لم تكتف إيران بدورها التوسعي في عديد من دول المنطقة على مدار الأعوام الماضية، لكنها قامت بالتوازي مع ذلك بالتوغل داخل أهداف جغرافية تمثل أهمية قصوى بالنسبة للمفهوم الشامل للأمن القومي العربي، في محاولة لخلق كماشة بحرية وعسكرية واقتصادية تسمح بتهديد الدول العربية من جهة البحر الأحمر.
وخلصت دراسة حول تصاعد التهديد الإيراني ناحية القارة الأفريقية وأثره على البلدان العربية وتحديدا مصر، إلى أن المساعي الإيرانية الأخيرة في أفريقيا تهدف إلى تطويق الدول العربية وامتلاك أوراق ضغط عليها في حال حدوث تصعيد سياسي أو عسكري، وأن طهران وظفت إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والثقافية والدينية للقيام بدور فعّال في دول حوض النيل.
وتوترت العلاقة بين مصر وبعض دول حوض النيل منذ عام 2010 بعد خلافات حول الاتفاقية الإطارية لتنظيم حصص مياه النيل بين دول الحوض المعروفة بـ”اتفاقية عنتيبي” ولا تزال مصر ترفضها بشكلها الحالي، وتقول إنَّها تؤثر على حصتها من المياه المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب سنويًّا.
وأشارت الدراسة، التي أعدّها اللواء محمود ضياء الباحث في الشؤون الأفريقية والإستراتيجية إلى أن العلاقات الدبلوماسية القوية لطهران مع معظم دول حوض النيل أعطت لها أسبقية في التواجد بشكل كبير داخلها ما قد يمكّنها مستقبلا من التحكّم في مواقف تلك الدول الخاصة ببعض القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية توزيع مياه النيل.
وقامت طهران بتطوير علاقاتها مع دول حوض النيل وشرق أفريقيا، خاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا وجيبوتي والصومال وإريتريا، ضمن سياستها الرامية إلى تخريب عناصر الأمن والاستقرار في بقع كثيرة.
على مدار العامين الماضيين تحسنت العلاقات الدبلوماسية بين طهران وأديس أبابا، وهو ما نتج عنه تنويع الزيارات الدبلوماسية، وأهمها حضور حسين أمير عبداللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية للقمة الأفريقية الـ24 التي عقدت في أديس أبابا في العام 2015 وهي الزيارة التي أفضت إلى دخول عدد من المشروعات الاستثمارية الإيرانية بعد أن توقفت في عام 2010.
محمود ضياء: طهران كان لها دور بارز في تغذية الخلافات بين مصر والسودان
وألقت الدراسة الضوء على تحركات إيران في المجال الاقتصادي والذي يهدف إلى عرقلة الجهود المصرية الاستثمارية في عديد من البلدان، وعملها على خفض فرص نفاذ السلع والبضائع المصرية في أسواق دول حوض النيل من خلال إغراقها بالسلع والمنتجات بأسعار مخفضة، وأنها تعد أحد الأسلحة التنافسية التي تسعى من خلالها طهران إلى فرض سيطرتها على تلك البلدان.
وبرهنت على أن ذلك التواجد يؤثر سلبا على الأهداف السياسية والأمنية والمائية المصرية في حوض النيل، والتي تبنى على سياسة تهدف إلى تأمين المصالح المصرية، ومحاولة استعادة دورها في المنطقة، ما يدعم وجهة نظر القاهرة تجاه القضايا الإقليمية.
وقال محمود ضياء لـ”العرب”، إن “الدراسة ركزت على خطورة التواجد الإيراني في دول حوض النيل وأثره على مستقبل مصر التنموي والذي سوف يكون له تأثير مباشر على قوة الدولة المصرية إقليميّا وأفريقيّا”.
وتحاول القاهرة استعادة نفوذها في القارة السمراء وإعادة تصحيح علاقاتها مع كثير من الدول للحفاظ على مصالحها، لكن لا تزال تواجه مصدات من قبل بعض القوى.
وكشفت الدراسة عن ارتباط ذلك بمحاولات النظام الإيراني تحجيم الدور المصري وتغذية عوامل الخلافات بينه ودول حوض النيل، وأن الأمر امتد ليشمل البلدان الأفريقية التي لها حدود مع مصر وعلى رأسها السودان”.
وأضاف ضياء أن “طهران كان لها دور بارز في تغذية الخلافات بين مصر والسودان بشأن منطقة حلايب وشلاتين الحدودية (متنازع عليها بين مصر والسودان) وافتعالها تهديدات بطرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مع وجود احتمالات قوية بإمكانية دعم أنشطة إرهابية، بجانب العمل على الترويج للمذهب الشيعي وإثارة الخلافات على أساس طائفي كما حدث في السابق في نيجيريا وجنوب أفريقيا.
ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “التهديدات الإيرانية في مجملها تبدو غير مباشرة حتى الآن ولم يتم التلويح بها من جانب النظام الحاكم في طهران مباشرة، غير أن تغيّر قواعد اللعبة السياسية حال تزايد التنسيق والتعاون المصري الخليجي بشأن حماية المصالح الخليجية وأمنها يجعل إيران مستعدة للتلويح بها واستخدامها بشكل مباشر، وبالتالي فإن أمن بلدان الخليج يعد الحاكم الأساسي في مدى خطورة هذا النفوذ من عدمه”.
يؤمن الكثير من السياسيين المصريين بأن تزايد الخلافات الخليجية الإيرانية، قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين القاهرة وطهران والتي تشهد فتورا مستقرا منذ سنوات، وأن النظرة الإيرانية لمصر بعد انضمامها للمعسكر الخليجي المعارض لقطر ودخول طهران على خط الأزمة مساندة للدوحة ربما تكون له تأثيرات سلبية خلال المستقبل القريب على تلك العلاقات.
وأكد ضياء على أن “التواجد الإيراني في العمق الإستراتيجي وخواصر بعض الدول العربية من خلال دول حوض النيل يرمي إلى تطويق الدول العربية حال حدوث مواجهة كبيرة في الصراعات الراهنة التي تورطت فيها طهران، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، والتضييق على الاستثمارات الخليجية الكبيرة لمنع توظيفها سياسيا.
وذهب خبراء أمن في مصر إلى التأكيد على أن التواجد العسكري الإيراني في أفريقيا يعد الأخطر بالنسبة للبلدان العربية، لأنها تحاول من خلال تواجدها في دول القرن الأفريقي ودول حوض النيل أن تصنع ممرات بحرية وبرية تقود إلى الميادين التنافسية ذات طابع المواجهة لإيران في الشرق الأوسط، والتي تستخدم لتهريب الأسلحة ودعم العمليات الإرهابية.
كما أنها تحاول التواجد بشكل فعال في البحر الأحمر والذي يقود إلى قناة السويس، تعمل علي تطوير علاقاتها بالدول المطلة على البحر الأحمر، بينها السودان وإريتريا وجيبوتي، وتسعى لتقوية علاقتها البحرية باليمن.
وتعد الدراسة التي أعدها محمود ضياء بمثابة جرس إنذار لمصر، والانتباه جيدا لطبيعة المخاطر التي تمثلها إيران في حوض النيل، وهو ما يقدم تفسيرا لقيام مصر بتعزيز قدراتها العسكرية، خاصة أسطولها البحري.
أحمد جمال
صحيفة العرب اللندنية