القاهرة – تحاول موسكو استعادة زخم العلاقة مع القاهرة مع احتضان الأخيرة لمحادثات بين وزيري الخارجية والدفاع المصريين سامح شكري وصدقي صبحي ونظيريهما الروسيين سيرجي لافروف وسيرجي شويغو، ضمن صيغة (2+2) للتعاون بين البلدين.
وتقول أوساط سياسية مصرية إن روسيا تعمل على تدارك الفتور الذي ألم بالعلاقات الثنائية، لأن استمراره سيعني تكريس مصر لتوجهها صوب الولايات المتحدة التي تشهد العلاقة معها تطورا لافتا في ظل إدارة دونالد ترامب.
والمباحثات الذي عقدت بين الوزراء الأربعة في القاهرة الاثنين هي الثالثة في إطار تلك الصيغة. وكان اللقاء الأول عقد في نوفمبر 2013 بالقاهرة، والثاني بموسكو في فبراير 2014، ثم انقطعت اللقاءات، وبدا كأن هناك شرخا ما في العلاقات، تضاعفت ملامحه عقب سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء في نهاية أكتوبر 2015، وإيقاف السياحة الروسية عن مصر.
وقال أحمد أبوزيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن شكري ولافروف أكدا خلال المباحثات حرص البلدين على استئناف الطيران المباشر بين مصر وروسيا في أقرب وقت، وإن لم يحددا موعدا معيّنا.
وجدد شكري التزام مصر بتعميق التشاور مع روسيا في القضايا والأزمات الإقليمية، بينما شدد لافروف على الالتزام باتفاق 2009 للتعاون الاستراتيجي وضرورة تحديثه، وتناولت المباحثات الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والقضية الفلسطينية.
واستحوذت جهود محاربة الإرهاب على جانب كبير من مباحثات وزيريّ الخارجية، وأعرب سيرجي لافروف عن ثقته في قدرة مصر على التصدي للأعمال الإرهابية.
ودعا الوزير الروسي القاهرة إلى اتخاذ إجراءات مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب بعد الهجوم الأخير على حافلتين تقلان أقباطا في محافظة المنيا، وأدى إلى مقتل 28 شخصا العديد منهم من الأطفال.
وذكرت مصادر سياسية لـ”العرب” أن المباحثات ركزت على العقبات التي تواجه زيادة التعاون بين البلدين وعلى رأسها ما تعتبره مصر تلكؤا واضحا في عودة السياحة الروسية إلى مصر، والذي تستشعر معه القاهرة بأن موسكو تستخدم ملف السياحة كورقة ضغط عليها للاستجابة لمطالبها في قضايا سياسية وأمنية معيّنة.
وتم التطرق إلى زيادة سبل التعاون العسكري المصري الروسي لمواجهة الإرهاب، خاصة بعد أن تعهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمته عند بداية الهجمات على درنة شرق ليبيا، بأن تلك الضربات الجوية لن تكون الأخيرة.
وفتح توقيت الزيارة الباب أمام استنتاجات عديدة حول العلاقات بين مصر وروسيا، وخاصة أنها تأتي بعد زيارة السيسي لواشنطن الشهر الماضي والتي أكد خلالها الرئيس دونالد ترامب على دعمه الكامل لمصر، ثم تأكيد السيسي في الخطاب الذي ألقاه أمام القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض أن “رؤية الرئيس ترامب الثاقبة ستجعل الولايات المتحدة هي القادرة على إحداث النقلة النوعية المطلوبة للقضاء على الإرهاب على الصعيد الدولي”.
ولم يذكر السيسي في ذلك الخطاب روسيا مطلقا كشريك في الاستراتيجية الشاملة التي طرحها لمكافحة الإرهاب.
ولفت محللون في القاهرة إلى أن زيارة الوزيرين الروسيين تعكس قلق موسكو من زيادة التعاون مع الولايات المتحدة، خاصة وأن مصر تعد أحد أهم اللاعبين في قضايا الشرق الأوسط، وروسيا غير مستعدة لخسارة حليف بحجمها.
وأوضح محمد السعيد إدريس، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هذا اللقاء يمثل “خطوة مهمة” في العلاقات بين مصر وروسيا، ولفت إلى أن خطاب السيسي في قمة الرياض حمل عدة تلميحات غير مباشرة للجانب الروسي مقتضاها أن مصر ستظل دائما مستقلة في اتخاذ قراراتها وتؤيد الجانب الذي يقف بجانب مصالحها وأمنها القومي.
وأضاف لـ”العرب”، أنه يوجد قلق في موسكو إزاء تراجع الدور الروسي في الآًونة الأخيرة على صعيد ملفات الشرق الأوسط، سواء في ليبيا أو اليمن.
ورأى البعض من المراقبين أن روسيا تستشعر أنها تبتعد عن الدور الذي طالما سعت إليه وكانت قريبة من تحقيقه، وهو أن تكون اللاعب الرقم واحد في المنطقة.
وقالت أوساط مصرية إن تطورات الملف السوري كانت على طاولة مباحثات لافروف وشويغو والمسؤولين المصريين بالقاهرة، على ضوء تعزيز واشنطن وجودها في
سوريا مؤخرا لمواجهة داعش، وهو ما يثير قلق موسكو التي تريد الإبقاء على سيطرة تامة على هذا الملف الاستراتيجي بالنسبة إليها.
وترجح هذه الأوساط أن تعطي المباحثات الروسية المصرية الأخيرة دفعة جديدة للعلاقات الثنائية في ظل وجود نقاط عديدة مشتركة في أكثر من ملف.
وأشارت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أنه في حالة الوصول إلى الصيغة النهائية لتوقيع اتفاق محطة الضبعة للطاقة النووية في الاجتماع المصري الروسي، فإن ذلك يعد طفرة هائلة في العلاقة بين البلدين وخاصة في ظل أهمية ذلك المشروع للقيادة المصرية.
ورجحت في تصريحات لـ”العرب”، أن تترتب عن هذه الزيارة نتائج مهمة يمكن أن تؤثر على مسار العلاقات المصرية الروسية، خاصة أن كلا البلدين في حاجة إلى الآخر.
العرب اللندنية