في 12 حزيران/يونيو الحالي، وجّهت إيران رسالة جديدة إلى الولايات المتحدة من خلال «تبنيها» نجاح القوات النظامية السورية وميليشيات حليفة في الوصول إلى الحدود مع العراق، إذ ظهر قائد «فليق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني إلى جانب عناصر مسلحة تابعة إلى “لواء فاطميون” الأفغاني في موقع يُفترض أنه يقع شمال معبر التنف في البادية السورية على الحدود مع العراق “جنوب الأنبار”، بعد أيام من ظهور مماثل له إلى جانب «الحشد الشعبي» العراقي إثر وصوله أيضاً إلى حدود سورية “بين نينوى والحسكة”. ويستهدف ظهوره المصور على جانبي الحدود، توجيه رسالة إلى الأميركيين الذين لا يخفون نيتهم التصدي لتنامي نفوذ الجماعات المرتبطة بإيران في العراق وسورية
وفي سياق تلك الرسالة نشرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، تظهر قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، برفقة عناصر من الميليشيات الشيعية “لواء فاطميون” الأفغاني، في البادية السورية. وذكرت الوكالة، المقربة من “الحرس الثوري”، أن ميليشيا “فاطميون” الأفغانية ترافق قوات الجيش السوري في معارك البادية السورية. وأوضحت الوكالة أن قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، قاسم سليماني رافق تقدم الميليشيات الرديفة من البادية السورية إلى الحدود مع العراق. وقالت الوكالة إن الميليشيا التي أنشأها الحرس الثوري أطلقت عملياتها لدعم “الجيش السوري وقوى المقاومة بالتحرك إلى الحدود السورية العراقية”. وبحسب تقرير الوكالة “نجحت الميليشيا وحلفاؤها في المقاومة والجيش السوري منذ يومين في الوصول إلى الحدود العراقية السورية محطمين بذلك الخطوط الأميركية التي كانت تحاول فرضها عبر الغارات”. ونشرت الوكالة صورا ظهر فيها سليماني، المصنّف في القائمة السوداء الأميركية، وهو يصلي مع العناصر الأفغانية. ويتساءل مراقبون كيف أمكن للأميركيين الذين يتواجدون بكثافة في هذا الجانب التغاضي عن هذا التقدم؟. ويأتي هذا الظهور بعد أيام من ظهور مماثل له إلى جانب «الحشد الشعبي» العراقي إثر وصوله أيضاً إلى حدود سورية بين نينوى والحسكة.
توجّه صور الجنرال الإيراني قاسم سليماني، التي نشرت، مجموعة من الرسائل المركّزة «إلى من يهمّه الأمر»، وخصوصاً الأمريكيين، والقوى الإقليمية العربية، وعلى رأسها بالطبع، خصم إيران الرئيسي، المملكة العربية السعودية. يشكّل ظهور سليماني، بداية، إعلانا رمزيّا عن انتصار إيران العسكريّ الذي يمثّله وصول قوّاتها وتنظيمات تابعة لها إلى الحدود السورية – العراقية، بالتناظر مع الصعود الكبير لحلفائها من ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي التي تقترب من الاستيلاء على مدينة الموصل وقد تجاوز بعضها أيضاً الحدود السورية – العراقية مما استدعى تنبيهاً من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يطالبها فيه بالتوقف عن ذلك.
اختار سليماني لحركته هذه مرافقة تنظيم «الفاطميون» للشيعة الأفغان وهو أيضاً إعلان رمزيّ آخر عن اتساع «الإمبراطورية» الإيرانية، بدءاً من مناطق نفوذها داخل أفغانستان المنهكة بالنزاعات، وتوظيفها في حروبها لخزّان بشريّ هائل مكوّن من مئات آلاف اللاجئين الأفغان، مروراً بالعراق وسوريا المهشّمين والمطحونين بالقصف والموت والاعتقالات والتهجير الجماعي، وصولاً إلى لبنان حيث يبسط حليفها القويّ «حزب الله» هيمنته العسكرية على الشارع وينيخ بظلّه الكبير على مؤسسات الرئاسة والبرلمان والحكومة.
تطلّ إيران على بحرين، الأول، قزوين،أو ما يُسمى ببحر الخزر من جهة الجنوب، وتشاركها فيه روسيا من الشمال الغربيي وكازاخستان من الشمال والشرق، كما تحد هذا البحر تركمانستان من الشرق، وأذربيجان من الغرب، وتستفيد منه دول أخرى كممر إستراتيجي لها ولمواردها إلى تركيا وجنوب أوروبا. إيران فاعل رئيس في هذا الإقليم، وقد تزداد أهميتها مستقبلاً كونها تتمتع بميزات نوعية، أهمها الثروات الهائلة وموقعها الجغرافي الذي يجعلها بالفعل الممر الأفضل والأقل تكلفة لنفط وغاز بحر قزوين نحو بقية دول العالم، خاصة أنها جهزت نفسها جيدًا بمنشآت لصناعة النفط على شاطئ البحر الجنوبي، وتملك شبكة أنابيب هي الأوسع في الشرق الأوسط، وبالإمكان مدها بسهولة الى أية دولة مجاورة. لكن هذه الفرص الكثيرة تُواجَه بقيود أكثر أمام إيران التي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على عزلها سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا باستخدام القوة الناعمة، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في وسط آسيا. ثمة معادلات دولية وإقليمية تعمل لصالح عزل أو على الأقل تحجيم دور ايران في إقليم بحر قزوين، وبالمقابل ثمة إدراك إيراني-روسي-صيني لأهمية التعاون المشترك لمنع الولايات المتحدة الأمريكية من الهيمنة على هذا الإقليم؛ لذا تطرح ثروات بحر قزوين والاختلاف على تقسيم المياه فيه تحديات مستقبلية لإيران.
