيار الحالي، ليبلغ تسع نقاط، حيث حصل حزب المحافظين على 44% من نوايا التصويت مقابل 35% لحزب العمال، وجاء ذلك بعد أن نشر الحزب برنامجه الذي يحمل طابعا اشتراكيا.
ويسعى حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين إلى صفقة مختلفة مع الاتحاد الأوروبي “تعطي الأولوية للوظائف وحقوق العمال والموظفين، وتضمن حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا”، والحصول على اتفاق مبكر مع التكتل الأوروبي من أجل تسهيل خروج بريطانيا من الاتحاد عام 2019.
معركة الخروج
وبالتوازي مع صراعها الداخلي، تخوض تيريزا ماي صراعا مع الاتحاد الأوروبي، واتهمته بأنه يريد إفشال المفاوضات، مشيرة إلى أن “الموقف التفاوضي للمفوضية الأوروبية ازداد تشددا، ووجه سياسيون ومسؤولون أوروبيون تهديدات لبريطانيا، واختير توقيت كل هذه الأفعال بقصد التأثير على نتائج الانتخابات العامة”.
وانتقد مسؤولون أوروبيون فعلا ما سموه “أوهام لندن”، حيث حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بريطانيا، بأن عليها ألا تتوقع الحصول على الحقوق نفسها التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعد خروجها، بينما أكد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في محادثات الانفصال ميشيل بارنييه أن “الانفصال لن يتم بسرعة وبلا ألم”.
ويؤكد محللون أن الاتحاد الأوروبي يسعى لرفع كلفة خروج بريطانيا من الاتحاد، ليسند ربما من يفكرون في خط رجعة، وحتى لا تفكر دولة أخرى مستقبلا في السير على منوال لندن، في حين تحاول بريطانيا التفاوض وفق شروط خاصة بها، في ظل خيارات مطروحة، من بينها قبول اتفاق انتقالي حتى عام 2022.
ومن المنتظر أن تتحمل بريطانيا أعباء اقتصادية ضخمة، وقدرت المفوضية الأوروبية المبلغ الذي يجب على بريطانيا أن تدفعه بستين مليار يورو (644 مليار دولار)، بينما يرى المسؤولون البريطانيون أن المبلغ في حدود عشرين مليار يورو، وفي كلتا الحالتين فإن ذلك يمثل تحديا اقتصاديا كبيرا إذا أضيفت له خسائر بريطانيا من عملية الخروج، خاصة على المديين القريب والمتوسط.
وستفقد بريطانيا بخروجها امتيازات العضوية، وأهمها حرية دخول السلع والخدمات، وكذلك اتفاقيات التجارة الحرة مع 53 دولة، كما ستقل حصيلة الضرائب بنحو 36 مليار جنيه إسترليني -وفق تقديرات وزارة الخزانة البريطانية-، وسينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% بحلول عام 20300، وفق ما نشرته الصحافة البريطانية، وهي عوامل قد تكون مؤثرة في صوت الناخب البريطاني واختياراته.
زهير حمداني
الجزيرة