دمشق – تتركز الأنظار في سوريا على منطقتي البادية والجنوب، حيث ينظر إليهما على أنهما الكلمتان الفيصل في أي تسوية منتظرة للأزمة التي بلغت عامها السابع.
وهناك اليوم تنافس محموم بين الجيش السوري والميليشيات الإيرانية الداعمة له من جهة وفصائل المعارضة المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى للسيطرة على المنطقتين.
ويرى مراقبون أن التطورات الميدانية على الجهة العراقية المقابلة والمتمثلة في نجاح قوات الحشد الشعبي في الوصول إلى الحدود السورية، هي في صلب التنافس الجاري داخل الأراضي السورية.
ويحاول الجيش السوري بدعم من حزب الله اللبناني ولواء القدس (فلسطيني) وصقور الصحراء الذي انضم إلى اللواء الخامس المشكّل حديثا، التقدم مجددا صوب قاعدة التنف بعد أن نجح في السيطرة على عدة نقاط الأحد على مستوى الطريق الدولي الرابطة بين دمشق والعاصمة العراقية بغداد.
وقاعدة التنف تقع على تقاطع حدودي بين الأردن والعراق وسوريا وتتمركز فيها فصائل من المعارضة السورية مثل “جيش أسود الشرقية” و”مغاوير الثورة”، فضلا عن قوات خاصة أميركية وبريطانية ونرويجية، وقد عززت واشنطن من حضورها العسكري فيها في منتصف هذا الشهر.
ويهدف تقدم الجيش السوري المحفوف بالمخاطر إلى عرقلة تنظيم “جيش أسود الشرقية” خاصة والذي يتحرك بسرعة لافتة انطلاقا من القاعدة باتجاه الشمال والشرق، وقد يسيطر قريبا على السخنة وهي واحة مهمة قرب تدمر، وبكتال وهي مفترق طرق أنابيب النفط بالقرب من مدينة البوكمال التي سبق وتكبّد فيها التنظيم خسائر فادحة العام الماضي على خلفية فشل عملية إنزال جوي.
مساعي الجيش السوري للتقدم في هذا الشطر تجد التحالف الدولي بالمرصاد لها، حيث ألقى طيران التحالف مساء الأحد “مناشير تحذيرية” على القوات السورية تطالبها بالعودة إلى نقطة حاجز ظاظا.
وتكشف الصور التي نشرتها تنسيقيات لفصائل المعارضة منشورات تحمل عبارة “غادروا هذه النقطة الآن.. عودوا إلى نقطة حاجز ظاظا” مع خارطة مصغرة تظهر سهما يشير إلى “خط العودة”.
المنطقة الممتدة من التنف إلى سنجار في العراق أضحت بؤرة توتر كبيرة، حيث هناك عدة شركاء في الحرب يتنافسون عليها
وكان الجيش السوري وحلفاؤه قد سيطروا الجمعة على الكتيبة المهجورة شمال غرب منطقة ظاظا، وذلك ضمن العمليات العسكرية لتوسيع السيطرة على محور طريق التنف.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الجيش السوري التقدم من التنف خلال هذا الشهر، فقد سبق له ذلك إلا أنه تعرض لقصف جوي من قبل الطائرات الأميركية في 18 مايو ما أدى إلى تراجعه.
وقال التحالف آنذاك إن “الخطوة (القصف) تم اتخاذها بعد أن فشلت محاولات روسيا في إقناع القوات الموالية للحكومة بعدم التقدم باتجاه التنف، ما دفع التحالف إلى استعراض القوة فيما قام أيضا (قبل ذلك) بإطلاق طلقات تحذير”.
وأوضح البيان الرسمي له أن “قوات التحالف تعمل في منطقة التنف على مدار أشهر كثيرة، حيث تقوم بتقديم الاستشارة للقوات التي تشترك في محاربة تنظيم داعش وتدريبها”.
وفي وقت لاحق أعلنت روسيا أن الضربة الجوية التي تعرض لها الجيش السوري بالقرب من التنف لن تتكرر على خلفية تعهد أميركي بذلك، ولكن مراقبين يستبعدون ذلك ويعتبرون أن إلقاء المناشير التحذيرية ليس سوى تمهيد لجولة قصف جديدة.
ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة لن تفرط بسهولة في هذا الجانب السوري لعدة اعتبارات أهمها ضرب المشروع الإيراني وأيضا تثبيت النفوذ في سوريا الذي سيخول لها التأثير بشكل أكبر على صياغة مستقبل هذا البلد.
ويرى فابريس بالونش، مدير الأبحاث في “جامعة ليون 2” في مقال له بـ”معهد واشنطن”، أن المنطقة الممتدة من التنف إلى سنجار في العراق أضحت بؤرة توتر كبيرة،
حيث هناك عدة شركاء في الحرب يتنافسون عليها بالنيابة عن رعاتهم الإقليميين والدوليين.
ويلفت بالونش إلى “أن اتفاقا دوليا حول كيفية الاستحواذ على مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية يعد المسألة الأكثر إلحاحا يوما بعد يوم”.
وحذر من “أنه دون قيام مثل هذه التفاهمات، تواجه الأطراف خطر المواجهة المباشرة بين القوات الروسية والأميركية. فعلى سبيل المثال، كيف سترد واشنطن إذا ما قصفت الطائرات الروسية المعارضين المدعومين من قبل الولايات المتحدة؟ وكيف سيكون ردّ فعل موسكو ودمشق إذا تعرّض الجيش السوري أو الميليشيات الحليفة له لضربة جديدة في البادية؟”.
ويشير الزميل الزائر في معهد واشنطن إلى أنه “مع وجود معطيات تشير إلى تنامي الوجود العسكري البري الروسي في سوريا ومسارعة الفصائل المتعددة للاستحواذ على الأراضي السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء، فإن هناك احتمالا كبيرا بوقوع أخطاء وقد تكون التداعيات الدبلوماسية والعسكرية نتيجة ذلك خطيرة”.
وبالمقابل يرى آخرون أن خطر المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا مستبعد لإدراك الجانبين أن هذا سيكلف كليهما الكثير، وبالتالي فإن
ما يسجل من تصعيد في منطقة البادية لن يقود في النهاية إلا إلى تفاهم يخدم كليهما وتبقى المعضلة هنا إيران وكيفية التعاطي معها.
العرب اللندنية