والثاني يحاذي دول الخليج العربيّة ويتميّز بممرات ضيّقة ليصل إلى بحر العرب الذي يفتح الطرق البحرية إلى باكستان والهند وإندونيسيا، من جهة، وإلى السعودية وافريقيا من جهة أخرى. أضف إلى ذلك بروز منذ الثورة الإيرانية في عام 1979م عدة عناصر دفعت بالعلاقات الخليجية الإيرانية نحو مزيد من التنافر والتوجس، ومع تراكم تلك الحوادث وتفاعلها ازدادت الهوة بين الطرفين اتساعا. ومن بين تلك العناصر ما هو ديني ثقافي ومنها ما يعود إلى عوامل سياسية أو أمنية، وفيها أيضا ما يعود إلى عوامل سببتها أطراف خارجية.ومن أبرز مسببات التباعد بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي:
1- الخلافات الطائفية بين المذهب السني الذي تعتنقه غالبية شعوب دول الخليج العربية والمذهب الشيعي الذي تتبناه إيران.
2- وجود قوات أميركية في منطقة الخليج منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 وقد ظل ذلك الوجود يزداد وظلت إيران تنظر إليه بخيفة وتوجس.
3- التشدد الإيراني حيال قضية الجزر الإماراتية إلى درجة رفض التعاون مع اللجنة الثلاثية التي شكلها مجلس التعاون الخليجي للوساطة بين طهران وأبوظبي.
4-تأييد إيران عام 2001 المرشح الفنزويلي لأمانة أوبك ضد المرشح السعودي الأوفر حظاً.
انتقاد إيران المتكرر للبيانات الختامية التي تصدرها قمم دول مجلس التعاون لاحتواء تلك البيانات على إدانة لها بسبب إصرارها على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.
5-إجراء مناورات بحرية ضخمة في بعض الأحيان في الخليج وعند مضيق هرمز وبحر عمان.
6-الحرب بالوكالة المشتعلة بين إيران والمملكة العربية السعودية في عدة دول عربية وأبرزها سورية واليمن.
يفتح الطريق الإيراني نحو المتوسّط مجالاً واسعاً ورخيصاً لحركة النفط والغاز والسلع الإيرانية باتجاه أوروبا ودول شمال افريقيا وهذا أحد الأسباب لاعتبار ما جرى إنجازاً استراتيجياً كبيراً لطهران، على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية. لذا تشكل البادية الممتدة من وسط سوريا إلى الحدود العراقية أهمية استراتيجية بالنسبة إلى طهران حيث يتم عبرها إمداد القوات التابعة لها في سوريا بالأسلحة. تضع إيران ثقلها في معركة البادية السورية، حيث أرسلت قائد فليق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني للإشراف على العملية هناك. وتشكل البادية الممتدة من وسط سوريا إلى الحدود العراقية أهمية استراتيجية بالنسبة إلى طهران حيث يتم عبرها إمداد القوات التابعة لها في سوريا بالأسلحة، والمزيد من العناصر في حال اقتضت الضرورة. ويقول خبراء عسكريون واستراتيجيون إن البادية هي حجر الزاوية في مشروع الحزام الأمني الإيراني الذي يبدأ من العراق ويمر بسوريا ويصل إلى لبنان والبحر المتوسط وبالتالي السيطرة عليه مسألة ضرورية وفق الرؤية الإيرانية.
الملاحظ أن صلاة سليماني الحدودية التي ترافقت مع «براند» (ماركة) «الفاطميين» لم تأت عبثاً، فهي تحمل فكرة أيديولوجية وتعبوية مهمة أيضاً يريد إيصالها، عبر استعادتها لرمزية الخلافة الفاطمية التي فتحت مصر عام 969 (358 هجرية) وأسست مدينة القاهرة، وكان نفوذها منتشراً من المغرب حتى فارس. بالتناظر مع مشهد سليماني الكاشف فقد نقلت وسائل إعلامية «مقربة من النظام السوري» عن إيغور ماتفييف، وهو رئيس الملحقية التجارية والاقتصادية في السفارة الروسية بدمشق أن موسكو تتجه لاستخدام الحدود السورية كـ»ممر» مع العراق ودول أخرى، وهو تصريح يتكئ، كما هو واضح، على فتح إيران للحدود السورية العراقية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية